تفاعلا مع التطورات التي يشهدها ملف النزاع في الصحراء وتواتر حوادث اختراق المنطقة العازلة، أوضح مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القيادي العسكري السابق في جبهة “البوليساريو”، أنه “منذ إعلان جبهة “البوليساريو” التنصل من اتفاقية وقف إطلاق النار والعودة إلى الحرب ضد المغرب، شهدت منطقة ‘كارزرز’ الواقعة في قطاع ‘كلتة زمّور’ على الحدود بين موريتانيا والمناطق الصحراوية شرق الحزام، حوادث مميتة عديدة استهدفت فيها مسيّرات مغربية مركبات داخل منطقة النزاع، دون أن يُعلن المغرب عن ذلك رسميا؛ بينما تعددت بلاغات جبهة “البوليساريو” العسكرية عن استهدافها للقواعد المغربية في القطاع نفسه”.
وتابع ولد سيدي مولود، ضمن منشور له على صفحته بموقع “فيسبوك”، أن “العديد من الأشخاص كانوا يرتادون ‘كارزرز’ للتنقيب السطحي عن الذهب قبل العودة إلى الحرب، رغم أن “البوليساريو” ظلت تحاول منعهم بحجة أن المنطقة عسكرية، وأحيانا تصادر معداتهم. وبعد العودة إلى الحرب، صارت منطقة التنقيب خطرة بسبب قربها من الحزام الدفاعي المغربي، الذي يُرى بالعين المجردة من داخل الأراضي الموريتانية”.
وشدد القيادي العسكري السابق في جبهة “البوليساريو” على أن “المتتبع لبلاغات “البوليساريو” العسكرية يلاحظ أن النسبة الأعظم منها تتركز في قطاع ‘المحبس’ المتاخم لـ’تندوف’، يليه قطاع ‘كلتة زمّور’ المقابل لبلدة ‘بير أم غرين’ الموريتانية، حيث لم يترك الحزام الدفاعي المغربي شِبرا واحدا لعبور قوات “البوليساريو” نحو الجنوب منذ يناير سنة 1984؛ مما اضطرها إلى عبور الأراضي الموريتانية منذ ذلك التاريخ حتى الأمس القريب، حسب آخر بلاغ للجبهة”.
ذكر ولد سيدي مولود أن “المنطقة، بما فيها المغرب، كانت قد طبعت مع عبور عسكر “البوليساريو” الأراضي الموريتانية من جهة ‘بير أم غرين’ منذ أمد بعيد؛ فلم يكن من اليسير تغيير ذلك الوضع غير الطبيعي فجأة دون مُسوّغات جديدة تفرض مراجعته”.
وأضاف القيادي السابق في جبهة “البوليساريو”: “وهنا كان لا بد على المغرب، صاحب المصلحة الأولى في منع قوات جبهة “البوليساريو” من مهاجمته في الجنوب، من الابتكار لفرض معادلة جديدة على الأرض تحقق له مقاصده. ويمكن تحليل ما قام به المغرب عبر ‘نظرية اللعبة’، التي تُعرّف بأنها وسيلة من وسائل التحليل الرياضي لحالات تضارب المصالح، للوصول إلى أفضل الخيارات الممكنة لاتخاذ القرار في ظل الظروف المعطاة، لأجل الحصول على النتائج المرغوبة”.
وتابع المتحدث ذاته أن “المغرب استغل بلاغات “البوليساريو” العسكرية، وأشهد قوات المينورسو على بعض الحوادث التي تعرضت فيها قواته لحالات إطلاق مقذوفات من خارج الحزام، لشرعنة الرد على تهديدات “البوليساريو”، وفرض واقع جديد على الأرض من خلال اعتبار كل هدف متحرك (خاصة المركبات) تهديدا محتملا”.
وأبرز ولد سيدي مولود أنه “في الشمال، بعد استهداف الشاحنات الجزائرية الثلاث قرب ‘بير لحلو’ في الأشهر الأولى من الحرب، تم التسليم بأن المناطق شرق الحزام محظورة، ولم يعد يعبرها أحد منذ 2021. ومنذ ذلك الحين، لم تعد هناك مساحة لتحرك “البوليساريو” إلا عبر الأراضي الموريتانية، كما جرت العادة منذ 1984″.
ولكسر هذه القاعدة، أكد المتحدث ذاته أنه “كان لا بد على المغرب من فرض واقع جديد في منطقة غير مستفزة لجميع الأطراف، ولم يكن أفضل من منطقة ‘كارزرز’، التي يختلط فيها النشاط المدني (التنقيب عن الذهب) غير المُشرّع من أية جهة، والنشاط العسكري للبوليساريو في قطاع كلتة زمّور”، لافتا إلى أن “حوادث استهداف مركبات داخل المنطقة العازلة قرب الحزام الدفاعي، بما فيها سيارات تعود إلى منقّبين عن الذهب، خلّفت عددا من الضحايا المدنيين الموريتانيين وباتت تُشكل ضغطا على الحكومة الموريتانية، رغم تحذيرها مرارا وتكرارا لمواطنيها من ولوج المناطق الصحراوية الخطرة”.
واعتبر ولد سيدي مولود أنه “لم يكن من الوارد أن تحتج حكومة موريتانيا على المغرب ما دامت الحوادث وقعت في منطقة حرب تتعرض فيها قواته للقصف المتكرر. والحل الوحيد أمامها هو وضع حراسات على حدودها لمنع مواطنيها من ولوج المناطق الخطرة أو بالأحرى حمايتهم. وهذا الإجراء سيُحقق للمغرب منع قوات “البوليساريو” أيضا من الدخول والخروج من المنطقة نفسها، المحرّمة على ولوج الموريتانيين أنفسهم”.
ورأى القيادي العسكري السابق في جبهة “البوليساريو” أن الحل العملي لهذا الإشكال، في ظل صعوبة أو استحالة وضع موريتانيا لحراسات على كامل حدودها في الصحراء، هو “معالجة المشكل من المصدر، أي عبر حصر ولوج التراب الموريتاني على المدنيين الصحراويين من خلال المركز الحدودي ‘إسماعيل ولد الباردي’ الرابط بين موريتانيا وتندوف”، مؤكدا أن “بهذا الإجراء ستنتفي حجة استهداف مدنيين موريتانيين على الحدود الجنوبية من الصحراء، إذ لن يكون هناك غيرهم، فيتحقق لموريتانيا حماية مواطنيها، وللمغرب بسط نفوذه على الأرض، واتصال حدوده السيادية مع موريتانيا في مناطق كان ضمّها سيتطلب جهدا عسكريا كبيرا وقرارا سياسيا مكلفا”.
في سياق ذي صلة، أكد البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، أن “هناك قرارا سياديا مغربيا بفرض سيادته الكاملة على الأقاليم الجنوبية، من المحيط الأطلسي غربا إلى الحدود المغربية الموريتانية شرقا؛ وبالتالي فالرباط، من خلال مقاربتها الشاملة لميكانيزمات الأمن والاستقرار في المنطقة، فرضت معادلة ردع إقليمية واضحة تعتمد على تضييق مساحات حركة ميليشيات “البوليساريو” في منطقة العمليات المتقدمة في المنطقة العازلة، باستخدام سلاح الجو المغربي، الذي يفرض عن طريق الاستخدام الإستراتيجي للمسيّرات حظرا بريا وجويا كاملا على العمليات العسكرية والتنقلات اللوجستيكية للعناصر المسلحة لميليشيا “البوليساريو”، التي تستهدف الجدار الأمني في الصحراء المغربية”.
وأشار البراق، في تصريح لهسبريس، إلى “فشل الميليشيا الإرهابية في تطوير إستراتيجيتها العسكرية، واكتفائها بأقصاف وهمية ومحاولات يائسة لاستهداف الجدار الأمني، في ظل هيمنة المسيّرات المغربية على أجواء الصحراء، إذ تحولت المناطق شرق الجدار إلى ‘منطقة محرّمة’ على الآليات والعناصر المسلحة التابعة للميليشيا الإرهابية. كما أن نجاح موريتانيا في عَسْكرة مناطقها الشمالية وتحويلها إلى منطقة عسكرية خاصة ضيّق مساحات التحرّك أمام مرتزقة بوليساريو، وإمكانيات استئناف نشاط التهريب عبر دروب ومسالك الصحراء الكبرى لتهريب المساعدات الغذائية وإعادة بيعها في السوق السوداء غرب إفريقيا؛ مما وضع القيادة أمام المحتجزين بالمخيمات في مأزق أكذوبة الحرب الزائفة والبلاغات والأقصاف الوهمية”.
وفي ما يتعلق بالعلاقات المغربية الموريتانية، اعتبر المتحدث سالف الذكر أن “هذه العلاقات هي أحد صمامات الاستقرار الإقليمية، بفضل الدعم الدائم للمملكة المغربية لجمهورية موريتانيا سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا، من خلال العديد من الاتفاقيات التي تؤطرها اللجنة العليا المشتركة التي تشتغل على الشراكة الإستراتيجية المغربية الموريتانية”.
وأبرز الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر أن “استمرار عبور قوات مسلحة تابعة لميليشيا البوليساريو الإرهابية للأراضي الموريتانية من أجل استهداف مواقع عسكرية مغربية أو تنفيذ عمليات تهريب لصالح الجماعات الإرهابية في الساحل هو أمر غير مقبول ولا يمكن أن يستمر في ظل التوافقات المغربية الموريتانية لدعم أسس الاستقرار الإقليمي ومكافحة الأنشطة الإرهابية والإجرامية العابرة للحدود”.
في المقابل، سجل متحدث هسبريس أن “موريتانيا تواجه تحديات أمنية وسياسية معقدة في سعيها إلى منع عبور قوات البوليساريو عبر أراضيها؛ تتمثل أبرزها في مراقبة حدودها الشاسعة والوعرة التي تشهد نشاطا كبيرا للتهريب وتسلل الجماعات الإرهابية بتواطؤ مع البوليساريو، مما يضع ضغطا هائلا على قدراتها العسكرية والأمنية المحدودة”.
وعلى المستوى السياسي، أكد البراق أن “نواكشوط تسعى إلى الحفاظ على حيادها التقليدي في نزاع الصحراء المغربية؛ وهو ما يفرض عليها تحدي الموازنة بين علاقاتها مع الجزائر، الداعم الرئيسي للبوليساريو، وعلاقاتها المتنامية مع المغرب. وبالتالي، فإن هذه الديناميكية الحساسة تجعل أي تحرك موريتاني ضد البوليساريو قرارا سياسيا وأمنيا دقيقا يتطلب شجاعة سياسية ورؤية واضحة ومراعاة لتداعياته على العلاقات الإقليمية والوضع الداخلي”.
وخلص الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر إلى أن “المتغيرات الكبرى التي يعرفها النزاع الإقليمي المفتعل تؤطرها دينامية دبلوماسية مغربية فاعلة ومتميزة. وبكل الوضوح الممكن، فإن الجمهورية الإسلامية الموريتانية، اليوم، كدولة مستقلة ذات سيادة، مطالَبة بفك الارتباط السياسي مع ميليشيا “البوليساريو” الإرهابية، وإلغاء اتفاقية الجزائر المشؤومة يوم 5 غشت 1979 مع كيان إرهابي منبوذ إفريقيا لا وجود له دوليا، وقّعها الطرف الموريتاني في ظل مناخ داخلي وإقليمي وقاري ودولي مرتبط بالصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، وتصاعد المد الاشتراكي وهيمنة الفكر الانقلابي على القيم الديمقراطية الأصيلة”.