عندما تمر قطة سوداء فجأة في الطريق خلال فصل الشتاء المظلم يصاب الكثيرون برد فعل فوري من الانقباض أو الخوف. يُعتقد أنها رمز للشؤم خاصة إذا عبرت الطريق من اليسار إلى اليمين.
بعيونها الثاقبة وفرائها اللامع وحركتها الرشيقة والصامتة تحيط بالقطة السوداء هالة غامضة فهي في العديد من الثقافات رمز للعالم الخارق.
مع اقتراب عيد الهالوين في 31 أكتوبر/ تشرين الأول تظهر هذه الكائنات السوداء في كل مكان: كزينة في الأفلام أو على الأزياء التنكرية. لكن كيف أصبحت القطط السوداء رمزا للرعب في الهالوين؟
جاءت سمعة القطط السوداء الغامضة من العصور الوسطى. كانت تُعتبر كبش فداء وضحية لمخاوف البشر من الشر: أثناء مطاردة الساحرات كان يُعتقد أن القطط السوداء ساحرات متحولات تتسلل عبر الليل لإحداث الشر. وكانت تُعتبر مخلوقات شيطانية وغالبا ما كانت تُحرق مع الساحرات المزعومات. وفي بعض اللوحات القديمة والرسوم التوضيحية تُرى القطط السوداء غالبا برفقة الساحرات.
2021 قطة صغيرة سوداء على خلفية داكنةصورة من: Ales Munt/Zoonar/picture allianceوفي بعض مناطق فرنسا وحتى القرن الثامن عشر كان يُلقى بـثلاث عشرة قطة سوداء حية في النار خلال الانقلاب الصيفي للشمس أما في مدينة يبر البلجيكية فكان يُرمى بها من برج الكنيسة حسبما يصف الصحفي الفرنسي جان لويس هو في كتابه "القطط".
وأول المهاجرين الأوروبيين أخذوا خرافاتهم ومعتقداتهم حول القطط السوداء معهم إلى العالم الجديد. عندما أصبح الهالوين احتفالا شعبيا في الولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر تحولت القطة السوداء إلى جزء أساسي من هذا العيد.
وحتى اليوم تجلس القطة السوداء داكنة كالظلام بظهر منحني وعيون متوهجة مشبوهة على بطاقات الهالوين وتماثيل القبور واليقطين المنحوت.
ليست القطة السوداء رمزا للشؤم في كل الثقافات. في بريطانيا و إيرلندا يُعتقد أن مرور القطة السوداء في الطريق أو دخولها المنزل يجلب الحظ. وفي اسكتلندا تشير القطة السوداء الواقفة على عتبة الباب إلى الازدهار والرخاء. وفي اليابان أيضا تُعتبر القطة السوداء رمزا للحظ والازدهار ويُعتقد أنها تحمي من الأمراض.
القطة السوداء موجودة ضمن القطط الرافعة للسلامManeki-neko) ( وهي تمائم الحظ اليابانية التقليدية وتُستخدم لطرد الأرواح الشريرة. كما يُقال إن المرأة التي تمتلك قطة سوداء تحظى بحظ أفضل مع الرجال.
كما كان يُفضل رؤية القطط السوداء على السفن إذ كانت تُعتبر أحد علامات الحظ الجيد تحمي من العواصف وتضمن العودة الآمنة فضلا عن ملاحقتها للفئران والجرذان. وفي مصر القديمة كانت تُعبد الإلهة باستت (Bastet) كحامية للحوامل والأمهات والأطفال بالإضافة إلى كونها مسؤولة عن الفرح والموسيقى والرقص. وصُوّرت في البداية بجسد إنسان ورأس قطة ثم غالبا كقطة كاملة، وغالبا سوداء اللون.
ألبانيا، تيرانا 2025، قطة سوداء في وسط المدينةصورة من: Armando Babani/ZUMA/picture allianceتُظهر الصلة المزعومة بين القطط السوداء والسحرة نفسها أيضا في التمائم والتعاويذ التي يُستخدم بعضها حتى اليوم عند الأطفال في رياض الأطفال مثل: "القط الأسود ثلاث مرات".
هناك أيضا لعبة شعبية للأطفال باسم "القط الأسود المسكين": يحاول طفل جعل آخر يضحك عن طريق التصرف كقطة أمامه بطريقة مضحكة ويجب على الطفل الآخر أن يقول "القط الأسود المسكين" ثلاث مرات دون أن يضحك.
