آخر الأخبار

مخيم المليارديرات في صن فالي.. نخبة الذكاء ترسم مستقبل العالم

شارك

واشنطن- في قلب جبال ولاية أيداهو الأميركية الهادئة، وتحديدا في منتجع "صن فالي" الفاخر، توافد هذا الأسبوع عشرات من كبار رؤساء شركات التكنولوجيا والإعلام والتمويل إلى ما يُعرف بـ"المخيم الصيفي للمليارديرات"، الحدث السنوي الذي تنظّمه شركة "ألين وشركاؤه" منذ أكثر من 4 عقود.

ورغم أن المشاركين يبدون بملابس صيفية مريحة، بعيدا عن ربطات العنق الرسمية وبدلات رجال الأعمال، فإن خلف هذه الصورة الوديعة تجري نقاشات تعدّ من بين الأشدّ تأثيرا في رسم معالم الاقتصاد والتقنية العالميين.

فهنا تجتمع شخصيات تتجاوز ثروات بعضها الناتج المحلي الإجمالي لبلدان بأكملها، ويتمدّد نفوذها من وادي السيليكون إلى مراكز القرار السياسي والمالي والتكنولوجي في واشنطن وبروكسل وبكين، وتتحوّل المصافحات خلف الأبواب المغلقة إلى إستراتيجيات كبرى تغيّر موازين القوة والنفوذ العالمي.

قمة النخبة وتحوّل مراكز التأثير

انطلق مؤتمر صن فالي أول مرة عام 1983 كملتقى صيفي غير رسمي يجمع نخبة رؤساء الشركات الأميركية الكبرى في أجواء هادئة بعيدا عن ضغط المكاتب وأعين وسائل الإعلام.

ومنذ ذلك الوقت، حافظ على طابعه المغلق والحصري، حيث يُنظم وفق مبدأ الدعوة فقط، ولا يُسمح للصحفيين بتغطية أو حضور جلساته.

وضمّت قائمة المشاركين هذا العام أكثر من 300 شخصية من كبار المديرين التنفيذيين والمستثمرين وصنّاع القرار، كان من أبرزهم: تيم كوك (آبل)، مارك زوكربيرغ (ميتا)، سام ألتمان (أوبن إيه آي)، ساندر بيتشاي ( غوغل )، ساتيا ناديلا ( مايكروسوفت )، آندي جاسي (أمازون)، إلى جانب شخصيات إعلامية مثل بوب إيغر (ديزني)، وتيد ساراندوس (نتفليكس)، وشاري ريدستون (باراماونت)، وكذلك مؤسس أمازون جيف بيزوس الذي حضر إلى جانب زوجته لورين سانشيز.

وبرز هذا العام تمثيل قطاع الذكاء الاصطناعي بشكل لافت وغير مسبوق، مقارنة بالحضور التقليدي لرواد الإعلام والترفيه. وبينما ظلت شركات مثل ديزني ونتفليكس حاضرة، فإن التغطيات الإعلامية ركّزت بشكل خاص على تصدّر التنفيذيين المرتبطين بتطوير النماذج اللغوية الضخمة والبنى التحتية الحاسوبية وحوكمة الخوارزميات.

مصدر الصورة تيم كوك (يمين) من أبرز المشاركين في مخيم المليارديرات (الفرنسية)

ويرى طالب الأشقر، الخبير في الذكاء الاصطناعي والباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن الحضور المتزايد لقادة الذكاء الاصطناعي في صن فالي "يعكس تحوّلا جذريا في خرائط التأثير، بحيث ينتقل النفوذ اليوم من عمالقة التكنولوجيا التقليديين إلى أولئك الذين يشكلون أنظمة الذكاء الاصطناعي".

إعلان

ويضيف في حديثه للجزيرة نت: "مراكز الثقل الجديدة في التكنولوجيا لم تعد منصات اجتماعية، بل أصبحت نماذج أساسية للذكاء الاصطناعي، ورقائق، وبنية تحتية للبيانات تعزز الصناعات العالمية والقدرات الوطنية المستقبلية".

صراع المواهب ومخاوف السوق

من أبرز وجوه الحدث هذا العام، سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ"أوبن إيه آي"، الذي تزامن حضوره في صن فالي مع توترات متصاعدة مع منافسين مثل شركة "ميتا"، التي تواجه انتقادات بسبب طريقتها في استقطاب خبراء الذكاء الاصطناعي من شركات أخرى، وعلى رأسها "أوبن إيه آي".

وانتقد ألتمان في بودكاست الشهر الماضي حجم المكافآت التي تقدمها ميتا لموظفيه، قائلا إنها تصل إلى 100 مليون دولار كمكافآت توقيع، واصفا هذه الإستراتيجية بأنها "مجنونة ولا تُنتج ثقافة مؤسسية صحية".

وصرّح الثلاثاء أمام عدد من الصحفيين أنه "يتطلع للقاء زوكربيرغ في صن فالي"، مؤكدا أنه لم يتواصل معه منذ بدأت ميتا حملة الاستقطاب تلك، وهو ما فُهم على نطاق واسع بأنه تلميح إلى توتر قائم بين الشركتين في ظل سباق محموم للسيطرة على مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي.

وأشار تقرير لموقع "بيزنس إنسايدر" إلى أن بعض العروض التي تُقدّم لعلماء الذكاء الاصطناعي وصلت إلى 300 مليون دولار لكل باحث.

وعلّق مؤسس لينكدإن ريد هوفمان، في مقابلة صحفية، بأن ما يحدث قد يبدو "مجنونا" للناس العاديين، لكنه اعتبره منطقيا من منظور اقتصادي نظرا إلى "القيمة الإستراتيجية القصوى لهذه المواهب على المدى البعيد".

ويعلّق الباحث طالب الأشقر على هذه الحرب التنافسية قائلا: "الذكاء الاصطناعي أصبح يوازي الآن مجالات الطاقة والدفاع، وتُدرك الدول والشركات على حد سواء أنه ليس مجرد أداة، بل هو عامل مضاعف للقوة من أجل النفوذ الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي".

مصدر الصورة من أبرز وجوه الحدث هذا العام سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ"أوبن إيه آي" (الفرنسية)

صن فالي.. مختبر النفوذ ومستقبل السلطة

ورغم أن "مخيم المليارديرات" يُنظم دون أجندة معلنة أو أوراق عمل رسمية، فإن تاريخه حافل بتفاهمات تحولت لاحقا إلى قرارات إستراتيجية كبرى. ففي عام 2013، سُجلت لقاءات جمعت جيف بيزوس بمُلّاك صحيفة "واشنطن بوست" داخل صن فالي، سبقت إعلانه استحواذه عليها مقابل 250 مليون دولار.

كما ساهم المؤتمر في تقريب وجهات النظر بين قيادات "سي بي إس" و"فياكوم"، وهو ما مهّد الطريق أمام اندماجهما في صفقة ضخمة بعد سنوات من التوتر.

وتشير تقارير إلى أن هذه اللقاءات غير الرسمية كثيرا ما تكون مقدمة لتغييرات إستراتيجية داخل الشركات الكبرى، حيث تتوافق الإدارات العليا على أولويات العام المقبل.

ومع تصاعد زخم الذكاء الاصطناعي في مؤتمر هذا العام، يتخوّف موظفون في شركات تكنولوجية كبرى من أن يكون هذا التركيز مؤشّرا على موجة جديدة من خفض التكاليف وتسريح العاملين، نتيجة الاعتماد المتزايد على أنظمة الذكاء الاصطناعي.

ويقول أحد المهندسين بشركة "أمازون" -فضل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت: "أيادي المئات من الموظفين على قلوبهم تزامنا مع انعقاد صن فالي، لأن الجميع يدرك أن كل اجتماع غير رسمي هناك قد يحمل تغييرات جذرية تمسّنا بشكل مباشر".

إعلان

ولا تقف التغييرات التي يُخشى أن تفرزها نقاشات صن فالي عند حدود تقليص الوظائف أو إعادة هيكلة الشركات، بل تمتد إلى ساحات أشدّ حساسية كالمجال الإعلامي والسياسي في الولايات المتحدة.

فمع تزايد الاعتماد على نماذج الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى وتحليل الرأي العام، تحوّلت هذه الأدوات إلى لاعب أساسي في توجيه الحملات الانتخابية وصياغة الرسائل السياسية، بل قوة غير مرئية تؤثر في مصير الديمقراطية الأميركية نفسها.

وفي هذا السياق، يقول طالب الأشقر: "هذه التجمعات النخبوية -رغم كونها غير رسمية- هي حاضنات لمستقبل حوكمة الذكاء الاصطناعي، وغالبا ما تنبثق عنها تحالفات إستراتيجية ومبادئ لسلامة الذكاء الاصطناعي، وتؤثر بشكل هادئ على التشريعات المرتقبة، وذلك قبل أن يدرك الجمهور نتائجها بوقت طويل".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار