يشهد العالم تحولا سريعا في إدارة المال والدفع مدفوعا بالتقدم التكنولوجي والمخاوف الصحية بعد الجائحة.
ومع توسع الهواتف الذكية والأجهزة القابلة للارتداء برز "الاقتصاد بدون تلامس" كأحد أهم الاتجاهات التي تعيد تشكيل مشهد التجارة العالمية، إذ يتجاوز الاستعاضة عن النقد بالبطاقات ليشمل منظومة متكاملة تعتمد على تقليل التلامس وتسريع العمليات وتحسين تجربة المستهلكين.
ومع تسابق الحكومات والمؤسسات المالية لتبنّي هذا التحول تتصاعد الأسئلة بشأن إمكانية أن يصبح المعيار العالمي الجديد خلال العقد المقبل.
يشير المصطلح إلى نظام تفاعلي قائم على تنفيذ الخدمات والمعاملات بحد أدنى من التلامس الجسدي اعتمادا على تقنيات رقمية متقدمة ووعي متزايد بالصحة والسلامة.
ووفقا لمنصة "ذا فين تيك تايمز"، شهد هذا الاقتصاد نموا ملحوظا خلال العقد الماضي، وتضاعف حضوره مع جائحة "كوفيد-19" التي دفعت المستهلكين إلى تجنب التواصل الشخصي والاتجاه للشراء عبر الإنترنت.
وتُظهر دراسات عديدة انخفاض استعداد المستهلكين للدفع نقدا مقابل ارتفاع الاعتماد على تطبيقات الهاتف المحمول.
وتعتمد هذه المنظومة على تقنية الاتصال قريب المدى (إن إف سي) (Near Field Communication)، وتقنية التعرف عبر ترددات الراديو (آر إف آي دي) (Radio Frequency Identification) ورموز الاستجابة السريعة (كيو آر) التي تمكن عمليات الدفع دون لمس وفقا لمجلة فوربس.
وبصورة مبسطة، يكفي تقريب الهاتف أو البطاقة أو مسح رمز "كيو آر" لإتمام الدفع خلال ثوان.
وفق صحيفة وول ستريت جورنال، تعزز استخدام الدفع بدون تلامس في المشتريات اليومية مثل البقالة والوجبات السريعة، مما أدى إلى تضاعف قيمة المدفوعات بدون تلامس 3 مرات لتصل إلى نحو 6 تريليونات دولار عام 2024 مقارنة بتريليوني دولار في 2020، وفق تقرير شركة جونيبر للأبحاث.
يعود الانتقال من الدفع التقليدي إلى بدون تلامس إلى الطلب المتزايد على السرعة والراحة والأمان، وساعد على ذلك التقارب بين الأجهزة المحمولة والمحافظ الرقمية والتوجه العالمي نحو الاقتصادات غير النقدية، وفقا لمجموعة "آي إم إيه آر سي".
كما لعبت السياسات الحكومية والبنوك دورا أساسيا في تشجيع المدفوعات الرقمية للحد من الاعتماد على النقد، وتعزيز الشفافية، ومكافحة التهرب الضريبي .
تتعدد أشكاله وفقا لمجلة فوربس، وتشمل:
وتنقسم البطاقات المستخدمة إلى نوعين:
تشير مجلة فوربس إلى أن أول تجربة للدفع بدون تلامس بدأت عام 1995 في كوريا الجنوبية عبر بطاقة "يو باس" لحافلات سول، ثم توسعت لتشمل تجربة فرنسا عام 2005 باستخدام تقنية الاتصال قريب المدى.
ومع منتصف الألفية أصبحت بطاقات "يوروباي" و"ماستركارد" و"فيزا" المعيار العالمي للدفع السريع، وفي دول مثل أستراليا وبريطانيا تجاوزت نسبة المعاملات بدون تلامس مستويات قياسية قبل الجائحة.
وخلال "كوفيد-19" قفز الاعتماد العالمي على هذه المدفوعات، وارتفع حجم المعاملات غير النقدية بأكثر من 80% بين 2020 و2025، مع توقعات بتضاعفها 3 مرات بحلول 2030، وفقا لتحليل "بي دبليو سي".
وتوضح الدراسات الدولية أن دولا مثل السويد أصبحت شبه خالية من النقد، إذ لا تتجاوز المدفوعات الورقية 1% من إجمالي التعاملات، وفقا لمنصة زيمبلر.
يشير تقرير "أميركان إكسبرس" إلى مزايا واسعة للمستهلكين والشركات.
رغم المزايا فإن بعض العقبات لا تزال قائمة.
لا يزال تردد بعض العملاء في استخدام هذه التقنية عائقا أمام التجار رغم فوائدها التشغيلية.
أظهرت دراسة "جونيبر للأبحاث" أن قيمة المدفوعات بدون تلامس ستنمو بنسبة 106% لترتفع من 7.7 تريليونات دولار عام 2025 إلى مستويات أعلى خلال السنوات المقبلة.
وتتوقع الدراسة نموا يصل إلى 300% في استخدام تقنية الاتصال قريب المدى في النقل العام، مع ارتفاع المعاملات من 11.2 مليار عام 2025 إلى 44.8 مليارا في 2030.
كما يرجح التقرير نمو المحافظ الرقمية بنسبة 113% بعد سماح آبل للتطبيقات الخارجية باستخدام تقنية الاتصال قريب المدى، مما يسهل المدفوعات المباشرة من الحساب البنكي إلى التاجر دون الحاجة للبطاقات التقليدية، وهو تحول قد يشكل تحديا كبيرا لشبكات فيزا وماستركارد.
تشهد المنطقة العربية -خاصة الخليج- تحولا متسارعا نحو اقتصادات غير نقدية، مستفيدة من بنية تحتية رقمية وانتشار واسع للهواتف الذكية.
ووفقا لتقرير شركة "كوجنيتيف ماركت ريسيرش"، بلغ حجم سوق الدفع بدون تلامس في دول مجلس التعاون الخليجي 255.22 مليون دولار عام 2024، مع توقعات بنمو 5.5%.
كما تسجل مصر والأردن ودول أخرى توسعا ملحوظا بفضل المدفوعات عبر الهواتف الذكية.
وفي مصر، بلغ حجم السوق 62.61 مليون دولار عام 2024 مع توقعات بنمو سنوي قدره 5%.
وعموما، تقف الدول العربية على أعتاب تحول جذري مدفوع بالتقنيات الرقمية وجاهزية المستخدمين والبنية التحتية.
ومع استمرار انتشار الدفع بدون تلامس والمحافظ الرقمية تبدو المنطقة مهيأة للاندماج في الاقتصاد العالمي الجديد القائم على الابتكار والسرعة والأمان، مما يمهد لمرحلة أقل اعتمادا على النقد التقليدي.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة