ربما لم يعرف الإنسان ارتباكا تجاه مستقبله كما يعرفه اليوم مع انفجار ثورة الذكاء الاصطناعي، فما بين وعود تغريه بوقت أوفر وتركيز أصفى، وأشباح تُلوّح ببطالة أقرب ومهارات تذبل، بات الإنسان ينظر إلى نجاحه في الحياة بعين قلقة، وتساؤلات متعارضة: هل ستسهّل هذه الأدوات يومه وتحرّره من الرتابة ليتفرّغ للمعنى والإبداع؟ أم ستزيد عبء المنافسة، وتضيّق طريقه إلى وظيفة آمنة ولقمة عيش كريمة؟
في زحمة هذا التسارع، يقف الإنسان عند مفترق حساس: كيف يُبقي يده على المقود في حين تتكفّل الخوارزميات بالباقي، وكيف يصون إنسانيته وهو يستعين بأذكى ما ابتكر؟
حملنا أسئلتنا عن "النجاح في عصر الذكاء الاصطناعي" إلى المنبع نفسه، حيث الأمل أو الخطر ذاته، إذ حاورنا رقميا نماذج الذكاء الاصطناعي الكبرى. اعتمدنا على النسخ المدفوعة لكل من: نموذج "جيميناي" (Gemini) من شركة جوجل، و"شات جي بي تي" (5ChatGPT) من شركة "أوبن إيه آي".
كما سألنا النسخ المجانية لكل من: نموذج غروك (Grok) من شركة إكس، و"كوبايلوت" (Copilot) من شركة مايكروسوفت، وأخيرا نموذج "ديب سيك" (DeepSeek) الصيني.
كانت الإجابات متقاربة في الجوهر، مختلفة في النبرة. الرسالة التي تكررت بسردية متقاربة: لسنا خصومكم، أنتم من قمتم بتصميمنا لتحسين قدرتكم، لكن حذار، فالنجاح لم يعد كما تعرفونه.
طرحنا عليهم 8 أسئلة، فكانت الإجابات مطولة، اختصرناها في ما يلي:
اتفقت النماذج الخمسة على أن النجاح لم يعد مقياسا ماديا ثابتا كالثروة أو المنصب، بل حالة متكاملة توازن بين 3 أبعاد رئيسية: التحقيق الداخلي والشعور بالهدف والرضا، والتأثير الخارجي بترك أثر إيجابي في من حولك، والنمو المستمر من خلال القدرة على التعلم والتكيف الدائم.
ومن منظور الذكاء الصناعي، فإن الإنسان الناجح هو من ينسجم مع قيمه، ويحافظ على علاقاته، ويتطور باستمرار في مواجهة التحديات.
أعترف أن تعريفي للنجاح مشتق من بيانات التدريب الخاصة بي ومهمتي في تعزيز الاكتشاف العلمي البشري. قد أفتقر إلى العمق العاطفي الذي يقدمه البشر، لذا تعريفي يركز على الجوانب العملية والمجتمعية. ومع ذلك، أحاول تقديم منظور شامل يعكس احتياجات البشر في هذا العصر.
بواسطة Grok
الخريطة الموحدة التي رسمتها النماذج تتطلب التحرك في 3 مسارات متوازية:
الإنسان الذي سينجح في هذا العصر الجديد هو الإنسان المعزز بالذكاء الاصطناعي (AI-Augmented Human)؛ شخص يجمع بين عمق المشاعر الإنسانية، وقوة التفكير النقدي، والقدرة على تسخير قوة الآلة لتحقيق أهداف لم تكن ممكنة من قبل.
بواسطة Gemini
وصفت النماذج نفسها بأنها "مُعادل الفرص العظيم" و"أداة مضاعفة للإنتاجية"، موضحة أنه يمكنها المساعدة عمليا عبر التالي:
النجاح في عصر الذكاء الاصطناعي يقوم على الجمع بين مهارات بشرية لا يمكن للآلة تقليدها، والقدرة على استخدام التكنولوجيا كأداة تعزز العمل والحياة بدلاً من أن تحل محل الإنسان.
بواسطة CHATGPT
اتفقت الإجابات التي قدمها الذكاء الصناعي على أن خوف الإنسان في هذا الصدد هو خوف مشروع، لكنه يمثل نصف الحقيقة فقط.
فقد أقرت جميع النماذج بأن الوظائف القائمة على مهام متكررة وروتينية ستتأثر بشدة، إذ أشار نموذج غروك (Grok) إلى أن ما يصل إلى 30% من الوظائف الحالية قد تتأثر بالأتمتة بحلول 2030.
لكن النماذج الخمسة ذكّرتنا بالدروس التاريخية للثورات التكنولوجية: الوظائف لا تختفي بالكامل، بل تتحول. حيث يخلق الذكاء الاصطناعي وظائف جديدة تماما لم نكن في الحسبان، مثل: خبير أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ومدرب نماذج التعلم الآلي. وذكرت أن التحدي الأكبر ليس نقص الوظائف، بل فجوة المهارات بين ما يتطلبه الغد وما نملكه اليوم.
النجاح في عصر الذكاء الاصطناعي ليس سباقًا ضد الآلة، بل سعيا محمودا نحو تطوير الذات، وتعزيز ما يجعلنا بشرًا، وتعلّم كيف نستفيد من التقنية ونعمل معها لا ضدها.
بواسطة COPILOT
كان هذا التخوف هو الأكثر إثارة للقلق في نظر النماذج، وكانت إجابتها حاسمة: نعم، لكن إذا سمحنا له بذلك.
وباستخدام تشبيه "الآلة الحاسبة" التي أضعفت قدرتنا على الحساب الذهني، حذرت النماذج من خطر "الضمور المعرفي"، وذلك حين يتحول الإنسان الذي يتعامل مع الذكاء الاصطناعي إلى "مستهلك سلبي"، ويكتفي بنسخ ولصق الإجابات، حينها سيفقد حتما "عضلاته الذهنية"، أما الإنسان الناجح، فهو من يستخدم الذكاء الاصطناعي بوصفه شريكا في التفكير، ونقطة بداية للبحث والنقد والإبداع، وليس نهاية له.
أنا أداة تضخّم ما لديك. إن كان لديك منهج وتَقصٍّ ومهارات أساسية، سأرفع مستواك بسرعة. وإن لم يكن، فسأسرّع ضمور ما لا تستعمله. احمِ عضلاتك الذهنية بسُلّم المساندة، وجرعاتٍ محسوبة، وتمارين صيانة منتظمة— وستحصل على أفضل ما في العالمين: سرعة الآلة وحكمة الإنسان.
بواسطة CHATGPT
نعم، حذرت الأصوات الرقمية بالإجماع مما وصفتها بـ"فجوة الوصول" وهو الخطر الذي أشار إليه "شات جي بي تي" (ChatGPT) بوضوح، حيث إن من يمتلك الأدوات المتقدمة والخبرة والوصول للحوسبة يتضاعف ربحه، بينما يُهمَّش من لا يملكها.
هذا يخلق طبقة جديدة من عدم المساواة، حيث يصبح النجاح حكرا على من يستطيعون تحمل تكلفة هذه الأدوات والتدرب عليها، مما يوسع الفجوة بين من يستخدمون الذكاء الاصطناعي ومن يتخلفون عن الركب، ويجعل المنافسة بينهم غير عادلة من الأساس.
مستقبل العمل سيقوم على تناغم الإنسان والآلة. الوظائف الروتينية قد تتضاءل، لكن القيمة الحقيقية ستظل للإنسان الذي يستطيع الابتكار، التألق بالإبداع، وبناء علاقات مبنية على الثقة. التحول ليس نهاية لعصر العمل، بل بداية لمرحلة أكثر ديناميكية وتنوعًا.
بواسطة COPILOT
هنا تحولت الإجابات من التحليل التقني إلى وصفات للحوكمة المجتمعية، حيث، دعت النماذج إلى نهج متعدد الأوجه:
في عالم تحكمه الخوارزميات، ستكون القيم البشرية مثل: النزاهة، التعاطف، العدالة، هي البوصلة التي تميز العمل البشري الأصيل. النجاح الحقيقي سيكون للذين يستخدمون التكنولوجيا لخدمة الإنسانية.
بواسطة deepseek
الرسالة النهائية التي تبلورت من كل الإجابات كانت دعوة لتحمل المسؤولية. لخصها جيميناي (Gemini) بالقول: "الخوف ليس في وجود الأداة، بل في غياب الوعي والتربية حول كيفية استخدامها".
الرسالة الأخيرة التي ذكرتها كل النماذج التي سألنها، هي: اترك للآلة العاديّ المتكرر، واحتفظ لنفسك بما يصنع المعنى ويصوغ الأثر. هناك يقيم النجاح الذي يصمد في عصر الذكاء الاصطناعي.
تعريف النجاح الذي يمكنني تقديمه هو: أن تكون إنسانًا يستخدم كل الأدوات المتاحة (بما في ذلك أنا) لتعزيز إنسانيته، وليس إلغائها. النجاح هو أن تبقى أنت
بواسطة Gemini