أكد المحلل الاقتصادي أمين سامي أن الخطاب الملكي الذي وجهه الملك محمد السادس للشعب المغربي مساء أمس الثلاثاء، بمناسبة الذكرى 26 لعيد العرش، يمثل تحولا في المنهج التنموي، من خلال الانتقال من منطق “الأثر المفترض” إلى “التحليل المبني على المعطى الديموغرافي والاقتصادي”، مع إدماج البعدين الجهوي والمجالي في قياس الفوارق التنموية وتفسيرها.
وفي هذا الإطار، أعلن الملك أنه أعطى توجيهاته السامية للحكومة من أجل اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية.
وأضاف أن هذه البرامج ينبغي أن تقوم على توحيد جهود مختلف الفاعلين، حول أولويات واضحة، ومشاريع ذات تأثير ملموس، تهم على وجه الخصوص دعم التشغيل، عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية، وتوفير مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي، وتقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، خاصة في مجالي التربية والتعليم، والرعاية الصحية، بما يصون كرامة المواطن، ويكرس العدالة المجالية.
كما يتعلق الأمر باعتماد تدبیر استباقي ومستدام للموارد المائية، في ظل تزايد حدة الإجهاد المائي وتغير المناخ، وإطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج، في انسجام مع المشاريع الوطنية الكبرى، التي تعرفها البلاد.
وأوضح سامي في تصريح لجريدة “العمق” أن الإحصاء السكاني لم يعد مجرد أداة لمعرفة عدد السكان، بل أصبح وثيقة توجيه استراتيجي أساسية في رسم السياسات العمومية. ويرى أن هذا التوجه الجديد يعكس فشل المقاربات القطاعية المنعزلة في معالجة الأسباب المعقدة للفقر، ويؤسس لمرحلة “الانتقال من المقاربات التقليدية إلى التنمية المجالية المندمجة”.
وأضاف المحلل الاقتصادي أن الخطاب الملكي يدعو إلى إطلاق مشاريع تأهيل ترابي مندمج، تؤسس لجيل جديد من التخطيط متعدد القطاعات والوظائف. ويشير إلى أن تنمية المناطق المحرومة، بحسب الخطاب، تستلزم الاعتراف بالواقع الاقتصادي القائم، وليس فقط فرض نموذج صناعي مهيكل، وهو ما يعني “تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية” و”توفير مناخ ملائم للمبادرة”.
وشدد سامي على أن الخطاب الملكي يتبنى سياسة تضامنية ترابية جديدة، تقوم على إدماج الرقمنة والذكاء المجالي والمقاربة التشاركية المستندة إلى المعطيات المحلية في عمليات التخطيط. ويركز هذا النموذج على تحقيق أثر قابل للقياس، مع إعادة الاعتبار للرأسمال اللامادي المحلي وربطه بالاقتصاد الوطني والدولي.
وخلص إلى أن هذه التوجهات الجديدة تهدف إلى تحديث النموذج التنموي في أبعاده الترابية والاجتماعية والاقتصادية، من خلال الاستناد المباشر إلى نتائج الإحصاء والدراسات الميدانية.
إلى ذلك، دعا الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى الـ27 لعيد العرش إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة، حتى تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين.
وقال الملك “ندعو إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة. هدفنا أن تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين، في جميع المناطق والجهات، دون تمييز أو إقصاء”.
وشدد على أنه “لن أكون راضيا، مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تساهم، بشكل ملموس، في تحسين ظروف عيش المواطنين، من كل الفئات الاجتماعية، وفي جميع المناطق والجهات”، مبرزا أنه “لا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين”.
وأكد أنه “حان الوقت لإحداث نقلة حقيقية في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية”.
وفي معرض بالأهمية الخاصة التي ما فتئ يوليها للنهوض بالتنمية البشرية، وتعميم الحماية الاجتماعية، وتقديم الدعم المباشر للأسر التي تستحقه، أبرز الملك أن نتائج الإحصاء العام للسكان 2024 أبانت عن مجموعة من التحولات الديمغرافية والاجتماعية والمجالية، التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار، في إعداد وتنفيذ السياسات العمومية.
وفي هذا الصدد، أبرز الملك أنه تم تسجيل تراجع كبير في مستوى الفقر متعدد الأبعاد، على الصعيد الوطني، من 11,9 في المائة سنة 2014، إلى 6,8 سنة 2024. كما تجاوز المغرب، هذه السنة، عتبة مؤشر التنمية البشرية، الذي يضعه في فئة الدول ذات “التنمية البشرية العالية”.
وبالمقابل، أعرب الملك محمد السادس عن أسفه كون بعض المناطق، لاسيما بالعالم القروي، ما تزال تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية.
وأكد أن هذه الوضعية لا تتماشى مع “تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية”.