تزداد ملامح الانقسام داخل مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي مع اقتراب اجتماع ديسمبر/كانون الأول، بعدما أكدت سوزان كولينز، رئيسة بنك الاحتياطي الفدرالي في بوسطن وعضو اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة هذا العام، أنها لا ترى "حاجة ملحّة" لخفض جديد في أسعار الفائدة الشهر المقبل، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".
وقالت كولينز للصحفيين، على هامش مؤتمر اقتصادي في بوسطن، إن خفضي الفائدة بربع نقطة مئوية منذ أغسطس/آب "تركا السياسة النقدية في وضع يميل قليلا نحو مكافحة التضخم"، معتبرة أن هذا الموقف ما زال مناسبا في ظل بقاء التضخم فوق هدف الاحتياطي الفدرالي.
وأضافت أن الظروف في أسواق المال تلعب دوراً داعماً للنشاط الاقتصادي، قائلة إن "الأوضاع المالية بشكل عام تشكّل دعماً خفيفاً وليست عائقاً"، وإن ذلك "لا يشير، بالنسبة لي، إلى وجود إلحاح لكي تصبح السياسة النقدية أكثر تيسيراً".
ورغم هذه النبرة الحذرة، أوضحت كولينز أنها لم تحسم بعد كيف ستصوّت في اجتماع ديسمبر/كانون الأول، ولم تستبعد احتمال مخالفة قرار الأغلبية إذا لم تتفق معه، لكنها كررت أن هناك "عتبة مرتفعة نسبياً" لأي خفض إضافي في الأجل القريب.
وتشير "وول ستريت جورنال" إلى أن تصريحات كولينز جاءت بعد نشر قراءة متأخرة لسوق العمل أظهرت إضافة 119 ألف وظيفة في سبتمبر/أيلول، مقابل ارتفاع معدل البطالة إلى 4.4%. كولينز وصفت التقرير بأنه "متباين"، مؤكدة أنه "لم يغيّر بشكل جوهري" تقييمها لسوق العمل.
وعلى جانب الأسعار، تذكّر الصحيفة بأن مؤشر أسعار المستهلك ارتفع 3% خلال 12 شهرا حتى سبتمبر/أيلول، ليضيف فصلاً جديداً إلى ما يقرب من 5 سنوات من التضخم فوق الهدف الرسمي البالغ 2%، مما يجعل عدداً من صانعي السياسة، وخصوصاً رؤساء بعض بنوك الاحتياطي الإقليمية، أكثر حذراً حيال مزيد من التخفيضات.
وبحسب "وول ستريت جورنال"، ينقسم أعضاء اللجنة الفدرالية حالياً إلى معسكرين رئيسيين:
وتلفت الصحيفة إلى أن رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك، جون ويليامز، الذي يُعد من أقرب الحلفاء لرئيس المجلس جيروم باول، صرّح الجمعة بأن خفضاً للفائدة "في الأجل القريب" قد يكون مبرَّراً، مما دفع المتعاملين إلى زيادة رهاناتهم على خفض ثالث في ديسمبر/كانون الأول.
وأظهرت سجلات اجتماع 29 أكتوبر/تشرين الأول، التي نُشرت هذا الأسبوع، أن التوتر كان حاضرا بالفعل في النقاشات، إذ أوضحت محاضر الاجتماع أن بعض الأعضاء الذين أيدوا خفض الفائدة آنذاك كانوا مستعدين أيضا للقبول بالإبقاء عليها دون تغيير، مما يشير إلى أن الانقسام حول مسار ديسمبر/كانون الأول لم يكن وليد الأيام الأخيرة.
وترى "وول ستريت جورنال" أن مهمة باول في بناء إجماع ستكون صعبة، سواء قرر المجلس الإقدام على خفض ثالث متتالٍ أو تجميد الفائدة عند مستوياتها الحالية، مع احتمالات متزايدة لظهور أكثر من صوت معترض في أي من السيناريوهين.
ويزداد المشهد تعقيداً بسبب تأخر نشر البيانات الرسمية بعد الإغلاق الحكومي الأخير في أميركا، إذ لم تُنشر حتى الآن سوى أرقام الوظائف والتضخم حتى سبتمبر/أيلول، بينما ستصدر البيانات الأحدث بعد اجتماع ديسمبر/كانون الأول.
رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي في ريتشموند، توماس باركين، شبّه وضع صانعي السياسة النقدية بمحاولة "إيصال قارب إلى الشاطئ في عتمة الليل بعد أن انطفأت منارة الإرشاد"، في إشارة إلى صعوبة اتخاذ قرار دقيق في ظل نقص المعلومات الآنية.
وبين تباين تقييمات سوق العمل، واستمرار التضخم فوق الهدف، وتقلب رهانات الأسواق على قرار 10 ديسمبر/كانون الأول، تعكس مواقف كولينز -كما تنقلها "وول ستريت جورنال"- واقعاً مفاده أن الاحتياطي الفدرالي يقف عند نقطة توازن حساسة بين خطرَي التسرّع في التيسير وخطر الإبقاء على سياسة مشددة لفترة أطول مما ينبغي.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة