وسط تحديات كبرى ومستقبل غير واضح المعالم، يتجه حزب العدالة والتنمية، بقيادة أمينه العام عبد الإله بنكيران، لعقد مؤتمره الوطني في أبريل المقبل، عنوانه البارز “الانسحاب” و”التواري” غير الصريح للعديد من الأسماء والقيادات الوازنة في تاريخ الحزب ذي المرجعية الإسلامية.
ويواجه إخوان بنكيران في المؤتمر المنتظر مجموعة من التحديات “الصعبة”، على رأسها لم شتات الحزب ولملمة جراح الانقسام العميق الذي خلفته نتائج الحزب الكارثية في انتخابات 2021 التشريعية، التي هوت به إلى القاع بعدما تربع على القمة لولايتين حكوميتين متتاليتين.
كما أن الحزب يبقى مطالبا بمواجهة سؤال صعب يزداد صعوبة كلما اقترب موعد المؤتمر الوطني، يتمحور حول مدى قدرته على انتخاب اسم جديد يخلف بنكيران في قيادة سفينته خلال المرحلة المقبلة، أو سيظل مترددا وغير قادر على الإبحار في أمواج السياسة العاتية من دون زعيمه الذي لا يبدو أنه يرغب في التخلي عن كرسي الأمانة العامة في السنوات المقبلة، خاصة وأن الانتخابات باتت على مرمى حجر.
في تعليقه على الموضوع، يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد شقير أن المسار السياسي لحزب العدالة والتنمية “لا يكمن فقط في المرجعية الدينية والصيغة التي تم بها إدماجه في المشهد السياسي، بل في الفترة السياسية القصيرة التي سمحت بقيادته الحكومة في الوقت الذي سبقته أحزاب عريقة إلى النضال السياسي ولم تتمكن من ترؤسها إلا بعد سنوات عدة”.
وأضاف شقير، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الحزب الإسلامي ترأس الحكومة بسبب “ظرفية حراك سياسي إقليمي تمثل في تداعيات الربيع العربي لمدة عشر سنوات، فمني هذا الحزب بنكسة انتخابية ما زال إلى حد الآن لم يستفق منها”، مؤكدا أن هذه النكسة سهلت عودة بنكيران إلى المشهد السياسي بعدما تم إعفاؤه؛ إذ جرى انتخابه على رأس حزب جمد فيه العديد من قياديه عضويتهم أو ابتعدوا عنه بشكل قاطع.
وأفاد المتحدث بأن هذا الوضع جعل الحزب في أفق الاستحقاقات المقبلة يتردد بين “إعادة انتخاب بنكيران رغم كل المشاكل التي جرها عليه بسبب شعبويته وعدم احترامه لبعض الحدود الحمراء، بما فيها تهجمه الأخير على الرئيس الأمريكي، المعروف هو أيضا بشعبويته، والبحث عن شخصية قيادية جديدة”.
وزاد شقير موضحا أن هذا التردد يتمثل في أنه إلى حد الآن “لا توجد أي شخصية داخل الحزب عبرت عن رغبتها في منافسة بنكيران”، كما يبدو أن الحزب ما زال “لم يتخلص من نكسته الانتخابية وتاريخه المرتبط بشخصية بنكيران التي تغطي بشكل كبير على صورة الحزب وأنشطته، ومازال يفتقد القدرة على بلورة تصورات جديدة للتعامل مع مستجدات الوضع السياسي، والبحث عن طرق استرجاع مكونات الحياة الانتخابية التي كانت تتعاطف معه وتسانده”.
وشدد المحلل السياسي ذاته على أن نجاح حزب العدالة والتنمية يبدو صعبا، وحتى ولو نجح في ترميم بنياته التنظيمية وترشيح شخصية قيادية جديدة “لن يعود بالقوة نفسها التي كانت له في السابق، مقارنة بأحزاب كبرى كالتجمع الوطني للأحرار والاستقلال، وسيعاني من الوضع نفسه الذي عاشه الاتحاد الاشتراكي بفقدان الفئات المساندة له”.
وأشار شقير إلى أن عزف حزب “المصباح” على الوتر الديني مستقبلا “لن يفيده في استقطاب أصوات الفئات المحافظة أو المتدينة بعد تورط الحزب في التوقيع على اتفاقية أبراهام، وبعدما قبل بنكيران معاشه في الوقت الذي أشر على تقليص المعاشات المدنية وعلى إصلاح صندوق المقاصة بدون اتخاذ إجراءات تحتوي احتكار بيع المحروقات وتحرير أسعارها”.
من جهته، اعتبر عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، أن حزب العدالة والتنمية بعد رئاسة الحكومة في ولايتين ونتائج انتخابات 8 شتنبر، خرج “منهك القوى وبأسئلة مصيرية حول جدوى المشاركة السياسية والعمل الحزبي، وأيضاً مدى القدرة على إعادة استجماع قوى الحزب وإعادته مرة أخرى إلى واجهة العمل السياسي بالمغرب”.
وأضاف اليونسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن جواب ما تبقى من قيادة الحزب عن هذه الأسئلة كان في شقين؛ “الأول تنظيمي، وهو إعادة انتخاب الأستاذ بنكيران أمينا عاما للحزب ومحاولة بنائه مجاليا، والشق الثاني تصوري، هو الذي كان بمناسبة الإعداد للمؤتمر من خلال إعادة النظر في الأوراق التصورية”.
وزاد أستاذ العلوم السياسية موضحا أن مسألة استمرار بنكيران في قيادة الحزب “سيقرّرها المؤتمر الوطني المقبل على الرغم من أن البعض يحاول أن يقدمه بأنه مشكلة لإجراء تسوية مع أطراف في الدولة. وفي اعتقادي، فالمؤتمر المقبل بالنسبة للحزب فرصة لتثبيت فكرة استقلالية القرار الحزبي من عدمه”.
وبخصوص مسألة عودة الحزب، يرى المتحدث لهسبريس أنها تتطلب تمييزا بين السياسي والانتخابي، إذ سمحت وضعية الحزب الجديدة ببروز قيادات سياسية جديدة من موقع المعارضة، وبالتالي “الحزب حاضر في قضايا اقتصادية واجتماعية شائكة ويمكن القول إنه بدأ استعادة حيويته السياسية، لكن ليس بالشكل الذي كان عليه الأمر ما قبل 2016”.
أما انتخابياً، فسجل اليونسي أن الحزب “لن يكون منافسا على تصدر المشهد الانتخابي في ظل وجود منظومة انتخابية غير تنافسية، إضافة إلى انعدام الإمكانيات المالية الكافية لتدبير مختلف مراحل العملية الانتخابية، فضلا عن أن الحزب مازال منهكا على المستوى المجالي، وهي مؤشرات وعوامل تحد من تنافسيته”.