بداية من رسوم الكهوف ومرورا بالآثار اليونانية والرومانية وانتهاء إلى ما بعد كنوز العهد العثماني يوفر المتحف الوطني الليبي بحلته الجديدة فرصة لإعادة اكتشاف تراث يسمو على الأزمات في بلد يعاني انقسامات عميقة.
وبمجرد عبور عتبة السرايا الحمراء (القلعة التاريخية العريقة في قلب طرابلس) ينطلق الزوار في رحلة عبر التاريخ الليبي هي بمثابة رحلة تعريفية لجيل الشباب في المتحف الذي أعيد افتتاحه مجددا في 15 ديسمبر/كانون الأول 2025 في العاصمة الليبية بعد إغلاق استمر نحو 14 سنة.
تقول طالبة الهندسة المعمارية في جامعة طرابلس نرمين الميلادي (22 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية "منذ دخلت إلى المتحف قبل أقل من ربع ساعة وأنا أشعر كأنني سافرت إلى مكان آخر أو زمن آخر".
أما شقيقتها آية -التي تُعد مشروع التخرج بدرجة الماجستير في التصميم الداخلي- فتقول إن ما لفت نظرها هو "توزيع القاعات والإضاءات الدقيقة والمعايير التصميمية وكذلك توزيع الشاشات والوسائل التفاعلية"، مضيفة أن ما أُعجبت بـ"مراعاة سهولة التنقل لذوي الحاجات الخاصة، وهو ما يجعله في متناول الجميع".
بدوره، يوضح عضو مجلس إدارة مصلحة الآثار والبعثة الأثرية الفرنسية محمد فكرون أن المتحف الوطني يمتد على مساحة 10 آلاف متر مربعة موزعة على 4 طوابق.
ويتذكر فكرون البالغ 63 عاما أن مصلحة الآثار وخوفا من أعمال النهب والتخريب التي أعقبت الثورة الليبية عام 2011 نقلت كل القطع الأثرية وحفظتها في أماكن آمنة.
من جانبها، أكدت مديرة للمتحف الوطني فتحية عبد الله أحمد أنه منذ بدء الاضطرابات حرصت "مصلحة الآثار والعاملون فيها على الحفاظ على سلامة هذه القطع والموروث التاريخي والحضاري الذي يهم كل الليبيين".
وكانت المديرة الجديدة للمتحف من بين القلائل الذين يعرفون موقع الغرف المسورة التي خُبئت فيها كنوز المتحف لأكثر من عقد، مما أتاح الحفاظ عليها في انتظار إعادة افتتاحه "بحلة حديثة ترقى إلى المعايير العالمية".
وباعتزاز، يشرح فكرون أن المتحف خصص غرفة كاملة "لابن مدينة لبدة الكبرى الليبية الساحلية (Leptis Magna) سيبتيموس سيفيروس الذي حكم الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث"، وغرفة أخرى لعرض قطع أثرية مسروقة تمت استعادتها، ولا سيما من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وترى مهندسة التصميم الداخلي آية البالغة 26 عاما أن "إعادة افتتاح المتحف الوطني في هذا التوقيت بالذات تعني أن طرابلس بدأت تستعيد روحها، لأن المتحف هو في نظرنا رمز للتاريخ، وعودته مؤشر استقرار".
وتضيف أن "هذه خطوة مهمة لتذكير الليبيين جميعا بأن يتصالحوا مع بعضهم بعضا ومع ماضيهم العريق الذي يجهله كثيرون منهم".
وتؤكد المدرّسة فاطمة الفقي (48 عاما) أن "هناك فرقا شاسعا" بين المتحف القديم الذي زارته في رحلة مدرسية قبل 30 عاما والمتحف الذي "أعيد اكتشافه اليوم".
ورغم الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها ليبيا الدولة الغنية بالنفط -والتي تواجه نقصا متكررا في السيولة- فإن حكومة طرابلس استثمرت ما يناهز 6 ملايين دولار في ترميم الموقع والمناطق المحيطة به.
ويوضح فكرون أن العمل الذي امتد على مدى 6 سنوات نُفذ "بالتعاون مع البعثة الفرنسية ومؤسسة ألف (وهي تحالف دولي لحماية التراث في مناطق النزاع)".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة