مواصلا مَساعيه لتحريك “المياه الراكدة” في قضية الصحراء المغربية، قبل حلول المشاورات غير الرسمية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المرتقبة منتصف شهر أبريل من السنة الجارية، زار ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، الرباطَ في إطار جولاته الإقليمية المعتادة قبل كل استحقاق أممي.
وبحضور عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، جرت مباحثات بين ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وبين المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية.
وكان لقاء بوريطة ودي ميستورا، الذي يأتي أشهرا بعد عرض تقريره أمام مجلس الأمن أكتوبر الماضي، مناسبة للوفد المغربي لاستعراض الدينامية الدولية الداعمة لمغربية الصحراء وللمبادرة المغربية للحكم الذاتي، بقيادة الملك محمد السادس، حسبما أوضحه بيان للخارجية المغربية.
وكان الملك محمد السادس قد دعا، بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء في السادس من نونبر المنصرم، الأمم المتحدة إلى أن تتحمل مسؤوليتها، “وتوضّح الفرق الكبير بين العالم الحقيقي والشرعي الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد بعيد عن الواقع وتطوراته”.
وبدا لافتا تعبيرُ المغرب، مجددا، التشبثَ بـ”الأساس الحصري” لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، مع دعم المملكة لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي، الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي واقعي، وبراغماتي ومستدام على الأساس الحصري للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، في إطار السيادة والوحدة الترابية للمغرب.
الموساوي العجلاوي، الخبير والأكاديمي المغربي في قضايا الصحراء إفريقيا، أوضح أن “لقاء بوريطة مع دي ميستورا يدخل في سياقين”؛ إذ إن “الأول مِسطري مرتبط بقرار مجلس الأمن الأخير الذي نص في أحد بنوده على عقد جلسة لمجلس الأمن، يقدم فيها الأمين العام ومبعوثه ومُمثِّله معطيات حول ما جرى في الستة أشهر التي تلت قرار مجلس الأمن الأخير الذي مدد مهمة المينورسو لمدة سنة”.
أما السياق الثاني، وفق العجلاوي مصرحا لجريدة هسبريس الإلكترونية، “فيرتبط بطبيعة هذه الزيارة، أيْ ماذا يريد ميستورا من المغرب؟”؛ مقدما في السياق بعض عناصر الإجابة:
“لا يمكن إلا أن نُحيل إلى خطاب الملك في الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، الذي وجّه رسالة إلى الأمم المتحدة مفادها أن المنظمة الدولية عليها أن تختار بين طرحين:
الطرح الأول وهو الطرح المغربي المتمسك بالحل السياسي المتمسك بكل قرارات مجلس الأمن الداعية إلى حل براغماتي واقعي ودائم ومتوافق حوله، تُسانده الآن أكثر من 100 دولة هي عضو في الأمم المتحدة دون نسيان أن دولتين عضوين دائمين في مجلس الأمن هما فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية تعترفان بسيادة المغرب على صحرائه دون الحديث عن إسبانيا وألمانيا ودول إسكندنافيا وأوروبا الشرقية والبرتغال.
كما استحضر الخبير في قضية الصحراء الدينامية المتسارعة المعبر عنها بـ”الدعم الدولي المتزايد لطرح الحل السياسي لمبادرة الحكم الذاتي”. أما “الرؤية الثانية فهي رؤية تعود إلى 50 سنة وهي الاستفتاء المؤدي إلى الاستقلال الذي تنادي به البوليساريو والنظام الحاضن للانفصال والارتزاق”.
وبالتالي، خلص العجلاوي إلى أن “مسؤولية الأمم المتحدة هي أن يقول ستافان دي ميستورا بوضوح في جولته: مَن يرحب بقرارات مجلس الأمن، ومن يتمسك بالحل السياسي مقابل مَن يريد أن يُدخل المنطقة إلى فوضى دائمة”، معتبرا أن “الدور الذي يمكن أن يلعبه دي ميستورا أنْ يُوصل هذه الآراء إلى الأمين العام وإلى مجلس الأمن. عدا ذلك لا يمكن لدي ميستورا إلا أن يكون عمله عملا ناقصا وأن يدور حول نفسه؛ فما يقوم به إلى يومنا هذا هو أنه يدور حول نفسه، دون الخروج من هذه الدائرة”، خاتما أن “الخروج منها يقتضي القول الحقيقة لمجلس الأمن؛ حتى يتحمل أيضا مجلس الأمن والجمعية العامة الأممية مسؤولياتهما فيما يخص إنهاء هذا النزاع الإقليمي”.
لحسن أقرطيط، محلل باحث في العلاقات الدولية والعلوم السياسية، قال إن “دي ميستورا يواجه تحديا كبيرا يتمثل في إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات، بحكم أنها المهمة التي كُلّف بها دي ميستورا من لدن مجلس الأمن تتمثل في إنجاز هذا الاستحقاق الكبير، وهو إعادة المفاوضات واستعادة المفاوضات من خلال إعادة الأطراف، وخصوصا الجزائر التي تتعنت في موقفها برفض الحضور إلى الطاولة المستديرة كإطار وحيد وأوحد لإجراء هذه المفاوضات”.
وأضاف أقرطيط، في تعليق لهسبريس، أن هذه الجولة الإقليمية الجديدة للمبعوث الشخصي الأممي “تضعُه أيضا في مواجهة تحدٍّ كبير يتمثل في إنجاز المهمة بشكل عام التي هو مكلف بها، وهي التوصل إلى حل سياسي واقعي دائم ومستدام وذي مصداقية”، مشيرا إلى أن “هناك فشلا ذريعا لدي مستورا في تحقيق أو في إنجاز هذه المهمة”.
“على دي ميستورا، الآن، أن يأخذ بعين الاعتبار الموقف المتعنت للنظام الجزائري”، أورد المصرح لافتا إلى “معطى موضوعي ينبغي استحضاره في الإحاطة التي ستقدم أمام مجلس الأمن خلال نصف الدورة السنوية لشهر أبريل، وهو عودة جبهة البوليساريو إلى حمل السلاح وإعلان قيادتها بالعودة بالتنصل من اتفاق وقف إطلاق النار مع الأمم المتحدة، وهو ما ينهي عمليا أية مفاوضات انطلاقا مما سبق أن حدده ناصر بوريطة كشرط”.
وخلص الباحث ذاته: “زيارة دي ميستورا تظل مشروطة بالقرار 2756 الذي يحدد إطار هذه المهمة، سواء ما يتعلق بأطراف النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، أم ما يتعلق بالمعطيات الموضوعية المرتبطة بهذا النزاع؛ وبالخصوص عودة جبهة البوليساريو إلى حمل وإشهار السلاح، فضلا عن تداعيات تعنت الجزائر العودة إلى طاولة المفاوضات، وكل ما راكمه المغرب كإنجازات في مسار الاعتراف بالوحدة الترابية الكاملة”.