عاد مشروع مدارس الريادة ليطفو إلى ساحة النقاش بين الفاعلين التربويين من جديد، بعدما اشتكى جُزء من هؤلاء ومعهم ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أخيرا، من تضمن دليل إطار لتكوين الأساتذة المؤطرين في السينما ضمن إعداديات الريادة نُصوصا “تتضمن مُناقشة مشاهد وصُور مُفسدة للأخلاق والقيم، ولا تمت بأي صلة للارتقاء بالحس الفني الذي تقول الوزارة إنها تصبو إليه من خلال عرض سلسلة من الأفلام على المستفيدين من مشروع إعدادية الريادة”.
ويعتبر هؤلاء أن هذه المضامين الواردة في دليل “المنشط للفنون السمعية والبصرية” “لا تتناسب مع التلاميذ الذين يدرسون بالسلك الإعدادي الذين يعدون ضمن القاصرين، وبالدرجة الثانية تنتهك حرمة الفضاء التربوي وتتناقض مع الميثاق الخاص بالمؤسسة وميثاق التلميذ”، لافتين إلى أنه “بالتزامن يقول أساتذة إنه جرى خلال فترة خُضوعهم للدورات التدريبية ضمن مشروع مدارس الريادة عرض أفلام تجارية تضم مشاهد مائعة ومُنافية للأخلاق والقيم على تلاميذ مؤسسات التعليم العالي بالإعدادي؛ ما قد ينذر بخلق توترات مع هؤلاء الأساتذة في حال عبروا عن رفضهم الأمر”.
وفي المقابل يقول خُبراء تربويون آخرون إن “الأمر يتعلّق ربما بهفوة من لدن وزارة التربية الوطنية خلال مُصادقة لجان وزارة التربية الوطنية على الدليل المذكور، لأن التجربة بيّنت أن هذه اللجان تُخضع عادة كل برنامج أو منهاج دارسي لعملية فحص دقيقية لمدى ملاءمته للمبادئ والقيم الدينية والوطنية وحُقوق الإنسان”، لافتين إلى أن “اليقظة على هذا المستوى واجبة، حتى لا يفشل مشروع إعداديات الريادة الذي مازال في مرحلته التجريبيبة في نهاية المطاف”.
وحاولت جريدة هسبريس الإلكترونية ربط الاتصال بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، من أجل الحصول على توضيحات منها حول هذا الموضوع، إلا أنه لم يتسن لها ذلك.
خالد الصمدي، خبير تربوي كاتب الدولة للتعليم العالي سابقا، سجّل بدايةُ أن “مسؤولية تضمن العدة التكوينية هذه المضامين المخلة والمنافية للأخلاق يتحملها الوزير السابق، شكيب بن موسي، لأنه في نهاية المطاف من جاء بمشروع مدارس الريادة”، مردفا بأنه “من غير المعلوم ما إذا كان الوزير الجديد سيتراجع عن هذا المشروع أم سيستمر فيه”، ومضيفا: “للأسف صادقت على هذه العدة لجان البرامج والمناهج التابعة لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة”.
وأضاف الصمدي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الوزارة الوصيّة تُبرر توجهها نحو عرض الأفلام على تلاميذ المؤسسات الإعدادية، في إطار برناماج ‘تعليم الفنون في المدارس الحكومية’، بتنمية الحس الفني والنقدي لدى هؤلاء، وهو ما يبدو جميلا، بل مطلوبا؛ غير أن الإشكال أن طبيعة الأفلام المشار إليها في العدة التكوينية، التي طُلب من أساتذة مدراس الريادة خلال فترة تدريبهم عرضها، لا تخدم هذا الغرض بتاتا”.
وعدّ الخبير التربوي عينه أن “مضامين العدة والأفلام، من مشاهد قبل وغيرها من المشاهد المائعة والخليعة، هي بالدرجة الأولى لا تتناسب مع التلاميذ الذين يدرسون بالسلك الإعدادي، الذين يعدون ضمن القاصرين، وبالدرجة الثانية تنتهك حرمة الفضاء التربوي وتتناقض مع الميثاق الخاص بالمؤسسة وميثاق التلميذ، وكذا ما يتم تلقينه لهؤلاء التلاميذ من قيم وأخلاق بمادتي التربية الإسلامية والاجتماعيات”، وفقه.
وأشار كاتب الدولة للتعليم العالي سابقاً إلى أن “كُثرا من الأساتذة الذين عبّروا عن رفضهم الانخراط في تدريس هذه المضامين تتم مُواجهتم بكونهم يفتقرون إلى الذوق الفني، ما قد يؤدي إلى توترات بينهم وبين الوزارة الوصيّة”، موردا أن “الأمر يحتاج بالفعل تحركا من قبل اللجان الدائمة للبرامج والمناهج المخولة لها بموجب القانون الإطار صلاحية مُراقبة وإقرار المناهج، وكذا جمعيات آباء وأمهات التلاميذ، من أجل صون مبادئهم وأخلاقهم وضمان تشربهم رسائل المؤسسات التربوية”.
جمال شفيق، خبير تربوي ومُفتش تربوي مركزي سابق، سجّل بدايةً أن “دليل التكوين الذي نحن بصدده ربما هو حالة استثنائية، إذ لم يتم التركيز بشكل كبير على المُحتويات المُتضمنة داخله خلال مُصادقة لجان وزارة التربية الوطنية عليه؛ لأن هذه اللجان في الحالة العادية لا تُصادق على البرامج والمناهج التربوية إلا بعد فحص دقيق لمدى احترامها الأخلاق العامة والقيم الإسلامية والوطنية وحُقوق الإنسان”.
وأوضح شفيق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذا الدليل يندرج ضمن العدة التكوينية التجريبية لإعداديات الريادة التي انطلق العمل بها هذا الموسم الدراسي”، وزاد: “مبدئيا تخضع هذه العدة لمراقبة وتقييم دائمين من قبل اللجان سالفة الذكر، إلا أنه يجب رفع منسوب اليقظة، وتشديد الرقابة، لأجل تفادي تضمن مواردها البيداغوجية أي إساءة للأخلاق والقيم المغربية؛ يُمكن أن تؤثر سلبا على مشروع إعداديات الريادة برمته”.
وتابع المتحدث ذاته بأنه “في حال ثبت أن العدة التكوينية التجريبية تتضمن عرض مضامين أو أفلام مسيئة أو مُنافية للأخلاق والآداب فالأمر سيستوجب وقفة تقييمية لتصحيحها، وأي مورد بيداغوجي ضمنها قابل للتعديل والتطوير في نهاية المطاف”، لافتاً إلى أنه “في انتظار ذلك فإن المُفتشين يخول لهم القانون صلاحية مراسلة الوزارة وإخبار معدي العدة التكوينية بكون بعض النصوص أو الأفلام مُسيئة أو تُخل بالقيم، مع اقتراح التعديلات المُناسبة عليها”.
وشدد الخبير تربوي والمُفتش التربوي المركزي السابق على أن “أي مورد بيداغوجي يمثل إطارا للتكوين يجب أن يخضع لرقابة وفحص مديرية التكوين بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة؛ على أن تستشير مديرية المناهج في مدى مُطابقة هذا المورد للدلائل المرجعية للكتب والمقررات الدراسية المعدة من قبل هذه المديرية”.