أفضت التوترات التجارية والتوترات السياسية بشأن دعم الصين لروسيا، وضعف سوق السيارات الكهربائية في أوروبا، إلى تراجع فرص الاستثمار الصيني في الاتحاد الأوروبي، حسبما نقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن أجاثا كراتز من شركة الاستشارات "روديوم غروب".
وفي أحدث مؤشر على تأثير المنافسة الجيوسياسية على سلاسل التوريد وقرارات الاستثمار، كشفت بكين في وقت سابق من هذا الشهر عن ضوابط تصدير شاملة للمعادن النادرة والمعادن الأساسية.
وقالت كراتز المتخصصة في الشؤون الصينية: "من المرجح أن نشهد تباطؤا في وتيرة المشاريع الصينية الجديدة في الاتحاد الأوروبي وأوروبا بشكل عام نظرا للتوترات السياسية، على الأقل يبدو أن عام 2025 سيكون عاما لتعطل الاستثمار".
وحسب تقرير صادر عن شركة الأبحاث "روديوم" ومعهد "ميركاتور" للدراسات الصينية (ميركس) في مايو/أيار، كان ثمة "تراجع حاد" في قيمة مشاريع السيارات الكهربائية الصينية المعلن عنها حديثا بأوروبا في عام 2024.
وبعد الجائحة، كانت المجر من أبرز المستفيدين من الاستثمار الصيني في قطاع السيارات في أوروبا، وفقا لبيانات روديوم، لكن الأرقام المبدئية الصادرة عن "إف دي آي ماركيتس" (fDi Markets)، وهي قاعدة بيانات تابعة لصحيفة فايننشال تايمز، تُظهر انخفاضا في إجمالي عدد المشاريع المُعلن عنها في المجر من 15 مشروعا في عام 2023 إلى 7 مشاريع فقط في العام الماضي.
وتحول الاستثمار الصيني في قطاع السيارات نحو جنوب شرق آسيا للاستفادة من الأسواق الأسرع نموا والبنية التحتية القائمة للتصنيع ومصانع البطاريات.
ولفت أندرياس ميشر من شركة "ميركس" (Merics) أنه لا توجد مؤشرات تُذكر على استثمار الشركات الصينية في قطاعات أخرى في الاتحاد الأوروبي لتعويض ذلك.
وقال: "في عام 2024، كان القطاع الوحيد المهم خارج قطاع السيارات للمشاريع الجديدة هو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولكن ذلك كان أقل من 500 مليون يورو (582.77 مليون دولار)، أي عُشر الاستثمار الجديد الذي شهدناه في قطاع السيارات، لذلك لا نتوقع أن يكون بديلا قابلا للتطبيق".
وحسب فايننشال تايمز، فإن الخلاف مع بكين بشأن المطالب الأوروبية بنقل التكنولوجيا الصينية، في ظل ارتفاع كلفة الاستثمار، أدى إلى إضعاف احتمالات حدوث طفرة تصاعدية أخرى.
وأشارت التوصيات الرسمية التي قُدّمت في اجتماع لوزراء فرنسيين وألمان عُقد في يوليو/تموز الماضي إلى أنه في قطاعات حيوية مثل البطاريات -حيث واجهت أوروبا صعوبة في بناء شركات محلية رائدة- ينبغي أن يُصاحب الاستثمار الصيني نقل التكنولوجيا.
لكن خطوة شركة "كاتل" (CATL) الصينية لصناعة البطاريات، بإرسال آلاف العمال لبناء وتجهيز مصنع بقيمة 4 مليارات يورو (4.66 مليارات دولار) في إسبانيا في مشروع مشترك مع "ستيلانتيس" (Stellantis) الأميركية أثارت بالفعل تساؤلات عن استعداد الشركات الصينية لمشاركة المعرفة الصناعية.
واستبعد ماتياس شميدت محلل السيارات المستقل في شركة شميدت أوتوموتيف ريسيرش "حدوث قدر كبير من تبادل المعرفة أو نقل التكنولوجيا"، مشيرا إلى المفارقة المتمثلة في إجبار شركات السيارات الغربية على إبرام اتفاقيات نقل التكنولوجيا عند الاستثمار في الصين في العقود الأخيرة.
وأضاف أن شركات تصنيع السيارات التابعة للاتحاد الأوروبي في الصين أُجبرت على الدخول في مشاريع مشتركة محلية، مما منح الشركات الصينية المهارات اللازمة لإنتاج المركبات، والآن، افتتحت هذه الشركات المحلية مصانعها الخاصة "في مكان قريب"، على حد قوله.
وفي إجراء رادع إضافي، حذّرت المفوضية الأوروبية من أنها ستُكثّف إجراءات فحص الاستثمارات الصينية في أوروبا، باستخدام لائحة الدعم الأجنبي "إف إس آر" (FSR) التي تُمكّن بروكسل من حظر الشركات التي تعتقد أنها تتلقى دعما غير عادل من حكومات أجنبية.
في الوقت نفسه، فرضت المفوضية العام الماضي رسوما جمركية تصل إلى 35% على بعض السيارات الكهربائية الصينية المستوردة إلى الاتحاد الأوروبي، مُشيرة إلى "الدعم غير العادل" للشركات الصينية، والذي يُشكّل تهديدا "للضرر الاقتصادي" على شركات صناعة السيارات المحلية.
وأدى دعم الرئيس الصيني شي جين بينغ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استحداث بيئة سياسية أكثر عدائية في الاتحاد الأوروبي تجاه الاستثمارات الصينية، حتى مع استمرار المجر في الحفاظ على علاقات وثيقة مع بكين.
وصرح ميخال بارانوفسكي نائب وزير التنمية والتكنولوجيا البولندي بأن بلاده ودولا أعضاء أخرى في الاتحاد الأوروبي أصبحت الآن "أكثر وضوحا" بشأن الاستثمارات الصينية، وتطالب بعلاقة أكثر مساواة مع بكين.
وقال: "العلاقة المتوازنة تعني رؤية الاستثمارات الصينية من حيث نقل التكنولوجيا والمعرفة، وهو النوع الذي استفادت منه الصين في الماضي عندما كان الأوروبيون هم من يستثمرون".
وأضاف وزير المالية البولندي السابق، غرزيغورز كولودكو، إن عداء إدارة دونالد ترامب لبكين سيجعل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أكثر حذرًا بشأن قبول الاستثمارات المستقبلية من الشركات الصينية.
وحذر وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت من أنه إذا فرضت بكين ضوابطها على صادرات المعادن النادرة، فسيتعين على الولايات المتحدة وبقية العالم "الانفصال" عن الصين.
وقال كولودكو، مؤلف كتاب عن التوسع العالمي للصين، إن الرئيس الأميركي: "لا يحتاج إلى قول أي شيء، فالناس هنا يدركون تماما أن (الاستثمارات المستقبلية من الصين) لن تلقى ترحيبا من الأميركيين".
ولا يعني هذا أن نفوذ الصين سيظل واضحا في أوروبا، نظرا لحجم الاستثمارات المُعلن عنها بعد جائحة (كوفيد 19).
ومع وجود نسبة كبيرة من القوى العاملة في مصنع ديبريتْسين، أصبح حضور الأجانب أمرا طبيعيا في مدينة لطالما كانت مجرية بشكل شبه حصري.
وقال عمدة ديبريتْسين، لازلو باب: "بدأ هذا التصنيع بتأثير محلي وإقليمي. لكن ديبريتْسين أصبحت الآن لاعبا عالميا في هذه العملية".