بمناسبة تخليد “اليوم العالمي للامتناع عن التدخين”، الذي يحتفل به في 31 ماي من كل سنة، جددّ فاعلون مدنيون وأطباء التنبيه إلى “الشلل الحاصل في تفعيل القانون رقم 15.91 المتعلّق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في بعض الأماكن”، معتبرين أن “تطبيق مقتضياته بالأماكن العامة يتطلّب التسلح بالشجاعة السياسية واستشعار المسؤولية لمواجهة ضغط وممانعة شركات التبغ”.
وشدد الفاعلون على أن استمرار تغييب تطبيق القانون داخل الفضاءات العمومية، “الذي يعد الرضوخ لضغط شركات التبغ أحد أسبابه”، ينذر بتفاقم الكلفة الصحية للتدخين السلبي، “الذي يتعرّض له في هذه الأماكن ما يصل إلى 60 في المائة في المغاربة؛ ما يزيد خطر تعرضهم لتداعياته كأمراض القلب والشرايين والجلطات الدماغية، وغيرها”.
يمنع القانون رقم 15.91، الصادر سنة 1991 والمحيّن سنة 1995، بمنع التدخين في الأماكن العمومية. وتحدد المادة الرابعة منه “مكانا عموميا بمقتضى هذا القانون، كل مكان معد للاستعمال الجماعي وكل مرفق عمومي وكذا المؤسسات العامة والمكاتب الإدارية”.
“وهكذا، فإنه يمنع التدخين بالأماكن العمومية الآتي ذكرها على سبيل المثال: المكاتب الادارية المشتركة وقاعات الاجتماعات بالإدارات العمومية وشبه العمومية والخاصة؛ المستشفيات والمصحات ودور النقاهة والمراكز الصحية والمصالح الوقائية بجميع أصنافها؛ وسائل النقل العمومي، باستثناء المناطق المخصصة للتدخين”، وفق المادة ذاتها.
وضّح الحسن البغدادي، رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة التدخين والمخدرات، أن “القانون المذكور الصادر في 29 أبريل 1991، والذي تمّ تحيينه في سنة 1995، كان هدفه أساسا حماية الشركات لا المستهلك المغربي”، مفيدا بأنه “كان قد ألزم المنتجين بوضع عبارة “التبغ يقتل” على علب السجائر لإخلاء الشركة مسؤوليتها عن أية أضرار قد تلحق المتعاطين للتدخين”.
وأفاد البغدادي، ضمن تصريح لهسبريس، بأنه “بعد سنة 2003، باتت سبع شركات للتبغ تشتغل بالسوق المغربية”، مبرزا أن “هذه الشركات تضغط اليوم بكل ما أوتيت من إمكانيات ضخمة لإجهاض أي محاولة لتفعيل القانون المذكور وأجرأته، بحيث عند يتم إيقاف أي مبادرة في هذا الجانب، بقدرة ساحر”، بتعبيره.
وتساءل المصرّح نفسه: “عمّا إذا كان البرلمانيون المغاربة يدافعون عن المستهلك المغربي أو عن الشركات الأجنبية، هذه الأخيرة التي توسّعت بالبلاد سواء جغرافيا أو من ناحية أشكال المنتجات، حتى الوصول اليوم إلى تسويق السيجارة الإلكترونية والبخارية”، منتقدا “صمت البرلمان المغربي عن الموضوع؛ ما يسائل استحضاره مسؤوليته الوطنية والدينية والأخلاقية، في حماية المواطنين”.
وقال إن جمعيته “قامت بمحاولات ووقفات احتجاجية عديدة، وبادرت بإعداد عرائض في هذا الصدد؛ غير أنها لم تصل إلى العدد المطلوب من الموقّعين بحكم تحبيذ أغلبية الراغبين في التوقيع عدم الإدلاء بأرقام بطائقهم الوطنية”.
وأفاد المصرّح ذاته بأن “تجارب علمية على سبعة أنواع من السجائر متداولة داخل السوق المغربية، قمنا بها داخل كلية العلوم بمكناس، بيّنت أن كمية الكودرون بالعلبة الواحدة تصل إلى 20 ملغراما، في وقت مكتوب عليها 10 فقط، وكذلك كمية من النيكوتين تفوق ما هو مدوّن، أي 0,8”.
سجّل الطيّب حمضي، طبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية، أن “عدم تطبيق القانون القاضي بمنع التدخين، لمدة ثلاثة عقود يعتبر أمرا غير منطقي من الناحية السياسية، كما أن له كلفة صحية كبيرة”.
وأوضح حمضي، ضمن تصريح لهسبريس، أنه “في العالم تراجع عدد الأشخاص المدخنين، خلال عشرين سنة، من 1 من كل ثلاثة أشخاص، إلى شخص من كل خمسة، فيما استقرّت نسبة الساكنة العامة التي تتعرّض للتدخين السلبي، الذي يتم في الأماكن العامة كبيت الأسرة ومكان العمل، في 40 في المائة”.
وأضاف الطبيب الباحث، وهو يشرح كلفة عدم تطبيق القانون المذكور، أن “60 في المائة من المغاربة يتعرّضون للتدخين السلبي، أي بواقع 3 مواطنين من كل خمسة”، شارحا أن “مغربي من كل ثلاثة، يتعرّض للتدخين داخل (بيت) العائلة، أي ما نسبته 30 في المائة، و1 من كل ستة مغاربة، يتعرّض للتدخين بأماكن العالم، أي ما يعادل 17 في المائة”.
ونبّه حمضي إلى أنه “مليون و300 ألف شخص في العالم، يقتلهم التدخين السلبي”، موردا أن الأخير “يتسبب لغير المدخنين في أمراض خطيرة، كأمراض القلب والشرايين ونوبات القلب والجلطات الدماغية. كما أنه يرفع خطر هذه الأمراض بـ25 في المائة لدى الأطفال”.
وشدد الطبيب الباحث على أن “ما يتعيّن على المغرب فعله ليس فقط تطبيق قوانين التسعينيات، بل كذلك استلهام تجارب مهمة في هذا الجانب، كما هو الحال في قرار فرنسا منع التدخين بالحدائق والشواطئ وبالقرب من المدارس”، وزاد أن “مثل هذه الخطوات تجعل الفعل يصوّر للمواطنين على أنه ليس عاديا”.