في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
الدوحة- بين واقع مليء بالتحديات والعقبات، ورؤى تستشرف آمال المستقبل، استعرض خبراء ومسؤولون سوريون ودوليون الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في سوريا بعد 14 عاما من الحرب والمعاناة.
وفي جلسة بعنوان "توقعات سوريا للمستقبل: التعامل مع حقائق ما بعد انتهاء النزاع" ناقش منتدى الدوحة في قطر أبرز القضايا والأزمات التي تواجه سوريا اليوم، على خلفية تداعيات الحرب والظروف القاسية التي انعكست سلبا على مؤسسات الدولة، بالتزامن مع استطلاعات للرأي تبرز ثقة المواطن السوري في الرئيس والحكومة الجديدة.
تحدث مدير مؤسسة "الباروميتر العربي" مايكل روبنز، عن استطلاع رأي أجري لأول مرة في سوريا منذ 2011، وذلك لاستطلاع الآراء حول مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وقال "قمنا بإجراء الاستطلاعات وجها لوجه ومن باب إلى باب، وحرصنا على توفير الخصوصية للمستجيبين، وذهبنا للمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في سوريا، بمزيج من المناطق الريفية والحضرية، وقسمناها بطريقة تضمن تمثيلا علميا لكل السكان، بحيث يمكن القول إن النتائج تعكس آراء السوريين بهامش خطأ 3%"، موضحا أن الاستطلاع شمل السوريين المقيمين في منازلهم، وكذلك السوريين في المخيمات المعترف بها.
وكان من أهم النتائج تدهور الوضع الاقتصادي بشكل عميق، حيث إن 6% فقط قالوا إنهم قادرون على تلبية احتياجاتهم الأساسية، في حين أن 73% قالوا إن الطعام نفد منهم خلال 30 يوما الأخيرة قبل أن يتمكنوا من شراء المزيد، حيث أصبح التضخم والفقر والبطالة هي أبرز التحديات أمام السوريين اليوم.
وعلى الصعيد الاجتماعي، قال روبنز إن "78% أكدوا أن التعصب والانقسام المجتمعي يمثلان مشكلة حقيقية، وهناك إدراك واسع لأهمية العدالة الانتقالية ، ومراجعة ما حدث خلال السنوات الماضية من أجل توحيد البلاد".
وأضاف أن السوريين أظهروا رغبة واضحة في الديمقراطية والتمثيل الشامل، حيث إن الناس يثقون بالحكومة الحالية ويعتبرونها أكثر استجابة، لكنهم يرون الحاجة إلى بناء مؤسسات تضمن استمرار ذلك مستقبلا.
وفيما يتعلق بالدعم الخارجي، أوضح أن السوريين منفتحون جدا على المساعدة الدولية، مضيفا أنه "لدى السوريين آراء إيجابية تجاه دول مثل قطر والسعودية وتركيا و الاتحاد الأوروبي ، ويرون أن هناك فرصة لتعاون دولي واسع لمساعدتهم في الانتقال".
من ناحيتها، قالت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية هند قبوات، إن "ما نراه في الاستطلاع هو واقع سوريا اليوم، وعندما استلمت المسؤولية كنت أعلم أن الوضع صعب، لكن كان أسوأ مما توقعت، فالفساد والحرب وغيرها من العوامل أوصلت البلاد إلى هذا الوضع".
وأوضحت قبوات أن الحكومة بدأت برنامج تحويلات نقدية يستهدف 5 ملايين من أكثر الفئات ضعفا، كما تم إنشاء منصات للتوظيف وبرامج للتدريب المهني لتهيئة المواطنين لسوق العمل، ويتم الآن العمل على إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية عبر لجنة حكومية تضم عدة وزارات، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني.
وأكدت أنه لا يمكن تحقيق أي تقدم دون تماسك اجتماعي، مشددة على أن الحوار بين الحكومة والمجتمع المدني أساسي، وأن المجتمع المدني اليوم يلعب دورا كبيرا.
وتحدث مايكل روبنز عن النتائج المتعلقة بالحكم والديمقراطية والثقة، قائلا إن "أبرز ما لفت نظرنا هو وجود درجة ملحوظة من التفاؤل، حيث إن 80% يثقون بالرئيس، و70% يثقون بالحكومة، مشيرا إلى وجود تفاوت كبير بين المحافظات السورية؛ فالمعارضة تبدو أكبر في اللاذقية و طرطوس و السويداء ، حيث تنخفض نسب الثقة إلى الثلاثينات".
وأوضح أنه رغم الاختلافات، فإن هناك مشتركات واسعة، فالأغلبية ترى أن "الانتقال السياسي يسير بشكل جيد، لكن نجاحه مرهون بمعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية العميقة".
وعطفا على ما أظهره الاستطلاع، عادت وزيرة الشؤون الاجتماعية السورية لتؤكد أن "الثقة مسؤولية، ويجب أن نثبت للسوريين أننا خدام لهم ولسنا قادة فوقهم، ونحتاج إلى الشفافية والمساءلة والإنصات، ونعمل على تغيير القوانين من خلال مشاركة الناس وليس عبر لجان مغلقة، وعندما يشعر المواطنون بملكية القرار، سنبني مستقبلا جديدا".
من جانبه أكد رئيس هيئة التخطيط والإحصاء السورية أنس سليم أن "نتائج الاستطلاع بشأن عدم المساواة ليست مفاجئة، فالحرب دمرت البنية الاقتصادية وأضعفت القدرة الإنتاجية في عدة مناطق، وهو ما خلق فجوات كبيرة بين المحافظات وبين الريف والمدينة".
وقال للجزيرة نت إن الحكومة تعمل الآن على إستراتيجية تنمية متوازنة، تقوم على 3 ركائز وهي:
وأوضح أنه تم العمل خلال الفترة الماضية على توفير إحصاءات وبيانات دقيقة، تسهم في وضع رؤية واضحة أمام الحكومة للتعامل بدقة مع مشكلات الواقع السوري، مشيرا إلى أنه تم إعطاء أولوية لإصلاح النظام الضريبي ليكون أكثر عدالة، بما يقلل من الفجوة بين الفئات الاجتماعية.
من ناحيته، أكد طارق تلاحمة رئيس مكتب دمشق للمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، أن الأمم المتحدة تعتبر أن سوريا دخلت في مرحلة جديدة فعلا، لكنها لا تزال بحاجة إلى خطوات كبيرة لترسيخ الثقة بين السوريين.
ووضح أن هناك 3 عناصر أساسية يرون أنها ضرورية لنجاح المرحلة الانتقالية، تتمثل في:
وأوضح أن الأمم المتحدة تشجّع الحكومة على مواصلة الحوار مع المجتمع المدني، وعلى العمل مع كل الشركاء لضمان أن الانتخابات المقبلة تكون جامعة وتمثل كل السوريين، معربا عن تقديره للشركاء الدوليين الذين يدعمون العملية السياسية عبر الدبلوماسية والتمويل والمساندة الفنية.
وفي ختام الجلسة أكد المجتمعون على أن سوريا تقف على عتبة مرحلة جديدة، مليئة بالأمل، لكنها أيضا مليئة بالتحديات، مشيرين إلى أن التقدم ممكن -كما تظهر الأرقام- لكن الطريق طويل، ويتطلب إصلاحات اقتصادية وهيكلية، فضلا عن حوار سياسي جامع، وعدالة انتقالية حقيقية، وشراكات دولية مسؤولة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة