أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي تُستخدم مؤخرا في تصميم وجبات غذائية شخصية تستند إلى تحليل الجينات أو نمط الحياة؛ مما يسمح ببناء أنظمة غذائية خاصة تتماشى مع الحالة الصحية لكل فرد، وذلك في إطار الاهتمام المتزايد بجعل التغذية أكثر دقة وفعالية من خلال حلول رقمية مخصصة.
وفي هذا السياق، تُثار تساؤلات حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي أداة معتمدة فعليا لتصميم الحميات الشخصية، أم أنه لا يزال في مرحلة التجريب. كما يُثار نقاش حول المخاطر الصحية المحتملة لسوء استخدام الذكاء الاصطناعي في التغذية، فيما يضع أخصائيو التغذية عددا من الشروط لكي تصبح هذه الحميات فعالة وآمنة من الناحية الصحية.
ليلى بلهادي بنسامي، طبيبة اختصاصية في الغدد والسكري والتغذية، قالت إن “محركات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية مبنية على معطيات صُنعت أو خُلقت مسبقا، ولا تعتمد فقط على خوارزميات؛ بل على كم هائل من المعلومات التي زُودت بها. وبفضل هذه المعطيات، يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يجيب عن تساؤلات الناس؛ لكنه يبقى مجرد أداة لا شخصا حقيقيا.. فنحن لا نوجه أسئلتنا إلى إنسان، بل إلى محرك يشتغل بناء على ما أمددناه به”.
وأشارت الطبيبة إلى أنه “في مجال التغذية مثلا، يمكن أن يقترح هذا النظام خطة غذائية أو يقدم نصائح انطلاقا من معطيات مثل السن ونمط العيش والتاريخ المرضي والعادات الغذائية. وقد ينبه المستخدم إلى وجود خطر، كالسمنة مثلا، إذا التقطها من خلال هذه المعطيات، فيقدم تصورا عاما عن المخاطر وخطة علاجية عامة؛ لكنها تظل سطحية، لأنه في النهاية مجرد ‘مُحرك’، وليس طبيبا”.
وأوضحت المتحدثة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “النظام يمكن أن ينبه المستخدم إلى احتمال الإصابة بمرض معين، بناء على المعلومات المخزنة فيه، ويمنحه خطة أو نصائح؛ لكنها تبقى رهينة بما تم إدخاله إليه من معطيات، فهو لا يستطيع القيام بتحليل عميق كتحليل الطبيب، بل يعتمد فقط على الربط بين المعلومات المتوفرة لديه”.
وأفادت بنسامي بأن “قضية مصدر المعلومات تطرح إشكالا آخر، إذ إن السؤال الأهم هو: ما هي مصادر ChatGPT مثلا؟”، مضيفة أنه “هذا النوع من الذكاء الاصطناعي يعتمد على مصادر موثوقة أحيانا؛ لكنه في المقابل يستند إلى معطيات مأخوذة من الأنترنيت، بعضها مجهول المصدر أو غير دقيق، وهو ما يستدعي الحذر في التعامل مع مخرجاته”.
وأكدت ليلى بلهادي بنسامي أن “الخصوصية تظل أمرا ضروريا عند التعامل مع هذه الأدوات، إذ لا يمكن إعداد نظام غذائي دقيق دون التوفر على معطيات شخصية دقيقة. وفي بعض الحالات، كأنظمة الحمية مثلا، لا بد من إجراء فحوصات لتحديد الحالة الصحية، لأن وجود أمراض خفية قد يستدعي تغييرا كاملا في النظام الغذائي”.
ولفتت الاختصاصية في الغدد والسكري والتغذية إلى أنه “رغم أهمية هذه التكنولوجيا كمصدر للمعلومة، فإنها لا يمكن أن تُعوض الإنسان؛ فهي مثل غيرها من الوسائل الاصطناعية، يجب ألا تُستخدم إلا كأداة مساعدة، والمعلومات التي تقدمها عامة، ويجب التحقق من صحتها، خاصة إذا تعلق الأمر بقرارات صحية دقيقة تتطلب رأي الطبيب”.
وختمت ليلى بلهادي بنسامي توضيحاتها بالإشارة إلى أن “المعلومات العامة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون خطوة أولى نحو الاستشارة الطبية، فقد يأتي الشخص إلى الطبيب وهو يحمل تساؤلا انطلاقا مما قرأه أو لاحظه من خلال تلك الأداة الرقمية؛ لكن الكلمة الفصل تبقى للطبيب الذي يؤكد أو يصحح.. وبالتالي يجب دائما الاستفادة من كل جديد، دون الاعتماد عليه بشكل كامل”.
هيام اليوسفي، أخصائية في الحمية والتغذية، قالت إن “تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا تزال في طور التجريب فيما يتعلق بتصميم حميات غذائية شخصية، خصوصا بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أمراض معينة”، مضيفة أن “الشخص العادي يمكنه في بعض الأحيان الاعتماد على هذه التطبيقات؛ لكن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية، أو النساء الحوامل أو المرضعات، من الضروري أن يستشيروا أخصائي الحمية الغذائية لكي يساعدهم في هذا الجانب”.
وأوضحت المتحدثة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه التطبيقات تعطي نصائح شاملة وعامة، وتشكل مصدرا كبيرا للمعلومات؛ ولكن على مستوى التفاصيل الدقيقة لا يمكن الاعتماد عليها كثيرا. وهنا يكمن الخطر المحتمل، خاصة إذا تعلق الأمر بأشخاص مصابين بمرض معين، فقد تؤدي هذه التطبيقات إلى تفاقم المرض، أو قد يتعرضون للإصابة بمرض آخر”.
وضربت اليوسفي مثالا بـ”امرأة حامل قدم لها تطبيق في الذكاء الاصطناعي توصية بتناول أنواع من الأسماك الكبيرة الحجم، في حين أن هذا النوع من الأسماك يحتوي على نسبة عالية من الزئبق؛ وهو أمر غير صحي للجنين، وقد يشكل خطرا على صحته”، مشيرة إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي قد تقترح على شخص مريض بالكوليسترول بعض الأطعمة التي تحتوي على سكريات، وهذه الأخيرة ترفع بدورها نسبة الكوليسترول”.
في الشق المرتبط بالنصائح، قالت هيام اليوسفي: “لكي تكون الحمية مصممة بشكل صحيح من لدن الذكاء الاصطناعي، يجب أن يُزودَ بجميع المعطيات الضرورية، كالوزن والطول ونمط الحياة والنظام الغذائي اليومي…، وإذا كان هناك مشكل صحي يجب تحديد نوع هذا المشكل بدقة، كفقر الدم أو نقص فيتامين D على سبيل المثال، فيجب إدخال كل هذه النقاط. ومع ذلك، ينبغي مراجعة هذه الحمية من لدن أخصائي في الحمية والتغذية لتكون ملائمة للحالة الصحية بشكل أفضل”.