عاد الجدل مجددا ليرافق شركة “أمانديس”، المفوض لها تدبير قطاع الماء والكهرباء وتطهير السائل بعدد من مدن الشمال، بعد أن شرعت في الأيام الأخيرة في تنفيذ إجراءات مفاجئة لقطع التزويد بالكهرباء ونزع العدادات عن زبناء تأخروا في أداء الفاتورات، وسط استياء واسع من سكان اعتبروا الخطوة “تعسفية وغير قانونية”.
ورصدت جريدة “العمق” تنفيذ عمليات قطع الكهرباء بعدد من المنازل بمدن تطوان والمضيق ومارتيل والفنيدق من طرف مستخدمين تابعين لشركة مناولة تعمل لفائدة “أمانديس”، وذلك مباشرة بعد توجيه إشعارات تحمل صفة “إشعار ثاني”، فيما أفاد مواطنون بأنهم لم يتوصلوا أصلا بأي “إشعار أول”، وفق شهادات متطابقة.
وتُشير الإشعارات التي عاينتها الجريدة إلى ضرورة الأداء خلال أجل قصير لا يتعدى أياما معدودة، مع فرض غرامات إضافية تحت بند “مصاريف الإشعار”، إلى جانب رسوم إضافية لإعادة الربط بالخدمة، وهو ما أثار انتقادات حادة ضد الشركة الفرنسية.
واعتبر زبناء تحدثت إليه الجريدة، أن هذه الإجراءات تبقى غير قانونية، خاصة أنها تأتي عقب مرور مرور أيام قليلة على انتهاء أجل الأداء الذي تحدده الشركة في 7 أيام فقط من تاريخ التوصل بآخر فاتورة، مشيرين إلى أن عددا منهم يتجه لتقديم شكايات لدى الشركة، ورفع دعاوى قضائية ضدها في حالة عدم التفاعل مع شكاياتهم.
وكانت الشركة تلجأ في السابق إلى إجراءات قطع التزويد بالكهرباء بعد تجميع 3 فاتورات أو أكثر غير مؤداة، لكنها أصبحت مؤخرا تُفعِّل هذا الإجراء على آخر شهر مفوتر، وبعد مرور أيام قليلة على إرسال الفاتورة.
شكايات وتذمر
وأفاد عدد من المتضررين للجريدة أن الشركة عمدت إلى فرض غرامات تتجاوز 80 درهما على التأخير، رغم أن فواتيرهم لم تتعد 300 درهم، وهو ما يتناقض مع دفتر التحملات الذي ينص على توجيه إشعارات القطع فقط للزبناء الذين تتجاوز مستحقاتهم هذا السقف.
وأضاف مواطنون آخرون أن فترة الصيف تشهد عادة ارتفاعا في استهلاك الماء والكهرباء، مشيرين إلى أن ارتفاع الفواتير تفاقم هذا العام بسبب “اعتماد الشركة على التقدير عوض قراءة العدادات الفعلية، نظرا لغياب عدد من المراقبين في عطلتهم السنوية”.
مواطن غاضب قال في تصريح لـ”العمق”: “أمانديس تطوان أصبحت عصابة تنهب جيوب المواطن.. الشركة تتحول إلى بنك بزيادة 60 درهما عن كل شهر تأخير، وتفرض غرامات دون وجه حق. أين هي دولة القانون؟”
وفي الاتجاه ذاته، صرح مواطن آخر: “شركة المناولة سريعة في نزع العدادات، لكنها بطيئة جدا في إعادة الربط، ولا نجد من يحاسبها.. هناك غياب تام لمراقبة تصرفاتها من طرف أمانديس نفسها”.
وأضافت سيدة أخرى: “تصوروا معي أسرة فقيرة بالكاد تجد قوت يومها، وكيجيو يقلعو ليها المگانة بسبب فاتورة واحدة، والناس مضطرين يتخلّاو على الضروريات باش يخلصو هاد الشركة”.
وبحسب المعطيات التي تتوفر عليها جريدة “العمق”، فإن دفتر التحملات يُلزم شركة “أمانديس” بإرسال إشعارين، لكن عددا من المتضررين يؤكدون توصلهم بإشعار واحد فقط قبل عملية القطع، فيما أكد آخرون أنهم لم يتوصلوا بأي إشعار مسبق.
وفي هذا الصدد، يعتبر عدد من المواطنين الذين تحدثهم إليهم الجريدة، أن طريقة توجيه الإشعارات برميها تحت أبواب المنازل والعمارات، يجعلها غير مُلزمة في ظل عدم وجود ضمانات على توصل الزبائن بتلك الإشعارات.
كما أن دفتر تحملات الشركة يُلزمها بإرسال إشعارات القطع للمواطنين في حالة تأخر أداء الفواتير التي تتجاوز 300 درهم، في حين أن عمليات القطع تطال حتى المنازل التي قيمة فاتوراتها أقل بكثير من هذا المبلغ.
وبخصوص الغرامة التي تفرضها الشركة على التأخر في الأداء ضمن “مصاريف الإشعار”، اعتبر متضررون أنها “غير قانونية”، معتبرين أن شركة المناولة التي تتعاقد معها “أمانديس” لقطع الماء والكهرباء، تتصرف بطريقة “أشبه بالسرقة”.
وأشاروا إلى أن شركة المناولة تقوم بـ”انتحال صفة” من خلال ارتداء مستخدميها لسترة تتضمن رمز “أمانديس”، وتتواصل مع المواطنين باسم الشركة الفرنسية، وهو ما يثير استغراب الرأي العام المحلي.
مطالب بـ”المساءلة”
وفي هذا الصدد، عبر المستشار الجماعي عادل بنونة، رئيس فريق حزب العدالة والتنمية بجماعة تطوان، عن استنكاره الشديد لهذه الإجراءات، واصفا ما يجري بأنه “استنزاف غير مشروع للقدرة الشرائية للمواطنين”.
وقال بنونة في تصريح لـ”العمق”: “أجدني كممثل للساكنة مضطرا لإثارة هذه القضية التي تؤرق عددا كبيرا من التطوانيين، خاصة في ظل واقع اجتماعي مأزوم تعيشه المدينة”، معتبرا أن “ما تقوم به أمانديس اليوم من فرض غرامات وإنذارات بالجملة دون إشعارات قانونية، هو تجاوز خطير لبنود دفتر التحملات”.
وانتقد بنونة لجوء الشركة إلى إشعار واحد فقط، غالبا ما يرمى تحت أبواب العمارات، دون ضمان التوصل الفعلي، في انتهاك لبند يفرض توجيه إشعارين رسميين قبل القطع، مشيرا إلى أن “بعض الغرامات تفوق أحيانا قيمة الفاتورة نفسها، وهو أمر عبثي وغير مقبول” وفق تعبيره.
ويرى المتحدث أن “تطوان تحت رحمة “أمانديس” بفعل غرامات خيالية وإنذارات بالجملة”، معتبرا أن طريقة تدبير الشركة ومقاربتها “بعيدة عن روح الإنصاف الاجتماعي”، محذرا من أن هذه الشركة الفرنسية تقوم بـ”استنزاف غير مشروع للقدرة الشرائية للمواطنين”.
وتابع قوله: “هل من المقبول أن تُعامل ساكنة تطوان بهذا الشكل، وهي المدينة التي تعرف ركودا اقتصاديا خانقا؟ مدينة أصابتها سكتة قلبية بعد توقف التهريب المعيشي وإخفاق البدائل المنتظرة”.
وأضاف قائلا إن “التعامل مع فئات عريضة من الساكنة بهذه الصرامة في قطع الخدمات الأساسية والتهديدات المتكررة دون اعتبار للسياق الاجتماعي والاقتصادي، يفضح غياب المقاربة الإنسانية والاجتماعية لدى أمانديس”.
واعتبر أن تكليف شركات المناولة بهذه المهام الحساسة يطرح تساؤلات قانونية وأخلاقية عميقة، مضيفا أن “الجهات المكلفة بتتبع ملف التدبير المفوض مطالبة اليوم بمساءلة أمانديس عن التزاماتها الاجتماعية والاقتصادية”.
حملة رقمية
تزامنا مع هذا الغليان، أطلق نشطاء حملة رقمية على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم “#أمانديس_ارحل”، عبروا خلالها عن سخطهم من “الأسلوب المهين” الذي تُعامل به الشركة المواطنين، مطالبين بفتح تحقيق في هذه التجاوزات.
وقالت مواطنة في تعليقها على الحملة: “نحن ضحايا شركة لا ترحم. نطالب برحيل أمانديس قبل نهاية عقدها في 2026.. كفى من الاستنزاف والتعالي”.
وتساءل مواطن آخر: “هل سيستمر الاعتداء علينا وحرماننا من الماء والكهرباء بسبب غرامات مفروضة تعسفيا؟ إحدى السيدات أخبرتني أنها توقفت عن شراء الحليب لأجل جمع ثمن الفاتورة”.
وسبق لمحاكم مغربية أن أدانت الشركة بسبب إجراءات مشابهة، حيث ألزمت المحكمة الابتدائية بطنجة في أبريل 2022 “أمانديس” بإرجاع عدادين لمواطنين تم نزع عداداتهما دون احترام المساطر القانونية، كما قضت المحكمة الإدارية بالرباط في نونبر 2022 بتعويض أحد المتضررين بمبلغ 5000 درهم، بعد قطع التزويد عنه دون إشعار قانوني.
تجدر الإشارة إلى أن عقد التدبير المفوض الذي يجمع جماعات تطوان، طنجة-أصيلة، المضيق-الفنيدق مع شركة “أمانديس”، ينتهي مع متم سنة 2026.
ويرتقب أن تُحدث شركة جهوية متعددة التخصصات تتولى مهام تدبير الماء والكهرباء على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة، وهو ما يعزز مطالب المواطنين بإعادة النظر في أداء الشركة الفرنسية قبل نهاية العقد.