آخر الأخبار

بدائل الغزيين بعد تدمير الاحتلال الإذاعات المحلية

شارك





غزة- لا يُسعفك تدوير مؤشر المذياع لإيجاد أثير واحد منبعث من غزة ، فصوتها الذي كان حيا صار فراغا صامتا، بعدما أطفأت إسرائيل منذ اليوم الأول للحرب موجات الإذاعات لتتوقف واحدة تلو الأخرى، إذ أدرجت "صوت غزة" ضمن بنك أهدافها فخنقت بثها تحت ركام الأبراج ودمرت مقراتها، وأوقفت أجهزة بثها، فأصبح الأثير فارغا، والمراسلون بلا صوت، والمستمعون بلا منبر.

11 إذاعة محلية كانت تبث يوميا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 توقفت عن البث تماما، حسب ما كشف عنه المكتب الإعلامي الحكومي للجزيرة نت، كان من ضمنها إذاعة "زمن إف إم"، التي خفت صوتها في الساعات الأولى للحرب، بعد أن أصبحت في قلب منطقة الإخلاء التي هددها الاحتلال مباشرة وتحوّلت إلى هدف مباشر للغارات الجوية.

يقول مدير الإذاعة رامي الشرافي للجزيرة نت: "استُهدف البرج الذي نعمل فيه، ودُمّر جهاز البث والمولّد الكهربائي، مما جعل استمرار البث مستحيلا"، ورغم محاولات الفريق الاستمرار عبر المنصات الرقمية، فإنهم اصطدموا بعقبات جمّة، أبرزها الانقطاع المتكرر للإنترنت، وغياب الكهرباء، وارتفاع أسعار الوقود في السوق السوداء.

مصدر الصورة 11 إذاعة محلية في عزة توقفت عن البث تماما (الأناضول)

تحديات

وأوضح الشرافي "خلال هدنة يناير/كانون الثاني الماضي حاولنا استئناف البث، لكننا فشلنا بسبب عدم توفر الوقود، كما أننا كوننا إذاعة مستقلة لا نملك القدرة المالية الكافية، إذ توقفت الإعلانات، وحوّل الداعمون المحليون ميزانياتهم لدعم المساعدات الإنسانية".

ويعبّر عن قلقه من أن بعض الإذاعات ربما لا تعود للعمل أبدا، موضحا أن "معظمها تقع داخل أبراج سكنية وسط مدينة غزة، وقد دُمّرت بالكامل، كما أن الاحتلال يمنع منذ 20 عاما إدخال أجهزة البث إلى القطاع، وإن تعطل جهاز فلا بديل له".

في الأثناء، لم يكن أمام الغزيين سوى البحث عن بدائل تصلهم من خارج القطاع، سواء عبر إذاعات تبث من الضفة الغربية ، أو محطات إخبارية عربية، أو حتى من الإذاعات الإسرائيلية الموجّهة.

إعلان

ففي كل صباح، وبين صفوف الخيام المتراصّة في مخيمات الإيواء غرب مدينة غزة، يتحلّق عدد من النازحين حول مذياع صغير، يتناوبون على تدوير قرصه، في محاولة لالتقاط أي تردد يحمل إليهم أخبار ليلٍ مزدحم بالاستهدافات.

يقول أبو مصباح للجزيرة نت: "في ظل انقطاع الكهرباء، وغياب التلفاز، وكلفة استخدام الإنترنت عبر البطاقات التي تحتاج تجديدا كل ساعتين، نلجأ إلى الإذاعة للحصول على الحد الأدنى من المعلومات". ويقاطعه أبو محمد قائلا: "لكن مشكلتنا مع هذا الراديو أنه يحتاج إلى بطاريات، وقد بدأت تختفي من الأسواق، وإن وُجدت فهي مرتفعة الثمن".

ينطلق من الجهاز الصغير صوت مذيع يقول "معنا الآن من غزة مراسلنا للحديث عن آخر التطورات الليلة الماضية.."، كان البث من إذاعة "علم" القادمة من مدينة الخليل بالضفة، والتي تحاول، مع عدد من إذاعات الضفة، سد الفراغ الذي تركته الإذاعات المحلية الغائبة قسرا.

مصدر الصورة نازح فلسطيني يستخدم الراديو للاستماع إلى الأخبار بخيمته في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)

شعور بالمسؤولية

وقال مدير البرامج في هذه الإذاعة صلاح أبو الحسن -للجزيرة نت- إنها أوقفت برامجها الاعتيادية واتخذت سلسلة إجراءات للحفاظ على وتيرة تغطية مكثفة ومتواصلة لما يجري في قطاع غزة. وأضاف "شعورنا بالمسؤولية لم يكن يوما مرتبطا بالحدود الجغرافية، فمهمتنا الإعلامية تشمل الوطن كله، لكن خصوصية غزة ومعاناتها المتفاقمة دفعتنا لمضاعفة الجهد، خاصة بعد انقطاع الإنترنت والكهرباء وغياب البديل المحلي".

وطورت الإذاعة جهاز الإرسال وزادت من قوة البث لتغطية أوسع شريحة ممكنة، كما تعاقدت مع مراسل ميداني داخل القطاع لإنتاج تقارير ميدانية متواصلة على مدار الساعة. ويؤكد أبو الحسن أنهم تلقوا رسائل واتصالات مباشرة من مستمعين وناشطين داخل غزة، عبّروا فيها عن امتنانهم لوصول صوتهم إلى الفضاء الإذاعي رغم الحرب والعزلة.

أما على المستوى الفني، فيوضح أن هناك تحديات تقنية مستمرة من أبرزها ضعف ثبات الإشارة وجودتها في بعض المناطق، فضلا عن أن انقطاع الكهرباء والإنترنت داخل القطاع يحدّ من قدرة الجمهور على الاستماع أو التفاعل. ويؤكد "نحن أمام التزام يومي بتوثيق المعاناة ومساندة الناس في أقسى لحظاتهم، مع الحفاظ على نبرة الأمل، والإصرار على ألا تتحوّل الإبادة إلى خبر عادي".

وهناك إذاعات أخرى من الضفة الغربية، مثل أجيال، وعروبة، والحرية، وصوت فلسطين، تُبقي موجاتها مفتوحة على غزة، في محاولة جماعية للتواصل مع الناس ونقل أصواتهم المنقطعة.

بالتوازي مع ذلك، حاولت قنوات عربية أن تسدّ هذا الفراغ عبر الإذاعة، إذ استأجرت قناة الجزيرة ترددا إذاعيا من مدينة الخليل، لبث تغطيتها الصوتية للقطاع نظرا لقرب المنطقة جغرافيا من غزة. وكان الغزيون يتابعون البث بانتظام إلى أن أُجبرت المحطة على تعليق البث بعد قرار السلطة الفلسطينية إغلاق مكتبها في رام الله ، ليُحرم القطاع مرة أخرى من نافذته الإعلامية.

إعلان

وبعد ذلك، سعت القناة لإيجاد تردد بديل يُبث من داخل غزة، لكن غياب المعدات التقنية، وانعدام البنية اللوجستية حال دون ذلك.



أداة حرب

وفي الوقت الذي تكافح فيه هذه المحطات لإيصال الصوت الفلسطيني دون تشويش، يظهر البث الإسرائيلي بشكل ثابت وواضح وهو محمول على لغة هادئة، محايدة ظاهريا، لكنه مشحون برسائل موجهة بدقة ضمن إستراتيجية مراوغة إعلامية متقنة.

فحسب الخبير في الشؤون الإسرائيلية مؤمن مقداد، فإن إذاعة "مكان" ليست مجرد وسيلة إخبارية، بل أداة في حرب نفسية متعددة المستويات، تديرها هيئة البث الإسرائيلية تحت إشراف مباشر من الرقابة العسكرية. وضمن خطة مُحكمة، تعمّدت تل أبيب تعزيز تغطية الإذاعة نحو غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 لملء الفراغ الإعلامي الناتج عن تدمير البنية الإذاعية الفلسطينية.

ويقول مقداد إن "الإذاعة تبث مقابلات مع شخصيات فلسطينية تُظهر مواقف معارضة للمقاومة أو تتحدث بلهجة يائسة، مما يترك أثرا نفسيا يوحي بانقسام داخلي وفقدان الأمل، كما أنها تتعمد ترسيخ صورة ثابتة بأن غزة تنهار، وأن الاحتلال في طريقه للنصر الكامل، في محاولة لهزيمة الروح المعنوية لدى المدنيين وإرباكهم".

ويشير إلى أن أحد أكثر أسلحة الإذاعة فعالية هو المصداقية الجزئية، حيث تمرر أحيانا معلومات صحيحة حول مواقع القصف أو التحركات العسكرية، لكسب ثقة المستمع، ثم تُدخل رسائل مضللة مغلفة بلغة حيادية توحي بالموضوعية.

وفي ظل غياب معظم الإذاعات المحلية، وندرة الإنترنت، وانقطاع الكهرباء، بات سكان غزة -خاصة من يعتمدون على الراديو مصدرا رئيسيا- يتلقّون هذا الخطاب دون خيارات بديلة. وما يزيد التأثير عمقا هو أن الحرب قاربت العامين، بينما ظل الإعلام الوطني والمقاوم في حالة تراجع إعلامي، جعل الرواية الفلسطينية أضعف مما كانت عليه في جولات سابقة.

ومع ذلك، يرى مقداد أن الوعي الشعبي ليس غائبا تماما، بل إنه آخذ في التشكل، خاصة بين فئة الشباب التي تلجأ إلى شبكات التواصل للتحقق من الأخبار ومحاولة مقاومة التضليل.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا