آخر الأخبار

المغرب يواكب عودة سوريا إلى الساحة العربية بإعادة فتح سفارة دمشق

شارك

في خطوة دبلوماسية لافتة، أعلن الملك محمد السادس، في خطاب موجه إلى القمة العربية الرابعة والثلاثين المنعقدة في العاصمة العراقية بغداد، عن قرار إعادة فتح سفارة المملكة المغربية في دمشق، بعد أكثر من عقد على إغلاقها سنة 2012، في سياق تداعيات الأزمة السورية.

القرار، الذي لقي ترحيبا رسميا من الجانب السوري، عبّر عنه أسعد الشيباني، وزير الخارجية السوري، الذي أعرب من بغداد عن “شكر وامتنان بلاده للمبادرة الملكية”، معتبرا أنها تشكل خطوة نحو تجاوز مخلفات الماضي وبناء علاقات جديدة تقوم على الاحترام والتعاون.

ويأتي هذا التحول في ظل متغيرات إقليمية ودولية تشهدها الساحة العربية؛ أبرزها عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وتزايد الدعوات إلى المصالحة والانفتاح بين الدول العربية بعد سنوات من التوتر والانقسام.

سياق إقليمي متغير

وفي هذا الإطار، قال تاج الدين الحسيني، الخبير في العلاقات الدولية، إن هذه الخطوة تأتي في سياق إقليمي ودولي متغير يعكس تحولات عميقة تعرفها المنطقة، ويستند في جوهره إلى روابط تاريخية متينة تجمع بين البلدين.

وأوضح الحسيني، ضمن تصريح لهسبريس، أن العلاقات المغربية السورية ليست وليدة اليوم؛ بل تعود إلى عقود خلت، “حيث لا يمكن لأي مغربي أو سوري أن ينسى مشاركة المغرب في حرب أكتوبر 1973 ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهي المشاركة التي جسّدتها تضحيات جنود مغاربة سقطوا شهداء على الأراضي السورية”.

وأشار الخبير في العلاقات الدولية إلى أن الشعب السوري لا يزال يحتفظ بذاكرة حية لتلك المواقف التاريخية، موضحا أنه في ما يخص ما شهدته العلاقات في العقود الأخيرة من توتر بسبب مواقف النظام السوري، دعمه للبوليساريو من خلال التحالف مع النظام الجزائري وحزب الله، أن تلك المرحلة أصبحت في حكم الماضي.

وأضاف المتحدث عسنه أن انهيار النظام التقليدي وظهور قيادة سورية جديدة، وإن كانت قد أثارت في السابق تحفظات معينة، إلا أنها باتت اليوم تُظهر نوايا صادقة لإعادة تموقعها عربيا، وبناء علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف الإقليمية، بما فيها المغرب.

واعتبر الحسيني أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية ومشاركتها في قممها، فضلا عن اللقاءات الرسمية مع عدد من القادة العرب، مؤشر واضح على أن دمشق لم تعد تُصنف كدولة “مارقة”؛ بل أصبحت تسعى إلى لعب أدوار طبيعية في محيطها الإقليمي.

وفي هذا السياق، سجل الخبير المغربي أن فتح سفارة المملكة في دمشق ينسجم مع مبدأ “رفض سياسة الكرسي الفارغ”، الذي دأب عليه المغرب في مقارباته الدبلوماسية. كما أن هذا القرار يتماشى مع رغبة الرباط في تعزيز حضورها وتأثيرها في المنطقة.

وختم الحسيني تصريحه بالقول إن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وسوريا، بدءا بإعادة فتح السفارات، يمثل خطوة أولى نحو تطبيع شامل، ويفتح المجال لتعاون مثمر يخدم مصالح الشعبين، ويساهم في استقرار منطقة الشرق الأوسط.

عودة منطقية

من جانبه، أوضح إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض، إنه “منذ تعليق العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وسوريا سنة 2012، على خلفية الممارسات القمعية للنظام السوري آنذاك ضد المواطنين، واستعماله المفرط للقوة، وما نتج عن ذلك من تأزم سياسي وأمني كبير، اتخذ المغرب موقفاً واضحاً ينسجم مع مواقف جامعة الدول العربية في تلك المرحلة. وقد عبّر هذا الموقف عن رفض المغرب لتلك الانتهاكات، دون أن يعني ذلك التخلي عن دعم وحدة سوريا واستقرارها”.

وقال لكريني ضمن تصريح لهسبريس “إن المملكة المغربية، ورغم قطع العلاقات، قامت بمبادرات إنسانية، منها إقامة مستشفى ميداني لفائدة اللاجئين والنازحين السوريين في منطقة المفرق بالأردن، حيث قدمت من خلاله مساعدات طبية وإنسانية لضحايا النزاع”.

وأكد أنه “في هذا السياق، تأتي خطوة إعادة فتح السفارة المغربية في دمشق، واستقبال سفير سوري في الرباط، كمؤشر واضح على رغبة متبادلة في إعطاء دفعة جديدة للعلاقات الثنائية، في انسجام تام مع التوجه العام لجامعة الدول العربية، خاصة منذ قرار إعادة سوريا إلى مقعدها داخل المنظمة”.

وقال الأستاذ الجامعي: “يُنظر إلى هذا التطور في ضوء التحولات السياسية التي عرفتها سوريا خلال السنوات الأخيرة، والإشارات التي بعث بها النظام الحالي بشأن استعداده للانخراط في مرحلة جديدة، تقوم على احترام حقوق الإنسان، والعمل من أجل بناء مناخ سياسي منفتح يشجع على المشاركة وتجاوز الصراعات والانقسامات السابقة”.

وذكر لكريني بأن “تخفيف العقوبات الأميركية، والدعم العربي الرسمي المعبر عنه في قمتي القاهرة وبغداد، يندرجان في إطار تشجيع سوريا على مواصلة جهودها في محاربة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، فضلاً عن دعم إشراك جميع القوى السياسية الوطنية في مسار سياسي جامع، ينبذ الإقصاء والتطرف، ويعتمد المصالحة الوطنية كمدخل لتجاوز الأزمة”.

وقال إنه “من هذا المنطلق، فإن المغرب يبعث اليوم بإشارة واضحة إلى انفتاحه على محيطه العربي، ودعمه لمسار الاستقرار في سوريا، البلد الذي ظل حاضراً في المواقف المغربية الرسمية، التي دافعت على الدوام عن وحدته الترابية، وعن ضرورة تجاوزه للمحن التي مرّ بها خلال السنوات الماضية”، مضيفا: “وعليه، فإن استئناف العلاقات بين المغرب وسوريا، سيُسهم لا محالة في تعزيز استقرار هذا البلد العربي، ويمهد لعودته التدريجية إلى محيطه الإقليمي والدولي”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا