شهدت المناطق الحضرية بالمغرب خلال الأسبوعين الأولين من شهر رمضان الجاري “موجة مروعة” من حوادث السير أودت بحياة أكثر من 40 شخصًا، وتسببت في إصابة الآلاف بجروح متفاوتة الخطورة.
وفقًا لإحصائيات المديرية العامة للأمن الوطني، سُجلت 1868 حادثة سير خلال الأسبوع الأول (من 3 إلى 9 مارس)، أسفرت عن وفاة 15 شخصًا وإصابة 2461 آخرين، بينهم 87 حالة بليغة، بينما شهد الأسبوع الثاني (من 10 إلى 16 مارس) 1693 حادثة، أدت إلى وفاة 24 شخصًا وإصابة 2192 بجروح، منهم 77 حالة خطيرة.
هذه الأرقام الموصوفة بـ”المقلقة” تسلط الضوء على تفاقم ظاهرة حوادث السير خلال هذا الشهر، مما يطرح تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا الارتفاع الملحوظ.
وأوضح ناجي بوعلي، الكاتب الجهوي للنقابة الديمقراطية للنقل بجهة الشرق- قطاع سيارات الأجرة، أن تزايد الحوادث المميتة خلال شهر رمضان يعود إلى عوامل متعددة يعاني منها السائقون، أبرزها الإرهاق وقلة النوم.
وأبرز بوعلي، ضمن تصريح لهسبريس، أن التغيرات في نمط الحياة خلال هذا الشهر، مثل السهر، تجعل السائقين يقودون في ساعات مبكرة أو متأخرة دون نوم كافٍ، مما يقلل من تركيزهم ويزيد من مخاطر الحوادث، موازاة مع تفاقم السرعة المفرطة خلال رمضان، حيث يسعى العديد من السائقين للوصول إلى وجهاتهم مع موعد الإفطار.
وأضاف أن تغيير مواعيد العمل وحركة المرور “يلعبان دورًا كبيرًا في هذا التزايد”، حيث يشهد الشهر تغيرات ملحوظة في أوقات الخروج من العمل، مع ازدحام مروري كبير في فترة ما قبل الإفطار وفي المساء، موردا أن هذا الاستعجال “غالبًا ما يدفع السائقين إلى القيادة في ظروف غير آمنة”.
وسلّط السائق المهني ذاته الضوء أيضًا على تدهور حالة الطرق والمرافق كعامل مساهم في الحوادث، مشيرا إلى أن نقص الصيانة، الأشغال، أو تراكم المخلفات قد يزيد من المخاطر، خاصة في الليل أو في ساعات الرؤية المنخفضة، مؤكدا أن هذه العوامل المادية، إلى جانب العوامل البشرية مثل الإرهاق والاستعجال، تشكل بيئة مواتية لتكرار الحوادث.
ودعا بوعلي إلى “تعزيز التوعية بين السائقين من خلال حملات مكثفة خلال شهر رمضان، وفرض رقابة مرورية صارمة للحد من الحوادث”، منبّها إلى أهمية الاهتمام بصحة السائقين وسلامتهم.
من جانبه، اعتبر إلياس سليب، رئيس المرصد الوطني للسلامة الطرقية، أن مشكلة حوادث السير في رمضان “تتكرر كل عام دون تغيير في عقلية السائقين”، مفيدا بأن “الصيام ليس سببا مباشرا في هذه الحوادث، بل العوامل النفسية والبشرية”.
وأوضح سليب، في حديث لهسبريس، أن “السائقين غالبًا ما يتخيلون أن الصيام يؤثر على قدراتهم، مما يجعلهم أكثر عصبية وأقل تركيزا”، معتبرا أن السبب الأساسي لهذه الحوادث يكمن في “الاختناق المروري الذي يزداد خلال هذا الشهر”، حيث تشهد الشوارع ازدحاما كبيرا، خاصة في فترة ما بعد الزوال، حيث يتجه الناس إلى الأسواق للتبضع، مما يزيد من مخاطر الحوادث.
وأضاف أن الوضع يتفاقم بعد الأسبوعين الأولين من رمضان، إذ تبدأ الحركة المرورية بالتزايد ليلا، خاصة بعد اليوم الخامس عشر، مع فتح الأسواق لساعات متأخرة، شارحا أن هذه الفترة تشهد انخفاضا في الرؤية لدى السائقين بسبب القيادة الليلية، إلى جانب وجود الراجلين في وسط الشوارع القريبة من الأسواق، مما يرفع نسبة الحوادث بشكل كبير.
ونبّه رئيس المرصد الوطني للسلامة الطرقية بدوره إلى أن قلة النوم تجعل السائقين أكثر عصبية وأقل تركيزا، خاصة السائقين المهنيين الذين يقضون ساعات طويلة في مركباتهم، موردا أن السائق المهني، “على عكس السائق العادي الذي يمكنه الراحة بعد القيادة، يظل معرضا للخطر طوال فترة عمله، مما يتطلب منه أخذ قسط كافٍ من الراحة لضمان قيادة آمنة”، مشيرا في هذا السياق أيضا إلى عوامل أخرى تتعلق بتغذية وصحة السائقين، مؤكدا أن الأكل غير المتوازن أثناء السحور وانخفاض مستوى السكر في الدم لدى مرضى السكري الذين يصرون على الصيام، قد يؤثران على التركيز خلال النهار.