أشاد العديد من المراقبين بموقف الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون الذي أكد فيه من قلب البرلمان المغربي، دعم فرنسا لمغربية الصحراء، معتبرين أن هذا التصريح يمثل تحولًا إيجابيًا في السياسة الفرنسية تجاه المغرب.
واعتبر بعض المتتبعين أن هذا الدعم يساهم في تعزيز استقرار المنطقة، ويعكس فهمًا أفضل لخصوصيات النزاع.
ويرى محللون، أن خطاب ماكرون أمام البرلمان المغربي، يعكس رغبة فرنسا في تجاوز الخصومات السياسية مع المغرب، وخاصة بعد الأزمات التي نشأت عن مواقف بعض النواب الفرنسيين.
وأشاروا إلى أن دعوته إلى الحوار المباشر بين البرلمانين يُظهر نية حقيقية لإعادة بناء العلاقات.
السيادة المغربية
وأكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في خطاب ألقاه اليوم الثلاثاء أمام مجلسي البرلمان، أن حاضر ومستقبل أراضي الصحراء يندرجان تحت سيادة المغرب، مشددًا على أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الإطار الأنسب لحل النزاع القائم.
وأضاف ماكرون أن موقف فرنسا لا يعكس عداءً تجاه أي طرف، بل يدعو إلى التعاون في المنطقة، معبرًا عن نية بلاده في دعم المغرب في المحافل الدولية.
وأشار إلى أهمية تعزيز الاستثمارات الفرنسية في الأقاليم الجنوبية المغربية، موضحًا أن العديد من الشركات الفرنسية ستساهم في تطوير هذه المناطق من خلال مبادرات مستدامة.
كما أعرب ماكرون عن اعتقاده بأن هذه الوضعية تفتح آفاق جديدة للتعاون بين المغرب وفرنسا، فضلاً عن تعزيز الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي والدول المجاورة.
وأشاد بجهود المغرب في تعزيز الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل والصحراء، معتبرًا إياه نموذجًا رائدًا في بناء علاقات تعاون مثمرة.
ويرى المحلل السياسي ومدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية عبدالفتاح الفاتيحي، أن خطاب ماكرون أمام مجلسي البرلمان، يمثل خطوة هامة في السعي لتجاوز الخصومة السياسية القائمة بين الجانبين.
وأوضح الفاتيحي، في تصريح لجريدة “العمق”، أن العديد من النواب الفرنسيين أساؤوا لعلاقات المغرب مع برلمان الاتحاد الأوروبي، حيث دفعوا في اتجاه استصدار قرارات ضد المغرب عبر ادعاءات تتعلق بالرشاوى، بالإضافة إلى انتقادات لحرية الرأي والتعبير في الإعلام المغربي.
تجاوز التوترات
وأشار الفاتيحي، إلى أن صناع القرار السياسي في فرنسا يدركون أن تجاوز هذه التوترات لا يمكن أن يتحقق دون حوار مباشر بين المؤسستين البرلمانيتين.
وشدد على أن اتهامات بعض النواب الفرنسيين للمغرب باستخدام تقنيات التجسس الإسرائيلية مثل “بيغاسوس” تثير مزيدا من القلق حول العلاقات الثنائية.
وسلط الفاتيحي، الضوء على موقف فرنسا من قضية الصحراء، مشيرا إلى أنها ظلت ملتزمة بالمنطقة الرمادية، حتى بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، مما أدى إلى انتقادات كبيرة على الصعيدين الإعلامي والشعبي.
ولفت إلى أن الضغوط الفرنسية على المغاربة الراغبين في الحصول على تأشيرات دخول إلى فرنسا، زادت من الاحتقان الشعبي ضد كل ما هو فرنسي.
واعتبر الفاتيحي، أن ماكرون يدرك تكاليف سياساته على صورة فرنسا، ولذلك اختار البرلمان كمكان للاعتذار عن الأخطاء السابقة، مع التأكيد على دعم فرنسا القوي لمغربية الصحراء، حيث تعتبر هذه القضية جزءًا مقدسًا في الضمير الجمعي للمغاربة.
صداقة فرنسا
وفي سياق متصل، ذكر الفاتيحي أن ماكرون، الذي وصف الجزائر بأنها “أرض خلاء بلا مؤسسات”، يؤكد من داخل البرلمان المغربي على صداقة فرنسا للمغرب كدولة ذات تاريخ عريق، مما يعكس رغبة فرنسا في إعادة بناء علاقاتها مع المملكة في ظل الظروف الحالية.
ويرى الخبير في العلاقات الدولية، صبري لحو، أن اختيار ماكرون البرلمان المغربي للتعبير عن الموقف الرسمي لفرنسا تجاه المغرب يحمل دلالات عميقة واستثنائية.
وأوضح أن هذا الاختيار يُعبر عن قناعة فرنسا الراسخة بمغربية الصحراء والتزامها بمواكبة المغرب على الصعيدين الدولي والإقليمي من أجل إيجاد حل ضمن إطار سيادته.
وأشار لحو في تصريح لجريدة “العمق” إلى أن البرلمان، باعتباره ممثلًا للسلطة التشريعية، يشهد على أن القرار الفرنسي نهائي ولا يحتمل التعقيب. وأوضح أن ماكرون اختار هذه المنصة، نظرًا لعدم قدرته على مخاطبة الشعب المغربي مباشرة، لانه اختصاص حصري للملك.
وأكد الخبير في شؤون ملف الصحراء، أن هذا القرار يمثل التزام فرنسا بالسعي جنبًا إلى جنب مع المغرب لإيجاد حل للنزاع، ويعكس إيمان فرنسا بمستقبل التعاون مع المملكة.