عددّت دراسة بحثية حديثة تحديات إحداث المجموعات الصحية الترابية، التي “تتنوع بسبب صعوبة تنزيل مقتضيات القانون رقم 08.22″، وضمنها ارتباط تمويلها باستدامة أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، في ظل مجابهة أنظمة التغطية الصحية “تحدي الحفاظ على توازناتها المالية”، وتهديد “هاجس التمويل الذاتي بتغليب المقاربة المقاولاتية”؛ فضلا عن إشكالية “الغموض” الذي يلف وضعية الملتحقين بهذه المجموعات، و”مفاقمة” هجرة أطر الصحة “عجز” الموارد البشرية.
الإسهام العلمي الصادر عن العدد الجديد (مارس 2025) من مجلة قراءات علمية للدراسات والأبحاث، تحت عنوان “المجموعات الصحية الترابية: التحديات والرهانات”، أوضح أنه “في ظل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية يرتبط تمويل المجموعات الصحية الترابية بشكل كبير بضمان استدامة أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، باعتبارها الممول الرئيسي لهذه المجموعات، في إطار الموارد المتأتية من أنشطة المجموعات تجاه مؤمني هذه الأنظمة”.
وأفادت الدراسة، التي أعدها الأستاذ الباحث كمال المريني، إطار بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وطالعتها هسبريس، بأن ضمان الاستدامة المالية لهذه الأنظمة، وما يتطلبه إصلاح المنظومة الصحية من تأهيل البنيات الاستشفائية وتعزيز وتحفيز الموارد البشرية واعتماد النظام المعلوماتي المندمج، يستوجب “استقطاب نسبة مهمة من المؤمنين لضمان التمويل الضروري والاستقلال التدريجي عن إعانة الدولة”.
وكشف الباحث بسلك الدكتوراة في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة عبد الملك السعدي، في هذا الجانب، أن “التخوف يظل قائما في ظل معاناة أنظمة التغطية الصحية بالمغرب من مجموعة من الاختلالات”، مبرزا أن “أهمها تتمثل في تحدي الحفاظ على توازناتها المالية، وضعف نجاعتها، بالإضافة إلى غياب الثالث المؤدى”.
على صعيد متصل حذرت الدراسة من أن “هاجس التمويل الذاتي للمجموعات الترابية قد يكون مدعاة لتغليب المقاربة المقاولاتية على حساب المقاربة الاجتماعية”، موضحة أن ذلك قد يحدث “من خلال سحب التخصصات غير المدرة (للربح) من الخريطة الصحية الجهوية، وتعزيز الاختصاصات والأنشطة المدرة للربح”.
من جانب آخر عدّ المصدر نفسه أن استثناء القانون رقم 08.22 المؤسسات الاستشفائية العسكرية من قائمة المنشآت الصحية العمومية التي تضمها المجموعة الصحية الترابية تم في وقت كان ضم المستشفيات العسكرية إلى المجموعة سيُعد “إضافة نوعية في تعزيز قدرات وإمكانات المجموعات الصحية الترابية، لما تتوفر عليه هذه المؤسسات الصحية من إمكانات وقدرات بشرية ومادية، وتمويلية”.
كما أشار الباحث إلى أن القانون المذكور استثنى في هذا الصدد كذلك “المكاتب الصحية الترابية”، “رغم أنه يفترض في تأطير المجموعات الصحية الترابية عمل هذه المكاتب مساهمة فعالة في تجاوز أوجه القصور الذي تعرفه، خاصة أن التقرير السنوي الأخير للمجلس الأعلى للحسابات يسجل أن %41% منها (..) تجد صعوبات في ممارسة معظم اختصاصاتها”.
كما فصّلت الدراسة في ما وصفتها بـ”الإشكالات القانونية المرتبطة بمهنيي الصحة في المجموعات الصحية الترابية”، مفيدة بأن من أهمها “ما يسجل من تناقض بين مقتضيات الفصل الرابع من الظهير رقم 1.58.008 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي استثنى مهنيي الصحة من نطاقه، في حين أن القانون 09.22 المتعلق بالوظيفة الصحية 434 في مادته الأولى يتحدث عن الضمانات الأساسية الممنوحة فقط لمهنيي الصحة العاملين بالمجموعات الصحية الترابية”.
ونبّهت الوثيقة في هذا الجانب إلى أن ذلك “يطرح فراغا تشريعيا بالنسبة لغير العاملين بهذه المجموعات المنتمين إلى مهنيي الصحة”، فيما أكدت أن فراغا مماثلا كذلك “مطروح على مستوى وضعية الإلحاق أو النقل للموظفين العاملين بالمديريات الجهوية للصحة”.
وعلى مستوى التنزيل يرى الباحث أن “التخوف من المساس بالحقوق عند نقل الموظفين العموميين إلى موظفين أو مستخدمين تابعين لمؤسسات عمومية يبقى قائما، سواء على مستوى المس بالمكتسبات السابقة لهؤلاء الموظفين في سياق وضعيتهم الجديدة أو على مستوى الأجور”، موضحا أن “الكتلة الأجرية ستخضع للتقلبات المالية لهذه المؤسسة، بفعل ارتباطها بموارد أنشطتها، وهو ما سيؤثر على الاستقرار الوظيفي للعاملين فيها”.
كما وضعت الدراسة البحثية نفسها إشكالية “هجرة الأطباء والأطر الصحية الوطنية” التي تعمق “العجز الكمي والنوعي في الموارد البشرية”، ضمن التحديات التي تواجه المجموعات الصحية، مستحضرة التقارير التي تفيد بأن المغرب “بحاجة إلى 32 ألف طبيب إضافي، حسب المعايير الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، بالإضافة إلى 65 ألف مهني صحي”.
وفي ظل هذه التحديات اقترح الباحث، في ما يخص حكامة المجموعات الصحية الترابية، “تفعيل دور المجالس الإدارية في ممارسة مهامها المحددة قانونا، عوض الاقتصار على الإجراءات الشكلية، وعدم ترك صلاحياتها الإستراتيجية لفائدة الجهاز التنفيذي”.
كما أوصت الدراسة نفسها بـ”تجديد انتداب المدير العام، على أساس تقييم أدائه خلال ولايته المنتهية في جانب الاستقلال المالي للمجموعات الصحية الترابية”.