آخر الأخبار

التفاؤل يرافق "مالية 2026" وسط تقلبات الأسواق العالمية والحروب التجارية

شارك

على سكة الإعداد وسط حقل اقتصادي ملغومٍ بـ”عدم اليقين”، يتقدم قطار “مشروع قانون المالية” لسنة 2026 بـ”حذر شديد”؛ نتيجة استمرار التوترات الجيوسياسية، وتصاعد الحروب التجارية، وتجزئة السياسات الاقتصادية، إلى جانب الضغوط المرتفعة على المديونية العالمية.

صندوق النقد الدولي يتوقع، حسب بيانات رسمية استقرأتها هسبريس، “تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي إلى 2.8 في المائة سنة 2025، مقابل 3.3 في المائة سنة 2024، مع تراجع في اقتصادات كبرى (كمنطقة اليورو 0.8 في المائة والولايات المتحدة الأمريكية 1.8 في المائة)؛ مما ينعكس سلبا على آفاق التجارة والاستثمار، ويشكل بيئة محفوفة بالمخاطر للاقتصادات الناشئة، ضِمنها المغرب.

لم يخلُ من ذلك عرضٌ تقدمت به نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، أمام لجنتي المالية والتنمية الاقتصادية بمجلسَي البرلمان، الخميس؛ فيما بسط محللون اقتصاديون، استطلعت جريدة هسبريس آراءهم، وجهات نظر وقراءات تحليلية بخصوص “تنفيذ مالية 2025” وإعداد مشروع ميزانية 2026.

“تفاؤل حذِر” وتحديات بنيوية

محمد عادل إيشو، أستاذ الاقتصاد بالمدرسة العليا للتكنولوجيا بخنيفرة ومحلل مالي، سجل أنه “رغم هذا الظرف الدولي الصعب، فإن الحكومة المغربية عبّرت، خلال عرضها أمام البرلمان، عن تفاؤل حذر بشأن الأداء الاقتصادي الوطني، حيث تتوقع تسجيل معدل نمو بنسبة 4.5 في المائة خلال سنتي 2025 و2026، مدعوما بتحسن الأنشطة غير الفلاحية (بنسبة 4 في المائة) وانتعاش تدريجي للقطاع الفلاحي بنسبة 7.9 في المائة، شريطةَ تحقيق محصول حبوب يُقدّر بـ70 مليون قنطار”.

“غيرَ أن هذا المعدل يظل دون المستوى المطلوب لتحقيق تحول هيكلي في الاقتصاد المغربي”، استدرك إيشو، شارحا في تصريح لهسبريس أن “معدل النمو الكفيل بامتصاص البطالة ورفع مستويات التنمية الشاملة يُقدّر بحوالي 7 في المائة؛ وهو ما يعني أن الاقتصاد الوطني لا يزال دون إمكاناته الحقيقية، ويواجه تحديات بنيوية تحدّ من تسارعه”.

في المقابل، تضع الحكومة ضمن أهدافها تقليص عجز الميزانية إلى 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2025، نزولا من 3.5 في المائة في 2024، في “مسعى إلى استعادة التوازنات الماكرو اقتصادية، مع التوقع بانخفاض الدين العمومي من 67.7 في المائة سنة 2024 إلى 64 في المائة في 2025″، حسب المحلل.

وتستند هذه التوقعات إلى فرضيات أساسية تشمل استقرار معدل التضخم عند 2 في المائة، وسعر برميل النفط عند 65 دولارا، وسعر طن غاز البوتان عند 500 دولار؛ “وهي مستويات قد تتعرض للمراجعة في حال حدوث صدمات خارجية أو موسمية”، أورد المصرح للجريدة مستدركا: “غيْرَ أن الهدف المعلن بالوصول إلى نسبة العجز التي تنسجم مع معيار معاهدة ماستريخت (3 في المائة) يبدو صعب المنال في ظل التزامات مالية كبرى انخرط فيها المغرب، لا سيما تلك المتعلقة بتنظيم تظاهرة كأس العالم 2030، واستكمال مشاريع استراتيجية أخرى مكلفة، على رأسها تعميم الحماية الاجتماعية؛ مما يستوجب ضخ موارد مالية عمومية إضافية”.

وزاد بالشرح: “كما أن تقلبات الأسواق العالمية، خصوصا في أسعار المواد الأساسية مثل السكر والغاز والقمح، تضيف مزيدا من الضغط على التوازنات المالية. وإذا كانت الدولة تسعى حاليا إلى وقف نزيف الإنفاق العمومي عبر تقليص دعم صندوق المقاصة، فإن ذلك قد يساهم مرحليا في كبح التضخم المالي؛ غير أنه يحمل في طياته مخاطر اجتماعية واقتصادية محتملة، ما لم يُرفق بإجراءات تعويضية فعالة وموجهة للفئات الأكثر هشاشة”، حسب تقديره.

وأشار مستحضرا أن “التوجه العام لمشروع المالية يضم مراجعة شاملة للنظام الضريبي، من خلال التوجه نحو توحيد الضريبة على الشركات عند 20 في المائة بحلول 2026، وإصلاح جدول الضريبة على الدخل لفائدة الطبقة المتوسطة”.

لكن رغم هذه الجهود، فإن الاقتصاد المغربي يبقى عرضة لمخاطر عديدة؛ منها تقلبات الموسم الفلاحي، حيث سُجّل تراجع بنسبة 23 في المائة في المساحات المزروعة بالحبوب خلال مارس 2025 مقارنة بالسنوات العادية، مما دفع الحكومة إلى تخفيض توقعاتها للنمو الفلاحي من 5.1 في المائة إلى 4.1 في المائة. كما عرف الميزان التجاري تدهورا، إذ بلغ العجز التجاري 133 مليار درهم حتى نهاية ماي 2025، وتراجعت نسبة تغطية الواردات بالصادرات إلى 59.9 في المائة مقابل 62.6 في المائة في الفترة نفسها من السنة الماضية. أما على مستوى سوق الشغل، فرغم التحسن الطفيف في الفصل الأول من 2025 بخلق حوالي 82 ألف منصب شغل، فإن معدل البطالة في الوسط الحضري استقر عند مستوى مرتفع بلغ 13.3 في المائة.

في المجمل، ختم أستاذ الاقتصاد بأن “مشروع قانون المالية 2026 يبيّن حرصا على تحقيق توازن دقيق بين متطلبات التحفيز الاقتصادي والتماسك الاجتماعي من جهة، والحفاظ على الانضباط المالي واستدامة الدين العمومي من جهة أخرى، في ظرفية دولية متقلبة تستدعي مرونة في التوقعات ويقظة في التفعيل”.

وخلص موصيا بأن “تتبنى الحكومة مسارا تدريجيا لتقليص العجز، مع ترك هامش تدخل مالي كافٍ يسمح بامتصاص الصدمات غير المتوقعة، وتفعيل آليات للتمويل المبتكر، وإعادة هيكلة الإنفاق العمومي وفق مبدأ الأولويات، مع المحافظة على الطابع الاجتماعي للسياسات العمومية وضمان العدالة الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في سياق عالمي متقلب سريع التغير”.

مؤشرات قطاعية “إيجابية”

من جانبه، أشاد إدريس العيساوي، محلل اقتصادي، بمضامين العرض الذي قدّمته وزيرة الاقتصاد والمالية أمام البرلمان بشأن مشروع الميزانية، قائلا إنه “يُعدّ عرضا مهما لاستناده إلى مجموعة من المعطيات الإيجابية”.

وقال العيساوي، مصرحا لهسبريس: “أولا، لا يتعلق الأمر بمشروع ميزانية لسنة واحدة (2025-2026)؛ بل نحن أمام برمجة ميزانياتية تمتد على ثلاث سنوات، وهو ما يُعد توجها استراتيجيا مهما. هذا التصور يركّز على مؤشرات إيجابية في عدد من القطاعات”.

وفي تقدير المحلل ذاته، فإن “توقعات الحكومة بنمو اقتصادي يصل إلى 4.5 في المائة بمتمّ سنة 2025، رقم مستند إلى معطيات اقتصادية إيجابية تضمنها العرض، ما يدل على تفاؤل نسبي بشأن المستقبل الاقتصادي للبلاد”.

وعلى الرغم من أن السياق العام الذي يتحرك فيه الاقتصاد المغربي لا يخلو من التحديات، “خاصة في ظل إسقاطات سلبية على المستوى الدولي”، “فإن المغرب يبدو وكأنه دخل، بدءا من سنة 2025، مرحلة جديدة تتّسم بقدر من الإيجابية، خصوصا على مستوى السياسات الاقتصادية والاستراتيجيات القطاعية”، وفق العيساوي.

وشدد المصرح عينه على أن “الدينامية الجديدة للاقتصاد الوطني لا تشمل فقط القطاع الفلاحي، الذي لا يزال خاضعا للتقلبات المناخية؛ بل تمتد أيضا إلى قطاعات إنتاجية أخرى يُنتظر أن تُسهم في تعزيز النمو، وتوفير مناصب الشغل، بالمجال الحضري أو المجال القروي”.

وفي هذا السياق، تابع العيساوي: “تُظهر المؤشرات الأولية لسنة 2025 أن الاقتصاد الوطني سيسجل معدل نمو مقبولا، مع تحسن ملموس في مؤشرات البطالة والتضخم، حيث تمكّن الفاعلون الاقتصاديون من التحكم فيها بدرجة معقولة”.

أما فيما يتعلق بفترة (2026-2028)، فإن “البرمجة الثلاثية تفتح آفاقا جديدة من خلال استمرارية الإصلاحات القطاعية، وتقديرات بخصوص القطاع الفلاحي تُشير إلى حفاظه على مستوى إنتاج متوسط، دون أن يخرج عن السياق العام”، حسب المحلل ذاته الذي أبرز أن “الأهم من كل ذلك هو أن المغرب يستعد لاستقبال عدد من التظاهرات الرياضية الكبرى؛ من بينها تنظيم نهائيات كأس إفريقيا للأمم لسنة 2025، والتحضير المشترك مع إسبانيا والبرتغال لتنظيم نهائيات كأس العالم 2030″، خالصا إلى أن “هذه المعطيات ستُعزّز دون شك من الدينامية الاقتصادية، وستُسهم في استقطاب الاستثمارات وتحفيز النمو على المدى المتوسط”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا