دعا الدكتور سعد الدين العثماني، الطبيب النفسي ورئيس الحكومة السابق، إلى ضرورة دمج الحكمة القرآنية مع الأساليب العلاجية الحديثة في معالجة الأمراض النفسية وتعزيز الصحة النفسية.
وشدد العثماني على أهمية تحقيق التوازن بين العلاج النفسي المستند إلى الأساليب العلمية الحديثة، وبين الاستفادة من القيم الروحية التي يوفرها الدين الإسلامي، مستشهداً بالآية الكريمة: “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”، التي توجب الرجوع إلى المتخصصين في أي مجال بما في ذلك الطب النفسي.
وأضاف خلال كلمته التي ألقاها اليوم الأحد في لقاء تواصلي نظمه المجلس العلمي الأعلى بمقره، لمناقشة مشروع خطة “تسديد التبليغ”، بحضور نخبة من العلماء والخبراء في مجال التنمية، أن التطور الكبير الذي شهده الطب النفسي في العقود الأخيرة، جعل من الضروري الاستفادة من مختلف المكونات المعرفية، بما فيها الجوانب الروحية والدينية.
وتطرق العثماني في كلمته إلى أن الصحة النفسية لا تقتصر على غياب الأمراض النفسية، بل تشمل ثلاثة مستويات رئيسية: الصحة النفسية الإيجابية، المشاكل النفسية العابرة، والاضطرابات النفسية المزمنة. وأوضح أن كل مستوى من هذه المستويات يتطلب مقاربة خاصة، مشيراً إلى أن القرآن الكريم يقدم إرشادات تساعد في التعامل مع كل منها.
ففيما يخص الصحة النفسية الإيجابية، أوضح أن الإيمان والتدين يعززان الشعور بالرضا والطمأنينة، مستشهداً بالآية الكريمة: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”، مضيفا أن الالتزام بالقيم الإسلامية مثل الصبر، والشكر، والتسامح، والتعاون، يعزز الشعور بالسعادة النفسية والاستقرار الداخلي.
أما فيما يتعلق بالمشاكل النفسية الناتجة عن ضغوط الحياة مثل القلق والتوتر، فقد أكد على أن اللجوء إلى القرآن الكريم، والتوكل على الله، والاستعانة بالصبر والصلاة، يمكن أن تكون عوامل مساعدة في التخفيف من هذه الضغوط، مستشهدا بقوله تعالى، “يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين”.
وفيما يخص الاضطرابات النفسية، شدد على ضرورة اتباع العلاجات الطبية المتخصصة، وعدم إهمال الحاجة إلى التدخل الطبي والعلاجي عند الضرورة، مشيرا إلى أن الإسلام يشجع على التداوي، مؤكداً أن التدين الصحيح لا يتعارض مع تلقي العلاج النفسي، بل “قد يكون داعماً له، وهو ما تؤكده بعض الدراسات التي تفيد بأن المرضى المتدينين يتمتعون بصبر أعلى وقدرة أفضل على مواجهة المرض”.
وسلط العثماني الضوء على الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه العلماء والوعاظ والمرشدون في تعزيز الصحة النفسية للمجتمع، من خلال نشر تعاليم الإسلام التي تحث على التوازن والاعتدال في الحياة، وتقديم الإرشادات الدينية التي تدعم الصحة النفسية، موضحا أن القرآن الكريم يشجع على الحفاظ على علاقات اجتماعية سليمة، وهو ما تؤكد عليه أيضاً الدراسات النفسية الحديثة التي ترى أن الدعم الاجتماعي يلعب دوراً حاسماً في تعزيز الصحة النفسية.
وتطرق إلى ضرورة تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة حول المرض النفسي، مثل الاعتقاد بأن التدين يحمي بشكل مطلق من الإصابة بالأمراض النفسية.، مؤكدا أن المرض النفسي، شأنه شأن المرض العضوي، قد يصيب أي شخص، بغض النظر عن درجة تدينه.
واستشهد بالحديث النبوي، “ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه”، مؤكداً أن الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية هي جزء من الابتلاءات التي قد يتعرض لها الإنسان.
وأكد على أن التكامل بين التوجيهات القرآنية والمقاربات العلمية الحديثة هو مفتاح تحسين الصحة النفسية للمجتمع، داعياً إلى تعزيز البحث العلمي في هذا المجال، والعمل على تطوير أساليب علاجية تراعي الخصوصيات الثقافية والدينية للمجتمعات الإسلامية.