وقف الفريق الاشتراكي ـ المعارضة الاتحادية بمجلس النواب عند “النقاش الكبير” الذي أثارته المادة الثالثة من مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية المادة الثالثة، معتبرا أنها “مفتوحة على التأويل”؛ لكون المقتضى “يستبطن إشكالين مركزيين كانا محور النقاش غير المعلن عنه في ثنايا المادة”، يتعلق الأول “بهشاشة موقع المنتخب إزاء المنظومة الجنائية أو ما يمكن تسميته بيسر الاستهداف الجنائي للمنتخب مع ما يحيل عليه”.
وقال الفريق النيابي، خلال البت والتصويت على المشروع سالف الذكر، في جلسة تشريعية عمومية بالغرفة الأولى اليوم الثلاثاء: “نحن على أبواب سنة انتخابية مع ضرورة تحصين مهام المنتخبين بما يسمح لهم بالقيام بمهامهم في حدود القوانين الجاري بها العمل وضمن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؛ لكن بعيدا عن الاستهداف القانوني والانتقامي من أية جهة كانت، وما أكثر هذه الجهات”.
وأورد الفريق، في كلمة تلتها باسمه النائبة مليكة الزخنيني، أن “الإشكال الثاني يرتبط بالابتزاز الذي ربط تعسفا ببعض مكونات المجتمع المدني؛ علما أن الأحزاب الوطنية، في التجربة المغربية، عملت على تطوير الحقل الجمعوي في المغرب وخلقت جسورا لعلاقة طبيعية يتكامل فيها السياسي والجمعوي لعضد البناء الديمقراطي في البلاد”، لافتة إلى “هذا المجتمع الذي يشكل أحد لبنات البناء الديمقراطي، والذي خصه المشرع الدستوري بمكانة لا يمكن معها إلا تقوية أدواره ومهامه”.
أكدت النائبة الزخنيني أن “قطاعا حكوميا يرخص وفق القانون لجمعية لحماية المال العام، ويدين قطاع حكومي آخر قيامها بما يندرج في هذا الإطار”. وزادت: “إشكالان يستدعيان تفعيل زر الجرأة”، الذي تحدث عنه رئيس الحكومة عزيز أخنوش؛ لـ”الإجابة عليهما من خلال الوقوف على تصحيح اختلالات الإطار القانوني للانتخابات، والمجتمع المدني، بإجابات صريحة ومواقف واضحة، فلا نطلق يد جمعيات الجود ونغل يد جمعيات أخرى”.
وسجلت “الإقدام على مراجعة شاملة لأحكام قانون المسطرة الجنائية في معظم مواده”، مبرزة أنها مراجعة “مستجداتها مسقفة بغياب ضمانات حقيقية للتفعيل لا فيما يتعلق بمستجدات الرقمنة إن كوسيلة للجريمة أو وسيلة لمكافحة الجريمة، وتبسيط المساطر، ولا فيما يتعلق بعوائق نجاعة السياسة الجنائية الحالية، كالحراسة النظرية والنص على كونه يعد تدبيرا استثنائيا لا يمكن اللجوء إليه إلا إذا تعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس”.
وأشارت إلى أنه “تبين أنه ضروري لواحد أو أكثر من الأسباب التي عددتها المادة 1-66 اعتمادها؛ وهي الأسباب التي يتعذر أن لم نقل يستحيل غياب أحدها”، مضيفة: “عقلنة وترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي بوصفه تدبيرا استثنائيا؛ وذلك من خلال وضع ضوابط قانونية له، وتقليص مدده، دون تدابير لتفعيل هذا التوصيف الموجود سلفا”، وكذا “إحداث آلية التسجيل السمعي البصري وقصرها على مرحلة قراءة تصريحات المشتبه فيه المضمنة في المحضر ولحظة توقيعه أو إبصامه عليه أو رفضه؛ في حين أن الحماية يجب أن تغطي كافة عملية الاستجواب، لا فقط عملية قراءة المحضر والتوقيع عليه”.
لطيفة أعبوت، النائبة عن الفريق الحركي، تطرقت بدورها إلى النقاش الدائر بشأن المادة الثالثة من المشروع التي اعتبرتها، حسبها، “بعض هيئات حماية المال العام تضييقا عليها”، واستندت إلى خطب الملك محمد السادس والدستور والقانون، وأشارت إلى الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2016، وقال الملك: “محاربة الفساد هو قضية الدولة والمجتمع: الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين”.
وأحالت أعبوت إلى خطاب الملك في الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش الذي “شدد على الجدية كفلسفة ومذهب حياة وعمل، تشمل جميع المجالات وضمنها الحياة السياسية والإدارية والقضائية”.
وزادت النائبة البرلمانية عن فريق “السنبلة”: “نؤكد أننا مع الجمعيات والهيئات الجادة؛ لكننا ضد الابتزاز الذي يمكن أن تشهره الجمعيات غير الجادة أو بعض الأشخاص، ضد مسؤولين أو منتخبين لغايات لا علاقة لها أحيانا بحماية المال العام أو بالمصلحة العامة، وضد الشكايات الكيدية والوشايات الكاذبة غير المسنودة بوسائل إثبات وأدلة دامغة”.
وأكدت النائبة عينها على أهمية “التمييز بين الجدية واللاجدية، مع التأكيد على حق النيابة العامة في مختلف الدوائر القضائية في القيام بمهامها الرامية إلى حماية المجتمع وحماية المال العام”، وقالت: “إذن، نقر بأن محاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع، لكن في إطار الجدية والمسؤولية”.
وذكرت أنه “بالرغم من المستجدات التي جاء بها هذا المشروع، فإن الفريق الحركي يؤكد على ضرورة تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم والصلح والأخذ بالعقوبات البديلة وإعادة النظر في قضاء القرب وتأهيل وتكوين قضاة النيابة العامة وموظفيها وضباط الشرطة القضائية والأعوان في مختلف الجرائم الحديثة ولاسيما في مجال حقوق الانسان ومكافحة الجريمة الالكترونية وقضايا الاستثمار”.
كما اعتبرت النائبة عن فريق “حزب السنبلة” أن “السياسة الجنائية يجب أن تواكبها أيضا سياسة وقائية. ولعل مدخل ذلك هو التربية والتحسيس والقضاء على مسببات الجريمة وبؤرها وتعزيز الحماية الاجتماعية وركائز الدولة الاجتماعية، ولا سيما تحقيق الشغل والتعليم والصحة والسكن والعناية بالعالم القروي والجبلي، للحد من الهجرة بتداعياتها السلبية بالطبع”.
لطيفة الصغيري، النائبة عن فريق التقدم والاشتراكية، أبرزت أن “المادتيْن 3 و7 اللتين تستأثران باهتمامٍ أكبر سجلنا ردود الفعل المتشنجة تُجاه المجتمع المدني، والتضييق عليه في مساهمته وحقه في التبليغ عن قضايا المال العام بحرية في نطاق احترام الدستور، وبصورة تتناقض كذلك مع مبدأ استقلالية القضاء، ومع معايير الشفافية والنزاهة والمحاسبة، التي من الواجب أن تخضع لها المرافق العمومية”.
وأضافت الصغيري في كلمة باسم فريقها: “نفهمُ أن بعض الهواجس المرتبطة بالابتزاز المتخفي وراء غطاء العمل الجمعوي، وهذا دافعٌ معقولٌ إلى الضبط التشريعي؛ لكن ذلك كان يحتاجُ بالأحرى إلى اجتهاد تشريعي، وليس إلى اعتماد الحلول السهلة وغير السوية مُتمثلة في إقرار العقاب الجماعي لجمعيات المجتمع المدني جميعِها”. وزادت: “الممارساتُ غير السليمة للبعض لا ينبغي أن تكون مبررا لحرمان كافة الجمعيات الجادة”.
وقالت: “نرفض هذا المشروع، أيضا، بالنظر إلى ما يحمله من مقتضيات نعتبرها تراجعية أو تقييدية، وغير عادلة، من زاوية خلق التوازن بين طرفيْ المعادلة”، معتبرة أن “النص يفتقر إلى ما يكفي من النفَس والخلفية الحقوقية، ولا يَعكس بالمستوى اللازم، التزاماتِ بلادنا وانخراطها في الدينامية الحقوقية الدولية، والتي تقوم بالدرجة الأولى على مبادئ احترام الكرامة الإنسانية وعلى مبادئ المحاكمة العادلة والمساواة التامة أمام القانون، وترسيخ العدالة الجنائية”.
كما أنه مشروعٌ “لا يُقدم”، وفق المتحدثة، “إجابات كافية ومُقنعة على أزمة التشريع المتعلق بالسياسة الجنائية، والتي تبرز من خلال مجموعة من التمظهرات؛ من بينها المنظومة العقابية التي عجزت إلى حد اليوم عن تقليص معدلات الجريمة”، مبرزة أن فريقها “تقدم بحوالي 170 مقترح تعديل؛ لكن الحكومة لم تتفاعل معها للأسف بالشكل المطلوب. وتهدف تعديلاتُنا في مجملها إلى تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وقرينة البراءة”.
وسجلت أنها تعديلات تبتغي “تقوية واحترام حقوق الدفاع والتقاضي، وسلامة مبدأ الإثبات، والوقاية من كل أشكال التعذيب، وتقييد مبدأ التقادم في جرائم الفساد، وعدم الإفلات من العقاب، وضمان مبدأ التكافؤ بين سلطتي الاتهام والدفاع، والتي تعتبر من أسمى قواعد المحاكمة العادلة”، مضيفة أنه “لا يمكن التراجع أو تقييد أي حق من حقوق الدفاع، ومن ضمنها حق الاطلاع والحصول على الوثائق المدرجة في ملف الاتهام المتوفرة لدى النيابة العامة وحيازتها”.
عبد الصمد حيكر، النائب عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، قال: “من حيث الشكل، نسجل بأن لدينا ديباجة، في العموم، رفيعة المستوى؛ إلا أن مضامينها الراقية والمتطورة والمتقدمة لم تنعكس على تفاصيل النص”.
وزاد حيكر: “تقدمنا بعدد من التعديلات حفاظا على الزمن التشريعي، لأن فرصة مراجعة التشريعات الجنائية، وخاصة المسطرة الجنائية، ليست متاحة كل سنة أو كل ولاية تشريعية. يكفي أن نذكر بأن هذا المشروع الذي بين أيدينا اشتُغل عليه لما يقارب عشر سنوات”.
وتأسف النائب عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية “لأنه من بين 435 تعديلا تقدمت بها المجموعة، لم تقبل الحكومة منها سوى 21 تعديلا، أي ما لا يصل حتى إلى 5 في المائة.. نتمنى أن تُستدرك هذه الفرصة عند عرض المشروع على أنظار مجلس المستشارين، ويتم دراسة بعض اقتراحاتنا التعديلية بعمق”.
وتابع: “كان الأمر يستدعي إعداد مشروع جديد بهندسة ورؤية جديدتين، وبآفاق جديدة؛ لكن هذا التتميم والتغيير يشبه إلى حد ما عملية إصلاح لبناية كان من الممكن هدمها وإعادة بنائها على أسس متينة”.
وتحدث النائب عن إشكالية الإغفال التشريعي، إذ كان “من الواجب أن يتضمن هذا المشروع مقتضيات جديدة تتلاءم مع الآفاق التي رسمتها الوثيقة الدستورية”.
وفي هذا الصدد، أوضح: “مثلا الدستور، في الفصل 122، يتحدث عن الحق في التعويض عن الخطأ القضائي؛ غير أننا سجلنا غياب مقتضيات في هذا الشأن. قدمنا محاولات في صيغة مقترح، لكنها لم تُؤخذ بعين الاعتبار. نتمنى أن تُعاد دراسة هذا الموضوع خلال عرض المشروع على أنظار مجلس المستشارين”.
وتطرق إلى “المقتضيات الإيجابية المتعلقة بترشيد الاعتقال الاحتياطي والحراسة النظرية”، واعتبر أن “تمام الترشيد كان يستدعي أيضا إحداث قضاء الحريات”، مسجلا أنه “من خلال عدد من المقتضيات، تم رصد وجود إخلال في بعض الأحيان بالحق في التقاضي على درجتين؛ مما يشكل مسا بمبدأ الولوج إلى العدالة الذي كفله الدستور لكل المواطنين”.
بالنسبة للتبليغ عن جرائم الفساد، قال المتحدث: “لا أحد منا يقبل بالابتزاز، وندعو إلى التشديد في التعاطي مع هذا الموضوع؛ لكن لا يمكننا أن نصادر حق المجتمع في التبليغ عن هذه الجرائم. لماذا؟ لأنها أفعال جرمية ذات كلفة سياسية واقتصادية واجتماعية”.
وتابع: “من مرتكزات النظام الدستوري أيضا مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، فضلا عن مقتضيات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، التي صادق عليها المغرب، والتي تسمو على التشريع الوطني. ومن هذه الزاوية، فإننا نرتكب مخالفة دستورية”.