تتواصل العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة مخلفة الكثير من الدمار والقتلى حيث بلغت حصيلتهم منذ فجر السبت 17 قتيلا جراء القصف المتواصل.
مخاوف من تهجير دائم
على مدى عقد من الزمن، ظل الفلسطيني شادي سلامة الريس الموظف بأحد البنوك يسدد قرضا عقاريا بقيمة 93 ألف دولار لشقته في مبنى حديث شاهق الارتفاع بأحد الأحياء الراقية في مدينة غزة.
والآن، يعيش هو وأسرته في فقر مدقع بعد فرارهم من ضربة إسرائيلية هدمت المبنى في غمضة عين ليتحول إلى كومة أنقاض وسط سحابة من الدخان والغبار.
ويمثل الهجوم الذي وقع في 5 سبتمبر على برج مشتهى المكون من 16 طابقا بداية حملة هدم مكثفة نفذها الجيش الإسرائيلي مستهدفا المباني الشاهقة قبل الهجوم البري على قلب المدينة المكتظة بالسكان، والذي بدأ الأسبوع الماضي.
على مدى الأسبوعين الماضيين، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه هدم ما يصل إلى 20 برجا سكنيا في مدينة غزة قائلا إن حماس تستخدمها.
وفي الإطار الزمني نفسه، سوّت القوات الإسرائيلية مناطق بالأرض في أحياء الزيتون والتفاح والشجاعية والشيخ الرضوان وغيرها، وفقا لما ذكره 10 سكان لرويترز.
وتظهر صور الأقمار الاصطناعية التي راجعتها رويترز الدمار الذي لحق بعشرات المباني في الشيخ الرضوان منذ أغسطس.
ويخشى الريس أن يكون التدمير هدفه تهجير سكان مدينة غزة بشكل دائم، وهو رأي تتفق معه مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
وقال المتحدث باسم المفوضية ثمين الخيطان في بيان إن مثل هذه الحملة المتعمدة لنقل السكان تعد تطهيرا عرقيا.
وأنذرت إسرائيل جميع السكان المدنيين في مدينة غزة مطالبة إياهم بالإخلاء في أثناء الهجوم.
وردا على أسئلة من أجل هذه القصة، قال المتحدث العسكري الإسرائيلي نداف شوشاني: "لا توجد استراتيجية لتدمير غزة".
وأضاف أن هدف الجيش هو تدمير حماس واستعادة الرهائن.
وقال إن حماس استخدمت المباني الشاهقة لمراقبة القوات الإسرائيلية ومهاجمتها، مضيفا أن الحركة استخدمت المدنيين دروعا بشرية وزرعت ألغاما في المباني.
وقال مصدران أمنيان إسرائيليان لرويترز إن أهداف الجيش والسياسيين في إسرائيل ليست متوافقة دائما، وأشار أحدهما إلى أن أفكارا مثل إخلاء مناطق في غزة من الفلسطينيين لإعادة إعمارها مستقبلا تتعارض مع الأهداف العسكرية. ولم يرد مكتب نتنياهو بعد على طلب للتعليق.
وفي الأسبوع الماضي، خلص تحقيق للأمم المتحدة إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة. ووصفت إسرائيل هذا الاستنتاج بأنه منحاز و"مشين".
ويقول خبراء الأمم المتحدة إن تدمير المساكن والبنية التحتية المدنية يعد جريمة حرب.
رعب وخوف بعد أمر إخلاء
قبل الحرب، اشتهر برج مشتهى في مدينة غزة بإطلالته على البحر وموقعه الملائم القريب من حديقة عامة وجامعتين.
وقال الريس إن البرج كان يؤوي في الأصل نحو 50 عائلة، لكن هذا العدد ارتفع لثلاثة أمثال خلال الأشهر القليلة الماضية بعد أن استقبل سكانه أقاربهم النازحين من أجزاء أخرى من غزة.
وانتشرت عشرات الخيام التي تؤوي المزيد من العائلات النازحة حول قاعدة البرج. ولحقت أضرار بالطوابق العليا من المبنى جراءغارات سابقة.
وقال الريس إنه في صباح 5 سبتمبر، تلقى أحد الجيران اتصالا من ضابط في الجيش الإسرائيلي يطلب منه نشر الأمر بإخلاء المبنى في غضون دقائق وإلا فإنهم "راح ينزلوا البرج فوق روسنا".
وقال الريس، الذي كان يأمل في سداد قرضه العقاري بحلول هذا العام "مشاعر رعب، وخوف وضياع ويأس وحيرة وألم سيطرت علينا كلنا، أنا شفت ناس بتجري حافية القدمين وناس نسيت جوالاتها (تليفوناتها المحمولة)، ووثائقها، أنا ما أخدت لا جوازات سفر ولا بطاقات الهوية".
وأضاف أنهم لم يحملوا معهم شيئا وأن زوجته وطفليه آدم (تسع سنوات) وشهد (11 سنة) نزلوا الدرج وهربوا.
ووفقا لأحدث البيانات الصادرة عن مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، فإنه حتى قبل الهجوم الحالي على مدينة غزة، تضرر أو دمر ما يقرب من 80 بالمئة من المباني في غزة، أي نحو 247195 مبنى، منذ بدء الحرب. وشمل ذلك 213 مستشفى و1029 مدرسة.