تعيش ملحقات مقاطعة سباتة بالدار البيضاء، في الآونة الأخيرة، على وقع فوضى عارمة وتراجع مقلق في جودة الخدمات الإدارية، ما أثار موجة من الاستياء في صفوف ساكنة المنطقة وعدد من الفعاليات الحقوقية والجمعوية، التي لم تتردد في دق ناقوس الخطر بشأن ما وصفته بـ”العبث الإداري”.
وتشتكي الساكنة من طول الانتظار أمام شبابيك المصالح الإدارية، وسوء التعامل من طرف بعض الموظفين، بالإضافة إلى أعطاب متكررة في النظام المعلوماتي، ما يؤدي إلى تعطل مصالح المواطنين وتراكم الملفات دون معالجة فورية.
وفي هذا السياق، عبر عدد من المرتفقين، في تصريحات متطابقة، عن استغرابهم من التدهور المتواصل في مستوى الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن أبسط الإجراءات الإدارية تستغرق وقتًا طويلاً دون مبررات واضحة، مما يعكس ضعفًا في التسيير وغيابًا للرقابة والمحاسبة.
من جهتها، نددت فعاليات حقوقية بما أسمته “الوضع المزري” الذي تعيشه الملحقات الإدارية بالمنطقة، مطالبة بتدخل عاجل من طرف السلطات المحلية والجهوية لإعادة ترتيب البيت الداخلي، وتوفير الموارد البشرية واللوجستيكية اللازمة لتحسين أداء هذه المرافق العمومية.
وأكدت مصادر حقوقية أن استمرار هذا الوضع يكرس التمييز المجالي ويضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، كما يمس بثقة الساكنة في مؤسسات الدولة.
ودعت ذات المصادر إلى فتح تحقيق إداري في شكاوى المواطنين، ومساءلة المسؤولين عن التقصير الحاصل، والعمل على تكوين الموظفين وتأهيلهم، مع اعتماد معايير الشفافية والنجاعة في تدبير المصالح الإدارية.
انتقد محمد عماري، نائب المنسق الجهوي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، واقع التدبير اليومي الذي تعيشه عدد من الملحقات الإدارية بمدينة الدار البيضاء، واصفًا إياه بـ”المتاهة التي يدخلها المواطنون عند محاولتهم قضاء أبسط أغراضهم الإدارية”، في إشارة إلى ضعف التنسيق، وتفشي مظاهر العشوائية، وغياب التنظيم الفعّال داخل هذه المرافق الحيوية.
وقال عماري، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، إن “ما نراه يوميا داخل عدد من الملحقات الإدارية لا يعكس أبدا صورة الإدارة التي يفترض أن تكون في خدمة المواطن. بل على العكس من ذلك، يجد المرتفق نفسه محاصرا في دوامة من الإجراءات غير الواضحة، وتضارب التعليمات، وغياب الموظفين، ما يجعل من أبسط المعاملات معاناة حقيقية”.
وسرد المتحدث واقعة عاشها شخصيا صباح الاثنين 28 يوليوز 2025، حين توجه إلى الملحقة الإدارية 60 في حدود الساعة التاسعة صباحا لإتمام إجراء إداري يتطلب تصديقا بسيطا، لكنه اصطدم بواقع يصفه بـ”العبثي”. فبدلا من الحصول على الخدمة بشكل مباشر، تم توجيهه من قبل موظف يجلس تحت لافتة “رئيس المصلحة” نحو ملحقة أخرى، هي الملحقة 60 مكرر، بحجة أنها الملحقة التي تابعة لمقر سكناه، أو الانتظار إلى العاشرة صباحا حين يتوقع حضور الموظف المعني بالخدمة، والذي لم يكن متواجدًا آنذاك في مكتبه.
وبحسب عماري، فإن التوجيه نحو الملحقة الإدارية 60 مكرر لم يكن أكثر نجاعة، بل زاد من تعقيد الأمور، حيث فوجئ هناك بإجابة أخرى تفيد بأن خدمة تصحيح الإمضاء لا تبدأ إلا بعد الساعة العاشرة صباحا، مع “نصيحة مبطنة” بالتوجه إلى مقاطعة سباتة في حال كان الأمر مستعجلا. وهي النصيحة التي اعتبرها مؤشرا على غياب الإرادة في حل مشكلات المواطنين داخل فضاء إداري من المفترض أن يقدم خدمة لا أن يُضاعف من المعاناة.
وأضاف عماري: “وجدت نفسي مضطرا للتنقل مجددا إلى مقاطعة سباتة، على أمل تسريع إجراءات معاملتي، لكن المشهد هناك كان أكثر إحباطا. طوابير طويلة، واكتظاظ لافت، وغياب لمؤشرات التنظيم، حيث حصلت على الرقم 22 وانتظرت طويلا قبل الوصول إلى الخدمة المطلوبة”.
وأكد الحقوقي أن ما عاشه لا يمثل حالة استثنائية، بل هو مجرد نموذج يتكرر يوميا مع الآلاف من المواطنين الذين يقصدون الإدارات العمومية بحثا عن أبسط الخدمات، مشيرا إلى أن هذه الإرباكات اليومية تتسبب في استنزاف وقت وجهد المواطنين، وتغذي مشاعر الإحباط وعدم الثقة تجاه المرافق الإدارية.
وحمل عماري جزءا من المسؤولية للغياب الواضح للرقابة الإدارية، وعدم وجود تنسيق فعّال بين المصالح التابعة لنفس المقاطعة، متسائلا عن جدوى تعدد الملحقات إذا كانت لا تشتغل ضمن رؤية موحدة، ووفق أوقات عمل واضحة ومضبوطة.
كما انتقد تضارب المعلومات، وترك المواطنين عرضة للاجتهادات الشخصية للموظفين، بدل تمكينهم من مسارات خدماتية مبسطة وسلسة.
واختتم عماري تصريحه بالتأكيد على ضرورة “إعادة النظر في طريقة تدبير الملحقات الإدارية، عبر توحيد ساعات العمل، وضمان حضور الموظفين طيلة فترات الدوام، وتدعيم الموارد البشرية خاصة في المرافق الحيوية كتصحيح الإمضاءات”، مشددا في الآن نفسه على أهمية “تسريع الرقمنة كخيار استراتيجي، ليس فقط لتسهيل الخدمات، بل أيضا لتكريس مبدأ الشفافية، وتحقيق العدالة في الولوج إلى المرفق العمومي”.
ودعا المسؤول الحقوقي إلى “تحرك عاجل من طرف السلطات المحلية والجهات المسؤولة عن الشأن الإداري في العاصمة الاقتصادية، من أجل إحداث تغيير حقيقي يعيد ثقة المواطن في الإدارة، ويجعل من الحصول على الخدمة حقًا مضمونًا لا معركة يومية”.