نشر مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جون بولتون، مقالا مثيرا للجدل في صحيفة “واشنطن تايمز”، دعا فيه إدارة ترامب الثانية إلى التراجع عن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ومتهما الرباط بـ “عرقلة جهود التسوية الأممية”، وملوحا بخطر التمدد الروسي والصيني في القارة الإفريقية في حال استمرار تجاهل هذا النزاع.
ورغم تقديم المغرب لمبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي وذي مصداقية، عاد بولتون إلى طرح خيار الاستفتاء، متجاهلا التحولات الجيوسياسية التي عرفها الملف منذ بداية التسعينيات، وما رافقها من دعم دولي متزايد للمقترح المغربي، بما في ذلك موقف واشنطن في عهد ترامب، والذي مثّل تحولا استراتيجيا في مسار التسوية الأممية.
ويترجم موقف بولتون القديم الجديد نزعة شخصية مناهضة للمغرب تجذرت منذ توليه مهام تمثيلية في منظمة الأمم المتحدة، وحين شغل أيضا منصب مساعد المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الأسبق جيمس بيكر؛ حيث دأب على دعم جبهة البوليساريو الانفصالية بشكل علني، متأثرا بتحالفات فكرية وإيديولوجية تعود إلى مرحلة الحرب الباردة.
تناقضات الرجل لم تتوقف عند هذا الحد، بل تكشفت بشكل بارز حين أغفل عن الدور الجزائري في إطالة أمد النزاع، في وقت يتحدث فيه عن مسؤولية الرباط، متجاهلا في المقابل وجود آلاف المحتجزين في مخيمات تندوف في ظروف تزداد سوء يوما بعد يوم، وفق تقارير المنظمات الدولية.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور آبا الشيخ أبا علي، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، إن المقال الذي نشره جون بولتون في صحيفة “واشنطن تايمز” ليس سوى محاولة فاشلة أخرى لمستشار الأمن القومي الأمريكي السابق للعودة إلى دائرة الضوء واستعادة موقعه في المشهد السياسي الأمريكي، من خلال مهاجمة قرارات الرئيس دونالد ترامب، ولا سيما تلك المتعلقة بدعم مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كحل نهائي وواقعي لنزاع الصحراء.
وأوضح أبا الشيخ، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الدوافع التي تحكمت في مقال بولتون نفسية وشخصية بالأساس، مردها إقالته من منصبه بسبب خلافات عميقة مع الرئيس ترامب حول ملفات دولية حساسة، من قبيل التدخل العسكري في أفغانستان وإيران وكوريا الشمالية، مؤكدا أن مواقف بولتون المتشددة تعكس نهج المحافظين الجدد الذين أدخلوا الولايات المتحدة في أزمات دامية، وهو ما لخصه ترامب حين وصفه بـ “الشخص الأحمق الذي ساهم في تفجير الشرق الأوسط دون تحقيق أي مكاسب استراتيجية”.
وبخصوص اتهام بولتون للمغرب بعرقلة تنظيم الاستفتاء، شدد أبا الشيخ على أن التاريخ والوقائع تُكذب هذه المزاعم، إذ كان المغفور له الحسن الثاني أول من دعا إلى تنظيم استفتاء لتقرير المصير سنة 1981 من منبر قمة الوحدة الإفريقية في نيروبي، مذكّرا بأن “بولتون كان مرافقا للمبعوث الأممي جيمس بيكر، ويعلم يقينا أن فشل الاستفتاء لم يكن بسبب المغرب، بل نتيجة تعثر تحديد من له الحق في التصويت ورفض الجبهة لتمكين ساكنة الصحراء من ممارسة حقها، وهي مسؤولية تتحملها الأمم المتحدة”.
وأوضح عضو المجلس الملكي أن محاولة بولتون ربط النزاع بتنامي النفوذ الروسي والصيني في إفريقيا مغلوطة ومجافية للواقع، لأن العلاقات المغربية مع موسكو وبكين مبنية على شراكات استراتيجية واحترام متبادل، بل إن روسيا وقعت اتفاقية للصيد البحري تشمل الأقاليم الجنوبية، ما يُعد اعترافا ضمنيا بسيادة المغرب، كما لم تُبدِ الصين أي تحفظ على المبادرة المغربية، إدراكا منها لأهميتها في استقرار المنطقة وحماية مصالحها.
ولفت الخبير السياسي الانتباه إلى أن بولتون فقد ما تبقى من مصداقيته بتحوله إلى بوق للوبي المعادي للوحدة الترابية للمغرب، مستغلا قضايا جيوسياسية كغطاء لتصفية حسابات شخصية. وزاد: “بولتون يلعب في الوقت الميت، ومقاله لا يتعدى كونه صدى لمواقفه المتطرفة، والتي دفعت حتى الرئيس ترامب إلى رفع الحراسة عنه، بعد أن وصفه بالرجل الذي يحب قذف القنابل على الآخرين… وها هو اليوم تقذف عليه قنابل العزلة والنسيان”.
من جانبه، يرى رمضان مسعود العربي، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، أن مقال الرأي الذي نشره جون بولتون ليس سوى استمرار لعدائه التاريخي للمملكة المغربية، مشيرا إلى أن “مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق لطالما تبنى مواقف متحاملة تجاه قضية الصحراء المغربية، سواء خلال مهامه الرسمية أو في كتاباته الفكرية، التي تعكس تصورات متجاوزة وغير منسجمة مع التطورات الإقليمية والدولية الراهنة”.
وأوضح مسعود، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن ما ورد في مقال بولتون يندرج ضمن محاولات متكررة للضغط على إدارة ترامب الثانية من أجل التراجع عن الموقف الأمريكي الداعم لمغربية الصحراء، خصوصا بعد أن تم التخلي عنه في ظروف سياسية خاصة، وما تبعه من قرارات شملت إبعاده عن الدوائر الأمنية الحساسة وسحب الحراسة المخصصة لهP الأمر الذي أذكى رغبته في تصفية حسابات شخصية عبر توجيه انتقادات مبنية على خلفيات أيديولوجية لا تمت للواقع بصلة.
وأضاف رئيس “الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان” (ASADEH)، أن وجهة نظر بولتون ليست بالجديدة، بل إنها تعد استمرارا لما جاء في مذكراته وكتاباته السابقة، حيث لا تخلو فصولها من تحامل واضح على المملكة المغربية وتجاهل مقصود للجهود الأممية والدولية المبذولة لتسوية هذا النزاع، وخاصة المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي باتت تحظى بدعم متزايد في الساحة الدولية باعتبارها الحل الواقعي والعملي لإنهاء النزاع المفتعل.
وشدد رمضان مسعود على أن الرأي العام الدولي أصبح أكثر وعيا بالخلفيات السياسية التي تحرك مثل هذه المواقف الفردية، والتي لم تعد تؤثر على مسار الملف كما كانت في السابق، خاصة في ظل التحولات الدبلوماسية التي كرست مغربية الصحراء وأبرزت عزلة الطرح الانفصالي، لافتا إلى أن “المغرب ماض في تثبيت سيادته على أقاليمه الجنوبية انطلاقا من شرعية تاريخية وقانونية لا يمكن إنكارها”.