تقول أسطورة إن الله خلق القطة السوداء قبل الغراب ولهذا حصلت على أصفى لون أسود. لكن لون فرائها ليس له علاقة بالخرافات أو السحر بل بالوراثة: جين B مسؤول عن إنتاج صبغة الإيوميلانين (Eumelanin) الداكنة التي تصبغ الفراء وغالبا الأنف والمخالب باللون الأسود.
معظم القطط السوداء ذكور وذلك لأن جين B موجود على الكروموسوم X وللذكور كروموسوم X واحد فقط بينما الإناث لديهن اثنان ويكون وجود الجين على كلاهما أمرا نادرا.
يبدو أن المتغير الجيني المسؤول عن الفراء الأسود يوفر أيضا مقاومة ضد بعض الأمراض مشابها لما توفره بعض الجينات لدى البشر ضد فيروس نقص المناعة المكتسبة.
وقد اكتشف هذا الباحثون في المعاهد الوطنية للصحة الأمريكية وهي جهة تابعة لوزارة الصحة الأمريكية. اللون الداكن يمكن أن يكون أيضا حيويا لبقاء القطط: فهو يعمل كتمويه أثناء الليل وحماية أثناء الصيد.
إسبانيا، روندا 2025 ، قطة سوداء ذات عيون خضراء على أحجار الرصيفصورة من: joseantona/imageBROKER/picture allianceفي الفن والثقافة للقطط السوداء مكانتها الثابتة. في عام 1843 خصص إدغار آلان بو قصة قصيرة مرعبة بعنوان "القط الأسود" تدور حول القتل والجنون. وفي الثقافة الشعبية لاحقا أصبحت القطط في مسلسل الرسوم المتحركة "ساحرة القمر" تظهر لونا، القطة السوداء الناطقة وعلامة القمر على جبينها كمرشدة وحامية للبطلّات رمز الحدس والحكمة الأنثوية.
وفي أفلام تيم بورتون مثل "كابوس قبل عيد الميلاد" و"عروس الجثة" تُعد القطط السوداء جزءا من اللغة البصرية الغريبة للأفلام جمالية وملؤها الحزن. ومع نجاح فيلم الأبطال الخارقين "النمر الأسود" (2018) بدأ الكثير من الناس في تبني القطط السوداء المنزلية وتسميتها بأسماء شخصيات الفيلم. وفي ثقافة الروك والغوثيك تُعتبر القطط السوداء رمزا للفردية والجاذبية الغامضة وللأناقة والابتعاد عن المألوف والفخر.
في الهالوين تمثل القطط السوداء العالم الغامض بين الخير والشر: ليست جيدة تماما ولا شريرة تماما، بل في المنتصف وربما يكمن سحرها في هذا فهي تجسد جوهر الهالوين نفسه: اللعب بالخوف والمتعة في الغموض.
رغم مكانتها الثقافية لا تزال القطط السوداء تواجه التحيزات التي تتجاوز مجرد الخرافات. في استطلاع أجراه الاتحاد الألماني لحماية الحيوانات عام 2020 أكدت 48% من ملاجئ الحيوانات أن القطط ذات الفراء الأسود أصعب في التبني. ويبدو أن العديد من الناس يجدون القطط السوداء أقل جاذبية ويفضلون الحيوانات ذات الألوان الأخرى.
كما أن تصوير القطط السوداء أصعب فهي ليست "صديقة للإنستغرام" مثل القطط الفاتحة اللون. ويحرص العديد من ملاجئ الحيوانات على عدم تبني القطط السوداء حول عيد الهالوين لتجنب استغلالها كأدوات للمرح أو ضحايا للطقوس.
عند بعض القطط السوداء يظهر بين الحين والآخر شعرة بيضاء هنا وهناك…صورة من: Sabine Fallend/imageBroker/picture allianceتحاول اليوم الحملات تصحيح الصورة النمطية عن القطط السوداء: تم إطلاق يوم تقدير القطط السوداء في الولايات المتحدة عام 2011 في 17 أغسطس واليوم الوطني للقطط السوداء في المملكة المتحدة في 27 أكتوبر لإظهار أنها ليست رموز شؤم، بل مجرد قطط ذات شخصية فريدة. وقد عبر الكاتب الفرنسي ماكس أريل في القرن التاسع عشر عن الفكرة بدقة: "سواء جلبت القطة السوداء الحظ السعيد أو الشؤم يعتمد على ما إذا كنت فأرا أم إنسانا".
وربما حان الوقت لنرى القطط السوداء في الهالوين ليس كرموز للرعب، بل كما هي حقا: أنيقة وغامضة ومستقلة وقليلة السحر.
أعده للعربية: م.أ.م
المصدر:
DW