في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
على هامش الاجتماع السنوي ل لأمم المتحد ة، استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره التركي رجب طيب أردوغان ، يوم 25 سبتمبر/أيلول الماضي، بالكثير من الحفاوة التي لم تكن معهودة منه تجاه ضيوفه السابقين.
ويبدو أن هنالك بعض الملفات والقضايا التي اتفق عليها الرئيسان خلال اللقاء مما تسبب في ترطيب الأجواء مثل توقيع صفقات تسلّح، ورفع قيمة الاستثمارات المتبادلة، والتوصل إلى توافقات بشأن خطة ترامب لإنهاء الحرب على قطاع غزة .
ولكن ذلك لا يكفي، فكثير من الزعماء فعلوا أكثر من ذلك بكثير ولم يستقبلهم ترامب بمثل هذه الحفاوة البروتوكولية التي حظي بها أردوغان.
وتساءل تعليق منشور في مركز الجزيرة للدراسات عن الأسباب التي جعلت الرئيس التركي يحظى بكل مظاهر التقدير المبالغ فيه من طرف ترامب رغم أن خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يكن وديا تجاه الولايات المتحدة .
التعليق المنشور تحت عنوان " ما وراء الحفاوة البروتوكولية تركيا: القوة الإقليمية الضرورية لأميركا " لمدير إدارة البحوث بمركز الجزيرة للدراسات عز الدين عبد المولى، أشار إلى الكثير من العوامل التي تجعل تركيا تحتل مكانا خاصا في الإستراتيجية الأميركية، متسائلا في الوقت ذاته عن الأوراق التي تملكها أنقرة على الصعيد الجيوسياسي وتحتاجها الولايات المتحدة.
في كتابه "العمق الإستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية"، أشار رئيس الوزراء ووزير الخارجية التركي الأسبق أحمد داود أوغلو إلى أهمية موقع بلاده وساهم في تشكيل وعي القيادة التركية بذلك، لأن مواقع الدول في الغالب ليست محايدة، والوعي بقيمة الجغرافيا لا يقل أهمية عن الوعي السياسي.
ويُلاحظ أنه في العقدين الأخيرين، سعى أردوغان وفريقه القيادي إلى إبراز المكانة الجغرافية لتركيا ، وجعلها قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها في أي حسابات، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط .
ولم تكن علاقات ترامب بتركيا مرتبكة، بل أظهر أنها تدار بدقة وتخطيط، لأن الجغرافيا السياسية لهذا البلد تحتل موقعا مركزيا في الإستراتيجية الأميركية، لما تلعبه من أدوار مهمّة في 4 اتجاهات.
ففي الجنوب، أقرّ الرئيس ترامب بأن تركيا لعبت دورا أساسيا في إسقاط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وحضورها في إعادة بناء هذه الدولة مؤثر ويشمل عدة مجالات، أبرزها الأمن والاقتصاد والطاقة وإعادة الإعمار.
وستزداد أهمية سوريا الإستراتيجية إذا تحقق مشروع أنابيب الغاز الطبيعي بين قطر وتركيا عبر السعودية والأردن والأراضي السورية، ونجاح ذلك يحتاج تركيا التي لها حضور قوي في المشهد السوري.
وفي السياق نفسه الذي يتحدث عن النفوذ التركي في الجنوب، يلاحظ أن أنقرة تلعب دورا متزايدا في تحويل العراق إلى حلقة ربط أساسية بين منطقة الخليج وأوروبا عبر مشروع طريق التنمية الذي تشترك فيه دول الخليج إلى جانب العراق وسوريا وتركيا وإيران و الاتحاد الأوروبي ، ويتوقع أن يوفر، مع خط أنابيب الغاز القطري، بديلا لأوروبا يغنيها عن الطاقة الروسية ويساعدها على الاستجابة للضغوط الأميركية في هذا المجال.
أما في الشمال، فإن تركيا تملك علاقات مميزة بطرفي الحرب الروسية الأوكرانية ، وقد تمكنت عام 2022 من عقد صفقة بين الدولتين أمّنت من خلالها تدفق الحبوب الأوكرانية بعد أن كادت الحرب تتسبب في أزمة غذاء عالمية.
كما أن موقع تركيا الجيوسياسي، المطل على البحر الأسود ، حيث تجري بعض معارك الحرب الدائرة، وحيث يتموقع أحد الأساطيل الروسية، هو ما يجعل منها لاعبا أساسيا في هذه المنطقة المتوترة.
وبالإضافة لكل تلك الأدوار، فإن تركيا تعتبر البلد الوحيد الذي يمتلك حق إدارة حركة الملاحة في البحر الأسود وفقا لاتفاقية مونترو، وهذا الوضع الجيوسياسي يمنحها قوة فريدة يمكن لحلفائها في الناتو استخدامها للحد من قدرة روسيا على توسيع نفوذها وزيادة قوتها البحرية في المنطقة.
وفي الاتجاه الشرقي، ترتبط تركيا بعلاقات متميزة بدول جنوب القوقاز ومنطقة آسيا، وسيمنحها ممر زنغزور ميزات اقتصادية وإستراتيجية جديدة.
كما أن علاقات تركيا بآسيا الوسطى تتجاوز روابط الجغرافيا، إلى اللغة والثقافة والتاريخ المشترك وتشابك المصالح الاقتصادية، وقد أنشأت دول هذه المنطقة إطارا إقليميا يجمعها باسم "منظمة الدول التركية" يضم، إلى جانب تركيا، كلًا من أذربيجان، وأوزبكستان، وكازاخستان، وقرغيزستان.
وعلى صعيد الاتجاه الغربي، فإن أهمية تركيا تتجلى بوضوح، فهي ركن أساسي من أركان الأمن والدفاع الأوروبيين بحكم عضويتها "الثقيلة" في حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) الذي انضمت إليه منذ عام 1952، أي بعد 3 سنوات على تأسيسه.
وتحتفظ الولايات المتحدة بقواعد قواعد عسكرية مهمة في تركيا، تُستخدم لأغراض متعددة، منها الحرب على الإرهاب، والخدمات اللوجستية والاستخباراتية لتسهيل عمليات القوات الأميركية في المنطقة.
وزيادة على حضورها الجيوسياسي في جميع الاتجاهات، وهو ما مكّنها عمليا من الحضور في كثير من الملفات والقضايا الشائكة، تمتلك تركيا كذلك ورقة اللاجئين والمهاجرين التي تشكل هاجسا أمنيا واقتصاديا وثقافيا لدول الاتحاد الأوروبي.
وبحكم موقعها الجغرافي في الشرق الأوسط، وعلى ضفاف البحر المتوسط والبحر الأسود وبحري مرمرة وإيجة، فإنها تلعب دورا محوريا في حركة الهجرة المتجهة شمالا وغربا، لذلك، تعد تركيا شريكا فاعلا لأوروبا، ولكنها في الوقت ذاته، تتمتع بورقة ضغط عليها ومساومة معها في غاية الأهمية.
هذا الموقع الجيوسياسي الحيوي لتركيا، هو الذي جعلها تلعب أدوارا فاعلة في السياسات الإقليمية والدولية، وجعل منها قوة "ضرورية" لحلفائها الغربيين ولحليفها الأميركي في الاتجاهات الأربعة، ففي كل اتجاه نظر ترامب سيرى تركيا في قلب المشهد.
وانطلاقا من تلك المعطيات، فإنه ليس من المستغرب أن تكون حسابات واشنطن تجاه تركيا دقيقة، وأن يحظى الرئيس أردوغان بحفاوة وترحيب فائق في البيت الأبيض ، لكن السؤال الذي يُطرح الآن هو هل ستتحول هذه القوة والصداقة إلى تهديد وذلك وفقا لقاعدة " لا صداقة أو عداوة دائمة، بل المصلحة الدائمة هي الأساس".