يستمر الوضع الاجتماعي في المغرب في التأرجح بين التحديات الكبرى التي يفرضها ارتفاع معدلات البطالة وبين الجهود الحكومية المبذولة لتحسين سوق العمل وتعزيز فرص التشغيل. ففي سنة 2024، شكلت أرقام التقارير الرسمية الوطنية والدولية ذات الصلة بالشؤون الاجتماعية، لا سيما البطالة والفقر والصحة، نقاط جدل بين الحكومة من جهة، وبين مؤسسات الحكامة والمعارضة من جهة ثانية.
وفي محاولة لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة، تبنت الحكومة المغربية مجموعة من الإجراءات والخطط الهادفة إلى تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وتوفير فرص عمل جديدة. وقد شهد عام 2024 إطلاق العديد من المبادرات والبرامج التي تهدف إلى دعم الفئات الهشة وتنشيط الاقتصاد. ومع ذلك، يبقى تقييم مدى نجاح هذه الإجراءات وتأثيرها على الواقع المعيشي للمواطنين موضوع نقاش واسع.
الفقر والبطالة
وفقاً لمعطيات المندوبية السامية للتخطيط، ارتفع معدل البطالة في المغرب من 16.2% في عام 2014 إلى 21.3% في عام 2024، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل 1.683 مليون شخص خلال الربع الثالث من هذا العام، بزيادة قدرها 58 ألف عاطل مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. فيما تشير إحصائيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أن الشباب المغربي بين 15 و24 عاماً هم الأكثر تضرراً، حيث يعاني 50% منهم من البطالة، بينما يعيش 1.5 مليون شاب في ظروف NEET (غير مندمجين في التعليم أو العمل أو التدريب).
أما تقرير البنك الدولي بعنوان “المغرب في أفق 2040″، فقد أوضح أن البطالة ترتبط بالتحول البطيء للنسيج الإنتاجي، ما يؤدي إلى بطالة حتى بين الشباب ذوي المؤهلات العالية، مؤكداً ضرورة تسريع التحولات الاقتصادية لاستيعاب القوى العاملة.
رغم ذلك، سجل الاقتصاد الوطني، وفق المندوبية السامية للتخطيط، تحسناً في بعض الجوانب، إذ تم خلق 200 ألف فرصة عمل جديدة خلال الربع الثالث من عام 2024، معظمها في قطاع الخدمات. إضافة إلى تحسن ظروف السكن مع ارتفاع نسبة الأسر القاطنة في مساكن عصرية وتراجع نسبة السكن في دور الصفيح. لمواجهة هذه التحديات، أعلنت الحكومة عن خطة بقيمة 14 مليار درهم تشمل تعزيز دعم المقاولات، توسيع برنامج التدرج المهني لتشغيل 100 ألف شاب بحلول 2025، وبرنامج لتثبيت التشغيل في المناطق الريفية.
فيما شهد عدد الفقراء على المستوى الوطني ارتفاعاً سنوياً متوسطاً قدره 33.7%، حيث ارتفع من 623 ألفاً في سنة 2019 إلى 1.42 مليون في سنة 2022، حسب تقرير للمندوبية السامية للتخطيط. كما عرف إجمالي عدد الفقراء بالوسط الحضري ارتفاعاً كبيراً، حيث انتقل من 109 آلاف شخص في سنة 2019 إلى 512 ألف شخص في سنة 2022، في حين انتقل هذا العدد بالوسط القروي من 513 ألف شخص في سنة 2019 إلى 906 آلاف شخص في سنة 2022، أي بزيادة سنوية قدرها 22.2%.
وأظهرت الوثيقة المعنونة “تطور مستوى معيشة السكان على ضوء نتائج البحث الوطنية حول مستوى معيشة الأسر لسنة 2022″، أن خمس جهات سجلت معدل فقر أعلى من المعدل الوطني (3.9%). ويتعلق الأمر أولاً بجهة فاس مكناس (9%)، تليها “كلميم واد نون” (7.6%)، و”بني ملال خنيفرة” (6.6%)، و”درعة تافيلالت” (4.9%)، و”الجهة الشرقية” (4.2%).
ورغم ذلك، فقد أقر البنك الدولي بأن نصيب الفرد من الاستهلاك بالكاد عاد إلى مستواه ما قبل الجائحة، بسبب الأثر التراكمي للصدمات الأخيرة على الرفاهة، مشيراً إلى أن برنامج الدعم الاجتماعي المباشر الذي تنفذه الحكومة المغربية يقدم تخفيفاً مهماً للأسر الأكثر فقراً. وأضاف البنك أن الاقتصاد المغربي أظهر قدرة على الصمود في مواجهة التحديات المختلفة، بما في ذلك تباطؤ الاقتصاد العالمي، وصدمة التضخم، وزلزال الحوز. موضحاً أنه رغم هذه العقبات، تسارعت وتيرة النمو الاقتصادي، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.4% في عام 2023.
وسجل البنك الدولي في تقريره حول رصد الوضع الاقتصادي بالمغرب أن المحفزات الرئيسية لهذا التسارع تشمل انتعاش قطاع السياحة، والصناعات التحويلية الموجهة نحو التصدير، مثل السيارات والطيران، بالإضافة إلى انتعاش الاستهلاك الخاص. واصفاً أداء المغرب الخارجي بأنه “رائع”، مشيراً إلى أن الإعلانات عن الاستثمار الأجنبي المباشر قد تتيح فرصاً إنمائية كبيرة للبلاد، موضحاً أن مؤشرات مخاطر الدولة تقدم دليلاً إضافياً على الثقة التي يبثها المغرب على الصعيد الدولي.
تحسين الدخل
في أبريل 2024، وقعت الحكومة مع المركزيات النقابية اتفاقاً يتضمن خطوات رئيسية تهدف إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعمال في القطاعين العام والخاص. وفقاً لما ورد في هذا الاتفاق، فقد أقر زيادة عامة في الأجور لموظفي القطاع العام والجماعات المحلية والمؤسسات العامة الذين لم يستفيدوا بعد من زيادة الأجور، حيث سيتم صرف مبلغ شهري صافٍ قدره 1000 درهم عبر قسطين متساويين، الأول بدءاً من فاتح يوليو 2024، والثاني اعتباراً من فاتح يوليو 2025.
وفي القطاع الخاص، تم الاتفاق على زيادة الحد الأدنى القانوني للأجر في الأنشطة غير الفلاحية (SMIG) بنسبة 10%، وذلك على دفعتين: 5% بداية من فاتح يناير 2025، و5% اعتباراً من فاتح يناير 2026. أما بالنسبة للأنشطة الفلاحية (SMAG)، فقد تم أيضاً الاتفاق على زيادة بنسبة 10% سيتم تطبيقها على دفعتين: 5% اعتباراً من فاتح أبريل 2025 و5% بداية من فاتح أبريل 2026.
علاوة على ذلك، نص الاتفاق على مراجعة نظام الضريبة على الدخل بدءاً من فاتح يناير 2025، بهدف تعزيز دخل الطبقة المتوسطة من خلال رفع الشريحة الأولى للحد الأدنى المعفى من الضريبة من 30 ألف إلى 40 ألف درهم، مما يعني إعفاء دخول الأفراد الذين يقل دخلهم الشهري عن 6000 درهم. بالإضافة إلى ذلك، تشمل المراجعة توسيع باقي الشرائح في الجدول الضريبي بهدف تقليص العبء الضريبي على الطبقة المتوسطة، مما يسمح لها بتخفيض الضرائب بنحو 50% من المستوى الحالي.
وقد بلغت كلفة الحوار الاجتماعي الذي أقرته الحكومة مع الفرقاء النقابيين إلى حدود أكتوبر الماضي، في أفق الانتهاء من تنفيذ مختلف التزاماتها، 45 مليار درهم، أي ما يعادل 4500 مليار سنتيم، وفق ما صرح به مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة.
الصحة والتعليم
وعلى مستوى الحوارات القطاعية، وقعت الحكومة في يوليو 2024 اتفاقاً مع التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة، بعدما وجه وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد آيت الطالب، دعوة مستعجلة للكتاب الوطنيين للتنسيق النقابي لحضور اجتماع يوم بمقر الوزارة.
أبرز ما جاء في هذا الاتفاق هو تأكيد الحفاظ على صفة الموظف العمومي لمهنيي الصحة. حيث نص مشروع المرسوم الخاص بالنظام الأساسي النموذجي لمهنيي الصحة على استمرار خضوعهم للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، ما يضمن لهم كافة الضمانات والحقوق الأساسية. وتشمل هذه الضمانات استمرارية صرف أجور مهنيي الصحة من الميزانية العامة للدولة، مع تخصيص مناصب مالية دائمة لهم.
ومن الجانب المالي، تم الاتفاق على زيادة شهرية قدرها 500 درهم صافية لفائدة الأطر التمريضية و200 درهم صافية لفائدة الأطر الإدارية والتقنية. وستتم إضافة هذه الزيادة ضمن خانة التعويض عن الأخطار المهنية، وذلك ضمن مسودة مرسوم قيد الإعداد. كما تم الاتفاق على تحسين شروط الترقي لتسريع وتسهيل عملية الترقية في مختلف فئات مهنيي الصحة.
وبالنسبة لقطاع التعليم، وتفعيلاً لما تم الاتفاق عليه في الحوار القطاعي في دجنبر 2023، أعلنت الحكومة المغربية أن الزيادة المقررة في أجور نساء ورجال التعليم والبالغة 750 درهم شهرياً (الشطر الأول)، سيتم صرفها تزامناً مع صرف أجور شهر أبريل الجاري، وذلك بأثر رجعي ابتداء من شهر يناير 2024.