ترقب كبير يسود الأوساط الدبلوماسية المعنية بنزاع الصحراء المغربية، بالتزامن مع انعقاد جلسة مباحثات مغلقة اليوم الاثنين بمجلس الأمن، يُرتقب أن تشكل محطة مفصلية ضمن مسار التعاطي الأممي مع النزاع الإقليمي المفتعل، خاصة في ظل المتغيرات المتسارعة التي تطبع المشهد الدولي والإقليمي.
الإحاطة التي سيقدمها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا أمام أنظار أعضاء المجلس بنيويورك، إلى جانب عرض آخر للممثل الخاص للأمم المتحدة رئيس بعثة “المينورسو”، ألكسندر إيفانكو، تأتي بعد جولة من المشاورات التي قادها المبعوث الأممي مع مختلف الأطراف المعنية تمهيدا لأرضية جديدة في أفق العودة إلى طاولة المفاوضات.
ومن المنتظر أن تشكل هذه الإحاطة مرجعية أساسية ضمن التقرير السنوي الذي يُعده الأمين العام للأمم المتحدة، قبل متم شهر أكتوبر المقبل، تنفيذا لمقتضيات القرار رقم 2756، كما ستكون الجلسة المغلقة اليوم بمثابة اختبار فعلي لمستقبل الوساطة الأممية، وخارطة الطريق المنتظرة لإعادة بعث العملية السياسية المتعثرة منذ سنوات.
إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، قال إن إحاطة الوسيط الأممي ستيفان دي ميستورا أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي بخصوص ملف النزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية للمملكة، وإن كانت من حيث الشكل تتماشى مع مضمون قرار مجلس الأمن الصادر في أكتوبر الماضي تحت رقم 2756، الذي دعا سياسيا إلى دعم جهود الوساطة التي يقودها، ولوجستيا إلى تمديد ولاية بعثة المينورسو سنة جديدة تحت إشراف رئيسها ألكسندر إيفانكو، فإن دعم هذه الجهود يبقى مؤطرا بمنطوق القرار الأخير الذي لا حاجة للتذكير به.
وأضاف اسويح، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الوسيط الأممي تعاطى في جولته الأخيرة مع الأطراف المعنية بنوع من الهدوء، الشيء الذي ينذر بوجود أمر مستجد يتعلق بوضع اللمسات الأخيرة للدخول في مفاوضات في إطار العملية السياسية التي أيّدها غالبية أعضاء مجلس الأمن مؤخرا، بل وتحديد الفاعلين فيها وأهدافها.
وأردف المتحدث أن غياب أي لقاءات أخرى خارج هذه الدائرة، على خلاف ما حدث في السابق، والتسريبات المتداولة حول هذه اللقاءات، أمر يعطي الانطباع بأننا أمام منعطف حاسم بالنسبة لمستقبل دي ميستورا، الذي يبدو أنه بصدد حسم الأرضية التفاوضية المتعثرة منذ استقالة سلفه الألماني هورست كولر سنة 2020، إذ إن هامش الدفع بانخراط جدي للأطراف في المفاوضات مرهون بالدعم الذي سيوليه مجلس الأمن لجهود الوسيط الأممي.
وأبرز المحلل السياسي أن هذا قد يكون واضحا من خلال الانخراط الأمريكي في الوساطة، حيث يشكل اللقاء الأخير بين دي ميستورا والمسؤولة الأمريكية ليزا كينا أحد أبرز تجلياته قبيل تقديم الإحاطة، خصوصا وأن إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب أبدت عزما واضحا على الدفع لإحراز تقدم في هذا الملف دون أي تأخير.
وبخصوص مخرجات الاجتماع المرتقب لمجلس الأمن الذي تترأسه دولة فرنسا، أكد المتحدث أن الإحاطة، وإن حافظت على شكلها المألوف، فإن مضمونها لا بد وأن يعكس المستجدات المتمثلة في الضغط الإضافي الذي بدأ يرهن موقف الأطراف المتعنتة، ويفرض زحزحة المياه الراكدة وتبني توجه جديد تفرضه القوى العظمى الفاعلة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا.
وأكد الخبير السياسي في هذا السياق أن هذا الدور يهدف إلى الحسم في الغاية من العملية السياسية، المتمثلة في الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وإعادة توجيه دور بعثة المينورسو بما ينسجم مع هذا التوجه، وهي الإشارات التي كانت واضحة في ديباجة ومنطوق قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007، والتي كانت الدبلوماسية الملكية ترحب بها، بالنظر إلى أنها ترتقي بمبادرة الحكم الذاتي كخيار جاد وواقعي.
ولم يستبعد اسويح أن تختلف هذه الإحاطة عن سابقاتها، خصوصا وأن دي ميستورا هذه المرة مجند بمواقف أكثر تقدما للدول الأعضاء بمجلس الأمن، التي عبرت عن رغبتها بالخروج من المأزق الحالي، ولو بفرض حل سياسي واقعي، لافتا إلى أن “هامش المناورة لخصوم الوحدة الترابية لم يعد يتيح العودة إلى مقاربات تقليدية تجاوزها الزمن، والعناصر الجديدة التي تحكم الإجماع الدولي حول خصوصية النزاع والحل المرتقب أصبحت عناصر ثابتة لا رجعة فيها”.
وختم المصرح حديثه بالتأكيد على أن الوساطة الأممية ميدانيا أصبحت رهينة بهذه المسارات، التي تحدد مدى نجاحها أو فشلها، في ظل تحضير مختلف لمرحلة جديدة من التفاوض، بمنظور أكثر براغماتية، سواء من حيث الوساطة التي يقودها دي ميستورا، أو من حيث الدور الأمريكي المحتمل في إعطاء زخم جديد لها، في إطار إعادة ترتيب الأوراق وتموقع جديد للقوى الكبرى في منطقة الصحراء والساحل.
من جهته، يرى الدكتور عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن اجتماع مجلس الأمن المقرر عقده مساء اليوم، يأتي في سياق تحولات جيو-سياسية ودبلوماسية لافتة تعيشها قضية الصحراء المغربية، الشيء الذي يجعل من هذا الموعد الأممي لحظة مفصلية لإعادة ضبط مواقف الدول الكبرى على ضوء المستجدات التي فرضها المغرب ميدانيا ودبلوماسيا.
وأكد البلعمشي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن القرار الأممي المرتقب بعد ستة أشهر يجب أن يعكس التوازنات الجديدة التي تشكلت منذ القرار السابق في أكتوبر الماضي، لافتا إلى أن “الإحاطة التي سيقدمها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستكون حاسمة في رسم ملامح المرحلة المقبلة، لأنها تعكس ليس فقط الوضع الميداني، بل أيضا الزخم السياسي الذي عرفته القضية في الأشهر الأخيرة”.
وعرج الخبير السياسي المغربي على المواقف الثابتة لبعض الدول المؤثرة، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرا إلى أن “تجديد واشنطن الإقرار بسيادة المغرب على صحرائه ودعمها لمبادرة الحكم الذاتي، يعكس تحوّلا نوعيا في مسار النزاع، ويمنح الطرح المغربي مشروعية أقوى داخل المؤسسات الأممية مقارنة بسنة 2020 التي شكلت فقط بداية هذا التحول دون أن تأخذ مفاعيله الكاملة”.
وأوضح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض في مراكش أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب في أكتوبر المنصرم، وإن لم تُترجم نسبيا في القرار الأممي السابق، إلا أنها تمثل اليوم أحد أبرز مؤشرات التحول في الموقف الفرنسي الرسمي تجاه ملف الصحراء، خاصة وأن مداولات مجلس الأمن الأخيرة شهدت زخما واضحا في الخطاب السياسي للدول دائمة العضوية، مع حضور متزايد للتقارب الفرنسي-الأمريكي حول دعم المغرب.
وسجل رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات أن القرار الأممي المقبل لا يمكنه أن يتجاهل التحولات النوعية التي راكمها المغرب خلال الأشهر الماضية، سواء عبر التموقع الدبلوماسي الفعال أو عبر الدينامية التنموية المتسارعة في الأقاليم الجنوبية، مؤكدا أن “حضور دول مؤثرة مثل فرنسا وأمريكا بهذا الشكل الواضح سيجعل من مخرجات القرار لحظة فارقة في مسار النزاع الإقليمي”.
وبخصوص إحاطة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، شدد المتحدث على أن الإحاطة يجب أن تتجاوز الإطار التقني التقليدي لتُعبر عن الواقع السياسي الجديد الذي أصبحت فيه المبادرة المغربية أكثر واقعية وجدية، في ظل الانكماش المتزايد لخطاب الانفصال، وانكشاف محدودية الطرح الجزائري أمام المجتمع الدولي.
وأكمل البلعمشي تصريحه بأن المغرب لا يحقق فقط مكاسب على المستوى السياسي والدبلوماسي، بل يفرض معادلة جديدة تجعل من منطق الربح والخسارة أكثر وضوحا؛ إذ إن الجزائر التي كانت تراهن على خطاب المظلومية والدعم الإيديولوجي، وجدت نفسها معزولة حتى من قبل حلفائها التقليديين، في الوقت الذي تُراكم فيه الرباط اعترافات سياسية وزيارات ميدانية من وفود رفيعة المستوى، مما يؤكد أن “واقع الصحراء لم يعد محل نقاش، بل أصبح مؤطّرا بشرعية دولية متنامية تنحو بثبات نحو تثبيت الحل السياسي الواقعي والنهائي تحت السيادة المغربية”.
من جانبه، يرى الدكتور حمدات لحسن، أستاذ العلاقات الدولية، أن قرار مجلس الأمن رقم 2657 بشأن الصحراء شدد بشكل واضح على ضرورة التوصل إلى حل سلمي متفاوض بشأنه، مع إبراز الدور المحوري للجزائر كطرف رئيسي في النزاع المفتعل، وذلك بالرغم من محاولاتها المتكررة التملص من مسؤولياتها السياسية والقانونية.
وأشار حمدات، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن القرار نوّه بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها الأساس الجدي الوحيد الذي يتمتع بالمصداقية وقابلية التطبيق، داعيا في الآن ذاته إلى استئناف الموائد المستديرة ووقف الاستفزازات المتكررة التي تعرقل العملية السلمية.
وأضاف المتحدث أن التطورات التي أعقبت صدور القرار الأممي في أكتوبر من السنة الماضية، سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو الميداني، منحت المغرب زخما إضافيا بفضل اعترافات ومواقف متتالية من قوى دولية كبرى دعمت المقترح المغربي، في مقدمتها فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، فضلا عن دول من أمريكا اللاتينية، وأخرى من إفريقيا الغربية والوسطى، إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، مؤكدا أن “هذا الدعم المتزايد يعزز شرعية الموقف المغربي، ويُكرس مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية كحل وحيد واقعي وعملي لهذا النزاع المفتعل”.
وبخصوص جلسة المباحثات، أوضح الدكتور حمدات أن “الجلسة المغلقة المنتظرة مساء اليوم ستتطرق إلى تحركات الوسيط الأممي مع مختلف الأطراف، وستبرز المواقف الجديدة للدول الصديقة، خاصة فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، التي تتقاطع جميعها في التأكيد على أن لا حل خارج السيادة المغربية”.
وختم حمدات لحسن حديثه لهسبريس بأن دي ميستورا سيعرض أيضا إصرار المملكة على ضرورة انخراط الجزائر في المفاوضات الرباعية، والتشديد على الوقف الفوري للمناوشات العسكرية، مع التأكيد مجددا على جدية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي كخيار نهائي لحل النزاع.