مع حلول شهر أبريل، الذي ارتبط دوماً بظاهرة “كذبة أبريل” في ذاكرة الجماهير، تتجدد النقاشات حول ظاهرة الكذب وأبعاده النفسية والاجتماعية؛ ففي وقت تتداخل الحقائق مع الأكاذيب يتبين أن الكذب ليس مجرد سلوك مكتسب نتعلمه منذ الصغر، بل قد يتحول إلى اضطراب نفسي يؤثر على شخصية الفرد وعلاقاته الاجتماعية.
يُعد فاتح أبريل المعروف بـ”كذبة أبريل” مناسبة يحتفي بها الكثيرون حول العالم من خلال تبادل الدعابات والخدع الودية. ويتميز هذا اليوم بنشر بعض الأخبار الملفقة والتلاعب بالمعلومات بهدف إدخال البهجة والدهشة على النفوس، ما يضفي جوًا من المرح والتسلية على الحياة اليومية.
ورغم طابعها الظاهري السطحي تكشف هذه الظاهرة عن رغبة الناس في كسر رتابة الروتين وتعزيز روح الدعابة. كما يشكل يوم “كذبة أبريل” فرصة لتعزيز الوعي النقدي والتمييز بين الأخبار الحقيقية والمضللة، في ظل عالمٍ يتزايد فيه تدفق المعلومات من مختلف المصادر.
في هذا الإطار قالت ريم عكراش، أخصائية نفسية، إن الكذب “ليس بالضرورة حالة مرضية، بل يُعد سلوكًا نتعلمه منذ الطفولة، إذ يُستخدم كوسيلة للدفاع النفسي والاجتماعي؛ ففي بعض الأحيان يؤدي وظيفة محددة للفرد، إذ يمكّنه من حماية نفسه من العواقب المحتملة، ويتعلمه من البيئة التي نشأ فيها”.
وأضافت عكراش ضمن تصريح لهسبريس: “مع تقدمنا في العمر، ووجود بيئة تتسم بانتشار الكذب، مثلما يحدث بين الوالدين، يعتاد الإنسان على استخدام الكذب كوسيلة للدفاع عن نفسه، فيصبح ذلك سلوكًا مكتسبًا”.
وفي ما يتعلق بالجانب المرضي أوردت الأخصائية ذاتها أنه “يظهر في صورة كذب قهري يُعرف بالميتومانيا، وهو نوع من الكذب المرضي المرتبط باضطرابات نفسية مثل اضطرابات الشخصية”، وذكرت كمثال على ذلك “الشخصية النرجسية، التي يجد صاحبها صعوبة في التحكم في كذبه، وقد يكون واعيًا به أو غير مدرك له”.
وأوضحت المتحدثة ذاتها أن الكذب المرضي “قد يظهر في اضطرابات المزاج، مثل اضطراب ثنائي القطب، حيث يتضمن نوعًا من الوهم بالتميز (الميجالومانية) كآلية لتعويض شعور الفرد بالنقص والدونية”.
وفي الجانب غير المرضي أشارت عكراش إلى أنه “قد يلجأ البعض إلى الكذب نتيجة خوف من العقاب أو الرفض، أو رغبة في الحصول على إعجاب الآخرين، أو للظهور بصورة أفضل أمام الناس”، مؤكدة أن “هذه الحالة تتطلب تدخلًا علاجيًا نفسيًا للعمل على تحسين تقدير الذات وزيادة الثقة بالنفس، إذ يبدأ الفرد الذي يعاني من ضعف الثقة اختلاق قصص تهدف إلى إبراز نفسه بصورة إيجابية في علاقاته الاجتماعية”.
من جانبه قال عادل الحساني، الخبير في علم النفس الاجتماعي، إن “الكذب إذا ما استمر لما بعد عمر الـ 21 بإفراط فهو يعبر عن اضطراب في استيعاب القيم والقواعد الاجتماعية، وطغيان العالم المتخيل في ذهن الشخص”.
وأضاف الحساني ضمن تصريح لهسبريس أن “هذا الخلل خاص بأشخاص قلائل في المجتمع، بدافع العدوان أو التلاعب”، مفيدا بأنه “بالنسبة للأشخاص العاديين فإن دوافع ومظاهر الكذب لا تنعدم في تصرفاتهم وتعبيراتهم، فكما أن هناك بنية غير سوية تحمل الخلل وتضغط لأجل الكذب فهناك ضغوط يمكن أن تجعل شخصا سويا يكذب”.
وزاد الخبير ذاته: “إنها إحراجات صغيرة تولد كذبات مثل كذب التجار بعدم وجود ‘الصرف’ لمن يطلبه، وهو مبرر لأنه لا يمكن تقديم ‘الصرف’ دون بيع وإلا تعطل عملهم. وهذا شأن الكثير من الكذبات المبررة التي هدفها عدم خلق الحرج وليس الخداع”.
وأردف المتحدث نفسه: “غير أن الكذب المخادع يظل سيدا ضمن أدوات التعامل للأسف، والسبب هو ضعف الأشخاص أمام ضغط تيسير حاجة أو رغبة كنوع من المرونة في التعاملات”.