آخر الأخبار

برودي: "الضعف الأوروبي" واقع.. وفرض الديمقراطية خلل فلسفي عميق

شارك

في كلمة تنصيبه عضوا شرفيا بأكاديمية المملكة المغربية قال رومانو برودي، السياسي الأوروبي ذو الأثر البارز في سياسة إيطاليا والسياسة الأوروبية عامة، إنه رغم كونه مهتما بالسياسة منذ زمن “أزمة الصواريخ الكوبية” قبل ما يزيد عن ستين سنة، ورغم مسؤولياته التدبيرية والأكاديمية، لم يتصوّر في حياته التغيير الذي حدث في الشهور الأخيرة.

تمّ هذا خلال كلمة تنصيب برودي بأكاديمية المملكة المغربية، الأربعاء في الرباط، خلال أطوار الدورة الخمسين للأكاديمية المنظمة في موضوع “الإيقاع المتسارع للتاريخ” أيام 22، 23، 24 أبريل الجاري، ومن بين من يشارك فيها الأكاديمي والسياسي البارز الذي سبق أن ترأس المفوضية الأوروبية، وترأس وزراء إيطاليا مرتين، وهو متخصّص في الاقتصاد درّس في جامعات إيطالية وأخرى أمريكية مثل هارفارد.

وذكر رومانو برودي أن “العالم كان يعرف إمكانية توافق، لكن الآن كل شيء غير مؤكّد، وغير متوقع”، وعاد إلى الحرب الأمريكية على العراق التي كانت “اللحظة في السياسة الدولية التي أخذت العالم إلى ما وصل إليه اليوم بسبب خلل فلسفي عميق للرئيس جورج بوش الابن، الذي كان يقود الولايات المتحدة، ورأى أن الديمقراطية يمكن تصديرها وفرضها على دولٍ أخرى”.

مصدر الصورة

وعلّق برودي على هذه الفكرة التي عُرف بها الرئيس بوش وناقشه فيها إبان مسؤوليته الأوروبية: “أنا مساند تام للديمقراطية، لكن لم أظن يوما أنه يمكنك فرضها، لأن هذا ضد الديمقراطية نفسها؛ وتصور إمكان فرضها خلل فلسفي عميق. ودائما ما تصورتُ العالم جسرا فيه شاحنات وسيارات وأناس، لكن عليك احترام الخلاف، والقاعدة الوحيدة هي احترام قواعد الزحام (المرور)، لا أن نصير متماثلين”.

ويقدّر المسؤول الأوروبي السابق أن “صعود الصين كان لحظة تغيّر كل صورة العالم، وهو صعود كان غير متوقع عندما كتب فوكوياما كتابه الشهير حول ‘نهاية التاريخ والإنسان الأخير’، متصورا أن القرن الحالي سيكون قرن الولايات المتحدة الأمريكية”، وزاد مستدركا: “لكن لم يتغيّر هذا فحسب، بل حتى فكرة عالم متعدد يمكن أن تكون أوروبا وسيطا بينه لم تتحقّق؛ بل سارت الأمور في اتجاه آخر. ورغم التضامن الكبير خلال فترة الجائحة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي كانت هذه لحظةً فقط. وبتوازٍ مع تغير العالم حدث تغير كبير في المؤسسات الأوروبية، في القوة التي تحركت تجاه المجلس الأوروبي أكثر فأكثر، حيث يمثّل كل بلد أوروبي نفسه”.

المسؤول الأوروبي السابق الذي كان في كلمته انتقاد كثير لواقع الاتحاد الأوروبي، وتشرذمه الداخلي، مع أملٍ للعودة إلى طريق الاتحاد الفعلي، شدّد على أن “من أبرز أوجه الضعف الأوروبي اتخاذ القرارات بإجماع أعضاء الاتحاد، وهو أمر لا ديمقراطيّ، يستحيل معه أي تخطيط طويل الأمد لسياسة أوروبية؛ كما أن من أوجه المشكل الحاجة إلى الإجماع ضد الإجماع، للعودة إلى سكّة الاتحاد الديمقراطية”.

مصدر الصورة

وعاد برودي إلى بداية الاتحاد وما سمعه “من كل الزملاء الأمريكيين، الذين قالوا إنه من الصعب جعل عملة قوية دون وحدة قوية”، وتابع: “لكن اتُّخِذَ قرار عملة اليورو، وبدأ التعاون، ثم شمل دولا أكثر. لكن ‘قرار الإجماع’ اليوم جعل من المستحيل السير في الطريق التامة للوحدة، ليصير الاتحاد الأوروبي أحسن خبز عالمي لن يكتمل تحضيره أبدا، وهو خبز نصف مطهو، لكن ما نحتاجه هو الخبز مكتمل الطهو”.

وحول العلاقة بروسيا استعاد المسؤول الأوروبي السابق نقاشاته مع رئيسها فلاديمير بوتين الذي لم يكن له مشكل مع توسع رقعة المنتمين للاتحاد الأوروبي، بل مع “الناتو”، ثم قدّم مثالا عن التغير الكبير الذي شهده العالم، أو “التسارع الكبير” في الأحداث بقوله: “قبل أحد عشر عاما قال لي بوتين لن أبيع مترا مكعبا واحدا من الغاز للصين… بعدما قلت له إن روسيا عظيمة ببحثها العلمي مثلا وأمور أخرى، لكن صناعتها ليس كذلك… فعليها ربط نفسها بأوروبا أو بالصين…”.

وحول الدور في فلسطين والشرق الأوسط تحدث العضو الشرفي للأكاديمية عن أوروبا بوصفها “مازالت قوة كبيرة، لها ناتج داخلي خام مثل ناتج الصين، مع ثلث ساكنته فقط، لكن الفُرقة الداخلية تجعلنا لا نستطيع التعبير عن القوة والتأثير… وبالتالي رغم العمل المذهل الذي نقوم به من أجل التشريع للحرية وضبط الذكاء الصناعي مثلا إلا أن مثل هذا الواقع يسلبنا القدرة على الفرض (…) وهو ما يمكن تغييره إذا عادت فرنسا وألمانيا لسياسة مشتركة، مع الابتعاد عن سياسة الإجماع (لتطبيق القرارات)”.

مصدر الصورة

وحول الولايات المتحدة الأمريكية اليوم أورد رومانو برودي: “سياسة دونالد ترامب غير متوقعة على الإطلاق، ولا أعرف ما سيحدث بعد 90 يوما من حكمه، ولا أحد يعرف (…) وهناك من يقول إن على أوروبا والصين التعاون ضد هذا… ولا أدري ما الاتجاه الذي سيُسلك”.

لكن، رغم ضبابية المستقبل، يقدّر الأكاديمي والسياسي الإيطالي الأوروبي أن الضرورة المتوسّطيّة هي “الاستثمار في اليافعين، بتأسيس جامعات مشتركة… ذات إدارة مشتركة في أثينا والقاهرة مثلا، والرباط ومدينة أوروبية، وهكذا… من أجل نمو مشترك شمالا وجنوبا (…)”، مردفا: “عندما نبلغ تخرّج نصف مليون من طلبة الضفتين؛ الذين درسوا معا، وقطنوا معا، وتخرّجوا معا، سنُغَيِّر المتوسط”، مع ذكره أنه إبان مسؤوليته الأوروبية لم يستطع الإقناع بمثل هذا التصور “لأن البلدان الأوروبية لم تكن تهتم بالمتوسط، والآن تهتم به بفعل الهجرة”.

وختم برودي كلمته بأكاديمية المملكة المغربية بقوله: “إذا لم نكن مسرعين ومترابطين، للإتيان بأفكار جديدة للعالم، سينحصر الحوار بين الديكتاتوريين والسلطويين، وهو ما علينا تجنبه في المستقبل (…) ورغم كل المحدودية التي أراها، وانتقادي لمحبوبتي أوروبا، مازلت أظن أن لها دورا مهما في العالم؛ فهي الإمكانية الوحيدة لجعل ديمقراطيةٍ تعمل، وجمع العالم حول عالم متعدد. ليست فرنسا ولا ألمانيا قادرتين على ذلك بمفردهما، بل أوروبا مجتمعة (مع تعاون لا غنى عنه مع الجنوب والدول المتوسطية)، وإذا لم نقم بذلك من الصعب أن نتوقع كيف سيكون تطور العالم”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا