آخر الأخبار

أسماء أطفال غزة الشهداء تقرأ في سراييفو

شارك

سراييفو – في كل مساء ثلاثاء، تتردد أصداء أسماء أطفال غزة الشهداء في أكثر شوارع المدينة ازدحاما بالمشاة، في قلب سراييفو النابض، بجوار الشعلة الخالدة التي ترمز إلى مناهضة الفاشية.

"نورا وليد عبد السلام شاهين (صفر عام)… مريم نور الدين وائل دعبان (صفر عام)… فاطمة لؤي رفيق السلطان (صفر عام)… وطن محمد عبد الرحيم المدهون (صفر عام)… ضياء أحمد عبد العاطي صالح موسى (صفر عام)… سارة عبد الرحمن محمد حمد (صفر عام)…".

اسم تلو اسم، وساعة تلو ساعة، وأسبوع تلو أسبوع، وشهر تلو شهر… عامان… 8 عقود… من المواليد الجدد إلى أولئك الذين لم يعيشوا ليبلغوا رشدهم.

لو اصطف العالم بأسره ليقرأ تلك الأسماء، لدام الأمر إلى الأبد.

مصدر الصورة الشعلة الخالدة التي ترمز إلى مناهضة الفاشية خلف المتظاهرين (الجزيرة)

ثقافة الذاكرة

في سراييفو، عاصمة البوسنة والهرسك، أخذت مجموعة صغيرة من المواطنين على عاتقها أن تكون ضمير العالم كما ينبغي له أن يكون.

يحملون الأعلام الفلسطينية -علم الحرية كما يطلقون عليه- إلى جانب لافتات تطالب بالحرية والسلام والعدالة، وقوائم لا تنتهي من أسماء الأطفال الذين قضوا في ما صنفته الآن لجنة تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة بأنه إبادة جماعية.

"… جنان حامد ناصر الأسطل (عام واحد)… عبد الرحمن شريف محمد أبو معمر (عام واحد)… شام عربي عبد القادر الزبيدي (عام واحد)… نصر خالد نصر الجد (عام واحد)… جوليا فوزي سعيد الكرد (عام واحد)…".

تستمر قراءة الأسماء حتى تجف الحناجر وتبهت الأصوات، لكنهم لا يتوقفون أبدا.

إن تعاطفهم ليس مجردا، بل هو متجذر في نجاتهم هم، حين حاصرت القوات الصربية سراييفو بين عامي 1992 و1995، وهي الفترة التي استشهد فيها 1601 طفل بالقصف ونيران القناصة.

حكمت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة على الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كاراديتش بالسجن مدى الحياة، بعد إدانته بارتكاب إبادة جماعية في سريبرينيتسا (1995)، وجرائم ضد الإنسانية، والاضطهاد، والقتل، وترويع المدنيين أثناء حصار سراييفو.

إعلان

وصدر الحكم ذاته على راتكو ملاديتش، قائد الجيش الصربي، الذي أُدين بارتكاب إبادة جماعية في سريبرينيتسا، والاضطهاد، وإبادة المدنيين غير الصرب، وحصار سراييفو، واحتجاز قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة كرهائن.

وفي قمة الأمم المتحدة الأخيرة في نيويورك، التقى الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، الذي زار مواقع المدفعية الصربية حول سراييفو أثناء الحرب، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد وقت قصير من انسحاب وفود عديدة من القاعة احتجاجا على تدمير إسرائيل المتواصل لغزة وتجويعها.

كما يأتي الدعم المفتوح لإسرائيل من زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك وزعيم كروات البوسنة دراغان تشوفيتش.

"هاني يوسف هاني عزام (عامان)… سيلا جهاد ماهر شتات (عامان)… وتين محمد سالم الحشاش (عامان)… جوليا أمجد جميل أبو حسين (عامان)… فرح صلاح الدين خليل بركة (عامان)… نهلة علاء عادل أبو محسن (عامان)…".

في سراييفو، لا تزال ثقافة الذاكرة حية، ذلك الجهد المبذول للحفاظ على الحقيقة، وتحويل الألم والشجاعة والإنسانية إلى بوصلة لمستقبل أكثر عدلا ورحمة.

مصدر الصورة وقفة ترفع العلم الفلسطيني في سراييفو القديمة (الجزيرة)

العديد من أعضاء المجموعة التي تقرأ أسماء أطفال غزة هم أيضا أكثر حراس المدينة تفانيا لتلك الذاكرة، ويمدونها الآن لتشمل فلسطين.

لقد افتتحوا مؤخرا مهرجان "ميس" المسرحي الدولي، أقدم مهرجانات البوسنة، الذي أُسّس عام 1960 ويعد من أكثر المهرجانات احتراما في المنطقة.

على خشبة المسرح الرئيسي للمسرح الوطني في سراييفو، أمام جمهور غفير، انضمت المجموعة إلى مدير المهرجان، نهاد كريشيفلياكوفيتش، في قراءة أسماء أطفال غزة الشهداء، كما يفعلون من دون انقطاع، منذ فبراير/شباط 2024.

"لانا وشاح (3 أعوام)… سارة محمد خليل خليل عسلية (3 أعوام)… مريم أحمد عبد الرؤوف الحلبي (3 أعوام)… حمزة رامي نضال عليوة (3 أعوام)… زينة ناصر حسني موسى (3 أعوام)…".

قال كريشيفلياكوفيتش من على خشبة المسرح: "إن الإبادة الجماعية في غزة مستمرة منذ أكثر من عامين. إنها عَرَض لنظام لا يكترث بالحياة ولا بالحقيقة ولا بالعدالة".

وأكد كيف أن جزءا كبيرا من العالم لا يزال صامتا في وجه هذه الوحشية:

"في زمن لا تنتهي فيه الحروب، وحين تتحول الحدود إلى أسلاك شائكة، وحين تُكنس المعاناة تحت سجادة اللامبالاة العالمية، يجب أن يكون المسرح، كما نعرفه، مكانا نبحث فيه عن الإنسان في دواخلنا. يجب ألا يصمت الفن. يجب ألا يزين المسرح الكارثة. يجب ألا يكون مهربا من المسؤولية".

فضاء للمقاومة

وتابع كريشيفلياكوفيتش: "هذا المهرجان لا يقدم إجابات، لكنه يطرح الأسئلة ويقدم ما يحتاجه مجتمعنا أكثر من أي شيء آخر: التعاطف. في عالم يحترق أمام أعيننا، يجب على الفن أن يواصل البحث عن الإنسانية. هذه المدينة، وهذا البلد، وهذا المهرجان يعرفون ذلك عن تجربة. سيستمر ميس في الحديث حتى عندما يصمت العالم، لأننا نؤمن بأن المسرح فضاء للمقاومة، ودعوة لنبقى بشرا".

"علي نائل نعيم عكاشة (4 أعوام)… سعيد حازم سعيد الرملاوي (4 أعوام)… محمود عبد العزيز محمد ظاهر (4 أعوام)… سجى زاهر عبد الحكيم كحيل (4 أعوام)… براء زياد أنور أبو مصطفى (4 أعوام)…".

إعلان

عندما انتهت القراءة، لم يكن هناك تصفيق. بكى الجمهور في صمت.

كتب بوريس فيتلاتشيل الذي كان في 13 من عمره عندما بدأ الحصار: "لا أتذكر أنني بكيت على القتلى والجرحى من حولي في سراييفو".

"لهذا السبب أدفع الآن الثمن مضاعفا. أبكي على أطفال سراييفو وغزة معا… وعلى كل الآخرين الذين لمسوا قلبي، مبتسمين رغم هذا العالم الشرير".

كان فيتلاتشيل قد سجل اسمه في "أسطول الصمود"، تلك المحاولة اليائسة والإنسانية لكسر حصار إسرائيل لغزة.

كتب: "إذا كنا بعد أوشفيتز، والعار الذي تلاه، قد أنشأنا الأمم المتحدة، فإننا بعد غزة، نحتاج إلى اتحاد للشعوب".

"لانا عيسى علي السيد (4 أعوام)… دينا عبد الله خضر موسى (5 أعوام)… لي أحمد محمد علي (6 أعوام)… آية فادي رياض عاشور (7 أعوام)… يحيى ياسر نصيف حجازي (8 أعوام)…".

وصل إلى الميناء متأخرا جدا، كانت القوارب قد امتلأت. صرخ وتقيأ وبكى يأسا لضياع فرصة الإبحار نحو فلسطين.

كتب في دفتر ملاحظاته: "مرة أخرى، هناك ذلك الشر. ذلك الشر الأسود. المروع والمخيف. القادر على إطلاق النار على طفل لمجرد قتل ابتسامته. مرة أخرى، ذلك الشر الإبادي، الذي نحن جميعا متواطئون فيه، حتى لو تظاهرنا بغير ذلك".

مصدر الصورة أسماء أطفال غزة الشهداء تقرأ في المهرجان (الجزيرة)

يعتقد فيتلاتشيل أن العالم يجب أن يُقلب رأسا على عقب "مثل جورب".

"ويجب أن نفعل ذلك بلطف، لا بعنف، لنجعله بحجم طفل، مبنيا على الرعاية والتضامن. عالم من السلام والحب. فلنخلق المستحيل معا!".

قرأ مؤخرا عن مصور من غزة عولج خارجها بعد إصابته بالرصاص. صُدم عندما علم أن التأشيرة التي عُرضت عليه كانت صالحة لمدة شهر واحد فقط.

"بدا لي الأمر غير إنساني. فبدلا من المطالبة بتأشيرات بيروقراطية ومقيدة، يجب أن نقدم الضيافة لجميع أولئك الذين أصبحوا ضعفاء بسبب مصالحنا وامتيازاتنا. ضيافة متجذرة في الخزي من العالم الاستعماري، الفرداني، النيوليبرالي الذي نواصل دعمه".

في مكان قريب، في متحف الآداب في سراييفو، نظم طلاب من كلية هندسة العمارة معرضا للوحات والمنحوتات، وباعوها لجمع الأموال لطالب فلسطيني يدرس في المدينة.

وهم ليسوا الوحيدين. تستضيف سراييفو "بينالي غزة" الذي يضم أكثر من 30 فنانا فلسطينيا. إنه عمل تضامني، يضم أيضا فنانين من البوسنة والهرسك يعرضون أعمالا أُنشئت أثناء حصار سراييفو. ستُقام المعارض والنقاشات في 6 مواقع في جميع أنحاء المدينة حتى 7 نوفمبر/تشرين الثاني.

مسيرة من أجل القيم العالمية

"إسماعيل مصطفى جميل عيد (9 أعوام)… حلا فازي فايد داود (10 أعوام)… نهاد أحمد نيب عديد (11 عاما)… رزان فادي رفيق عساف (12 عاما)…".

يوم الأحد، 12 أكتوبر/تشرين الأول، ستبدأ مسيرة بعنوان "البوسنة والهرسك من أجل فلسطين حرة" من النصب التذكاري للأطفال الذين استشهدوا خلال حصار سراييفو (1992-1995)، تنظمها المجموعة نفسها التي تقرأ أسماء أطفال غزة.

جاء في دعوتهم:

"وقف إطلاق النار هو الخطوة الأولى نحو حرية فلسطين! كل صمت للمدافع، كل حياة تُنقذ، كل نفس يمكن لطفل أن يأخذه دون خوف هو سبب إضافي للأمل. وقف إطلاق النار ليس حرية لكنه الخطوة الأولى نحوها. تظل مسيرة البوسنة والهرسك من أجل فلسطين حرة صوت أولئك الذين يرفضون نسيان الجرائم أو تطبيع الظلم. نحن لا ندير وجوهنا. نحن لا نستسلم. إلى أن تتحرر فلسطين، سنواصل الحديث والاحتجاج والمطالبة بالعدالة".

أكدت المهندسة المعمارية والأستاذة ليلى كريشيفلياكوفيتش مدى الألم الذي يمكن أن يسببه الصمت، وقالت: "كمواطنين في البوسنة والهرسك، نحن ملزمون بأن نكون الصوت ضد النسيان والظلم".

وترى في المسيرة "عملا مدنيا يلتقي فيه التعاطف بالمسؤولية، ويطالب مؤسساتنا بموقف واضح وأخلاقي وقانوني".

إعلان

"إن تراثنا المناهض للفاشية وتجربتنا في زمن الحرب يمنعاننا من الصمت في وجه الظلم. تلك التجربة نفسها تربطنا بشعب فلسطين وتلزمنا بالعمل، لا بالموافقة بالصمت على ما يتكشف أمام أعين العالم".

بالنسبة لهم، الاحتجاج هو مسيرة من أجل القيم العالمية.

"سندس رائد نبيل فرحات (13 عاما)… علي وسام علي جودة (14 عاما)… سراج علاء نظمي قلجة (15 عاما)… كريم ماجد حسين عليان (16 عاما)… أسماء رفيق مسعود (17 عاما)…".

(النهاية)

قصيدة: الطفل والصمت

الناس:

هل ما زلنا بشرا،

هل ما زلنا بشرا…

أنت ترى،

أنت تعلم،

ثم تطرق بصرك إلى الأسفل.

الصمت:

في البدء كان الإنسان،

ولم يعد كما كان.

في البدء كان أناس،

صدورهم ملأى بلهيب الحرية.

من النهر إلى البحر،

سجن بلا مفتاح.

في ظلام البشرية،

يهلكون وقد تُركوا وراءهم.

الناس:

هل ما زلنا بشرا،

هل ما زلنا بشرا…

أنت ترى،

أنت تعلم،

ثم تطرق بصرك إلى الأسفل.

الطفل:

طريقي طويل،

لا بداية له، لا نهاية،

لا راحة لأجدها،

لا سلام لأرتقه.

أمي تحملني،

أبي يحملني،

الدوامة تحملني،

الموجة تحملني.

الناس:

هل ما زلنا بشرا،

هل ما زلنا بشرا…

أنت ترى،

أنت تعلم،

ثم تطرق بصرك إلى الأسفل.

الطفل:

دمعة أم،

صرخة أب،

في يد فارغة

الوداع الأخير.

قطرة تحررني،

الطريق بعيد.

كنا أطفالا

فهل ما زلتم أنتم من أنتم؟

الناس:

هل ما زلنا بشرا،

هل ما زلنا بشرا…

أنت ترى،

أنت تعلم،

ثم تطرق بصرك إلى الأسفل.

الصمت:

أم تحمي ابنها بيدها،

عاجزين، يقفون فحسب.

أب يحمي ابنته بصدره،

عاجز، مثل كل البقية.

ضع غزة على الجرح،

ضمادة من رمل وبحر.

ستُذكر يدك،

من أقصى نداءات العالم.

الناس:

هل ما زلنا بشرا،

هل ما زلنا بشرا…

أنت ترى،

أنت تعلم،

ثم تطرق بصرك إلى الأسفل.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل دونالد ترامب حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا