في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في خطوة وصفت بالمفصلية، أعلنت اللجنة الوطنية الإثيوبية للانتخابات إلغاء تسجيل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كحزب سياسي معترف به، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حقيقية حول مستقبل اتفاق بريتوريا للسلام، ويعيد الجدل بشأن مكانة الجبهة القانونية والسياسية داخل المشهد الإثيوبي.
ومن خلال 5 أسئلة يسلط هذا التقرير الضوء على الجوانب المختلفة لهذا الملف الشائك، ويحلل السياق الذي شهدته الأحداث منذ اندلاع النزاع وحتى اليوم. كما يسعى إلى استشراف تداعيات هذه الخطوة على المشهد السياسي في إثيوبيا وعلى مسار عملية السلام في إقليم تيغراي.
في 14 مايو/أيار، ألغت اللجنة الوطنية الإثيوبية للانتخابات الصفة القانونية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وذلك استنادا إلى أحكام قانون الانتخابات الإثيوبي رقم 1162/2019، الذي يشكل المرجع الأساسي الناظم لتسجيل الأحزاب السياسية وسحب الاعتراف القانوني عنها.
ويعني إلغاء "الصفة القانونية" عن حزب سياسي في إثيوبيا أنه لم يعد معترفا به رسميا ككيان سياسي مشروع بموجب قانون تسجيل الأحزاب السياسية الفدرالي، وبالتالي يفقد جميع حقوقه السياسية والتنظيمية والمالية.
ومن ذلك أنه يُمنع من المشاركة في الانتخابات وتنظيم الأنشطة السياسية، وتجمد أصوله وممتلكاته، ولا يعاد الاعتراف به تلقائيًا كذلك.
مرّ ملف الوضعية القانونية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بعدد من المنعطفات التي أفضت في النهاية إلى نزع الصفة الرسمية عن الجبهة، وهذه أبرز هذه المحطات:
يرتبط الخلاف العميق بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والسلطات الفدرالية جزئيًا بكيفية قراءة كل منهما لبعض بنود اتفاقية بريتوريا من جهة، ولتحديد ما له الأولوية في التطبيق العملي بين استناد الجبهة لتفسيرها لبريتوريا وتمسك الطرف الآخر بأولوية القوانين المحلية، وقد تركزت محاججات الطرفين على الشكل التالي:
خلف غبار هذه المحاججات والتفسيرات القانونية حول شرعية الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، ثمة معركة ذات دوافع سياسية عميقة تتجاوز النصوص القانونية والإجرائية إلى الصراع على الدور والفلسفة السياسية القادرة على إدارة بلاد توصف بأنها "متحف الإثنيات".
ويشير العديد من المراقبين إلى أن قيادة الجبهة تعتبر الشرعية السياسية مسألة تتخطى البعد القانوني إلى كونها مدخلًا لاستعادة دورها التاريخي كلاعب رئيس في الساحة السياسية الإثيوبية، ولاستمرار الدفاع عن الحكم الذاتي الإقليمي لشعب تيغراي داخل النظام الفدرالي الإثيوبي، وأن الانخراط في عملية إعادة التسجيل كحزب جديد سيفقدها شرعية النضال السابق ويضعف مكانتها التفاوضية في أي تسوية مستقبلية.
بجانب ما سبق، يتهم سياسيون تيغراويون، كولدي سيلاسي ولدي ميكيئل، قيادة الجبهة باستخدام "اتفاق بريتوريا كأداة سياسية"، في حين يؤكد دجين ميزجيبي رئيس حزب استقلال تيغراي أن هناك تركيزا داخل الجبهة "تمحور حول وضع إستراتيجيات لاستعادة السيطرة السياسية" على الإقليم، وهو ما يتسق مع إصرارها على اعتبارها "الممثل الشرعي لتيغراي" وفقًا للاتفاق المذكور.
في حين يذهب البعض إلى أن الجبهة تسعى من خلال ملف الشرعية السياسية وربطه مباشرة بصمود اتفاقية بريتوريا لاستخدام هذه القضية للضغط على الحكومة الفدرالية، التي اتهمتها الجبهة مرارا بانتهاك الاتفاقية ودعتها، كما في بيانها الصادر في 10 أبريل/نيسان، إلى القيام بواجبها لتنفيذه "بشكل صحيح".
وتضمن تحليل صادر عن مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية شكوى قيادة الجبهة مما يصفه بـ"البطء" في تنفيذ بعض البنود التي تضمنتها اتفاقية بريتوريا ويبزر في طياتها عودة النازحين واللاجئين ونزع السلاح وإعادة التسريح وكيفية إعادة دمج الجبهة في المشهد السياسي في إثيوبيا.
على الجانب الآخر، يشير مقال نشره دكتور غيريت كيرتز، الباحث المختص بشؤون القرن الأفريقي في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية"، إلى أن هناك من يرى أن للحكومة الفدرالية يدًا في تأجيج الخلافات داخل الجبهة وإضعافها سياسيا وتفاوضيا، وهو ما يعزوه بعض المراقبين إلى رغبة الحكومة في إضعاف مشروع الفدرالية الإثنية الذي تعتبر الجبهة التيغراوية أحد أبرز القوى السياسية المدافعة عنه مقابل إعادة هيكلة السلطة المركزية التي تسعى إليها الحكومة.
ومثّل تحديد آلية التعاطي مع اشتراطات المجلس الانتخابي عاملا رئيسا في تصاعد التوترات بين أجنحة الجبهة، وفي تقرير له لاحظ مرصد سلام إثيوبيا تصاعد الخلاف بشكل غير مسبوق داخل الجبهة في يناير/كانون الثاني 2025 عقب بيان للمجلس الوطني للانتخابات في ديسمبر/كانون الأول 2024 يحثّ الجبهة على عقد جمعيتها العامة، مما أفضى في النهاية إلى خروج رئيس الإدارة الانتقالية السابق للإقليم غيتاتشو رضا من تيغراي ومن الجبهة وتأسيسه حزبا سياسيا منفصلا.
وفي بيان صحفي أصدرته جمعية تيغراي للدفاع عن حقوق الإنسان والتنمية في أغسطس/آب 2024، وصفت اشتراط السلطات الفدرالية تسجيل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كحزب جديد بـ"المناورة" التي قد تفضي إلى عدم الاعتراف بها كالطرف الموقع على اتفاق بريتوريا، وهو ما سيؤدي إلى إضعافها وحرمانها من الميزات التي كفلتها لها الاتفاقية من قبيل توليها مسؤولية إدارة الإقليم خلال المرحلة الانتقالية.
وبينما تؤكد الحكومة أنها لا تتدخل في قرارات المجلس الوطني للانتخابات يشير محللون إلى الصبغة السياسية لهذه الإجراءات وأن تقديمها كإجراء إداري يخدم الحكومة في تقليل الانتقادات الدولية.
على قتامة الصورة الحالية، يشير خبير قانون انتخابات إثيوبي -في تصريح لبي بي سي الأمهرية- إلى أن قرار إلغاء الجبهة "ليس نهائيا"، وأن لها الحق في استئنافه أمام المحكمة الاتحادية العليا خلال 30 يوما.
ورغم ما تحمله هذه الرؤية من أمل بانفراجة ما، فإن ذلك القرار ينطوي على العديد من التداعيات التي تمتد تأثيراتها من تيغراي إلى الديناميات الإقليمية مرورا بالأوضاع داخل إثيوبيا.
وفي هذا السياق يبدو اتفاق بريتوريا والسلام الهش في تيغراي أكثر المعرّضين لخطر الانهيار نتيجة الخلاف على شرعية الجبهة. وهي التي أكدت في رسالة إلى الاتحاد الأفريقي عقب إعلان الإلغاء أن هذا القرار يحرمها "من حقٍ استعادتْه من خلال اتفاق بريتوريا ويشكل تهديدا خطيرا لأساس عملية السلام".
وبالنظر إلى الضعف الذي أصاب مؤسسات الإقليم نتيجة الانقسامات التي عصفت بالجبهة منذ منتصف العام الماضي، فإن تصاعد المخاوف بشأن عودة التوترات الأمنية إلى الإقليم أو اللجوء إلى "عسكرة الصراع القانوني" يهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية والشلل في تقديم خدمات رئيسة كالصحة والتعليم وتعثر برامج نزع السلاح وإعادة الدمج مما يهدد بانخراط المقاتلين المسرّحين في أنشطة إجرامية.
ويتخوف العديد من المراقبين من أن تفتح التطورات السلبية في تيغراي الباب لتدخل قوى خارجية ولا سيما إريتريا، حيث تشير العديد من التقارير إلى نشوء علاقة بين قيادة الجبهة وأسمرا في الفترة الأخيرة، وهو ما قد ينذر بتوسع ارتدادات أيّ "هزات أمنية" في شمال إثيوبيا إلى الجوار الإقليمي، حيث تشهد العلاقات الإثيوبية الإريترية حالة من التوتر الشديد منذ توقيع اتفاق بريتوريا.
مع تطورات الوضع، يكشف الخلاف حول الجبهة التيغراوية عن هشاشة السلام الذي تم إنجازه عام 2022، وليُصبح مصيرها اختبارا حاسما لالتزام إثيوبيا بتحقيق سلام حقيقي ومستدام وشامل، وبينما لا يزال من غير المؤكد قدرة اتفاق بريتوريا على الصمود في وجه هذا التحدي السياسي، فإن نجاحه أو فشله قد يُحدد مستقبل استقرار أكبر دول القرن الأفريقي وأكثرها تأثيرا فيه.
ويُدخل قرار اللجنة الانتخابية الإثيوبية مفارقة قانونية، إذ لم تعد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، الموقعة على الاتفاق الأصلي، تتمتع بنفس الوضع القانوني، مما قد يؤدي إلى طريق مسدود.
وإذا اعتُبر التسجيل الجديد للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بمثابة تشكيل كيان قانوني مختلف، فقد يُقال إن الاتفاق الأصلي لم يتضمن أي توقيع قانوني من جانب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. وقد يُبطل هذا الوضع التزامات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ومسؤولياتها بموجب الاتفاق، مما يخلق وضعًا قانونيًا هشًا يُهدد عملية السلام برمتها.