آخر الأخبار

إلى المتظاهرين في طرابلس والمنطقة الغربية عمومًا

شارك

أولًا فإن التظاهر السلمي حق مكفول وليس مكرمة من أحد ، أمّا الحديث عن واقع المنطقة الشرقية فهو حكم عسكري عائلي استبدادي خارج عن كل المقاييس لا يختلف في هذا الجانب كثيرًا عن حقبة القذافي.

المساحة المتاحة للتعبير في الغرب الليبي تحاول الحكومة أن تُجيّرها على أنها مكرمة منها في حين أن الجميع يعلم أنها لا تسيطر فعليًا على أي شيء ، سوى كونها غطاءً لمراكز قوة ونفوذ مالي وأمني واجتماعي ، فالحكومة مجرد طرف في هذه الفوضى وقد أثبتت الأحداث أنها على استعداد لقمع كل مخالف كلما سنحت لها الظروف في السابق..
إن خروج الناس اليوم إلى الشوارع في طرابلس والمنطقة الغربية هو تعبير صادق عن غضب مشروع وعن ضيق حقيقي من واقع سياسي واقتصادي لم يعد يُحتمل ، فالمطالبة بإنهاء حكومة الدبيبة ليست نزوة بل حاجة ملحة نتيجة تراكم طويل من الإفساد والنهب المكشوف وتحويل الدولة ومقدراتها ومؤسساتها إلى مزرعة خاصة لدعم الاستمرار لفترة أطول ، حتى أن بعض المشاريع اتضح أنها شكلية مكلفة لخدمة الغرض نفسه أو وعود وهمية ، وكل ذلك بالتأكيد يُسرّع الانهيار والفشل اقتصاديًا وأمنيًا – وهو ما يجري الآن.

لكن – ومن باب الحرص لا أكثر على أن تؤدي المظاهرات إلى تحقيق أهدافها ، يجب الانتباه إلى الشعارات والمطالب المرفوعة ، بأن تكون واضحة ومحددة ضد الفساد شرقًا وغربًا ، ورفض حكم العائلات والاستبداد ، والضغط على كل الأطراف خاصة بعثة الأمم المتحدة بأن تتحمل مسؤولياتها والتسريع بتنفيذ خارطة الطريق التي تؤدي إلى توحيد المؤسسات وتجديدها.

أمّا رفع شعارات مثل ( إسقاط كل شيء ) – رغم كونه مبررًا إلا أنه يساعد على تمترس الجميع بحجة ( لا نخرج حتى يغادر الجميع ) ، وهذا شرط مستحيل دفعة واحدة وهو عين ما تتمسك به الحكومات الفاسدة ، فالمطالبة بـ( الدستور أولًا ) على سبيل المثال ، و رغم أنه خيار مشروع إلا أنه قد يُستخدم للتعجيز، فلا يُسقط الأزمة بل يُمدّدها ولا يُضعف الحكومة بل يمنحها مبررًا إضافيًا للبقاء.

حكومة الدبيبة قامت أصلًا على فكرة الفراغ وتغذت على غياب البدائل وتعيش سياسيًا على استمرار الانقسام وتعطيل الحلول – فكلما ارتفع سقف المطالب إلى حد الإلغاء الكامل دون مسار واضح كلما طال عمر الأزمة ومعها يطول عمر هذه الحكومة.

المطلوب اليوم شعارات ذكية لا صاخبة فقط، شعارات تُصيب الهدف ولا تشتته ، فالتركيز يجب أن يكون على إسقاط حكم العائلة وعلى محاربة الفساد بلا ازدواجية ، في الشرق كما في الغرب، دون انتقائية أو تبرير – فالفساد واحد مهما اختلفت الجغرافيا ومواجهته لا تكون بشعارات عامة بل بمطالب محددة تُضيّق الخناق على من يمارسه ويحميه.

أمّا المطالب الصفرية فهي قد تُشبع الغضب لحظة لكنها عمليًا تزيد أمد الصراع وتفتح الباب أمام مزيد من الفوضى وتُضيع تضحيات الناس في الشارع.

الاحتجاج الحقيقي لا يُقاس بحدّة الشعارات بل بقدرتها على فرض تغيير ممكن تدريجي لكنه حقيقي، والشارع اليوم يملك قوة معنوية كبيرة والأهم ألّا تُهدر هذه القوة في مسارات تخدم خصوم التغيير دون قصد، فليبيا لا تحتمل دورة فشل جديدة ولا مزيدًا من الوقت الضائع.

وعلى القوى السياسية والأحزاب أن تحوّل مطالب الشارع إلى مشاريع تغيير، لذلك فإن فكرة الضغط على البعثة للقيام بواجبها، ورفع شعارات ضد مراكز القوة والنفوذ وتهديدهم بغضب الشعب وكذلك الأطراف الدولية المتدخلة سلبيًا في ليبيا، يُعدّ من المسارات المهمة.

ومنها المطالبة بأن يقوم المجلس الرئاسي الحالي بتكليف أحد الوزراء في حكومة الوحدة لتصريف الأعمال إلى حين الاتفاق على تسوية وغيرها من الحلول التي تمنع البعض من المشاركة خوفًا من مزيد من الفوضى والفراغ أو أن يُترك المجال مفتوحًا لترويج أن بديل حكومة طرابلس هو حفتر وحكومته الذين هم شركاء من تحت الطاولة مع حكومة طرابلس، وهو ما لا يقبله أحد.

الخطورة في حكومة طرابلس أنها أصبحت محلِّلًا وعرّابًا للفساد وللصفقات داخليًا وخارجيًا، ما دامت في وضع ضعيف هدفه الاستمرار، وهو أمر يهدد بشكل واضح ثروات ليبيا تحت الأرض وفوقها وأموالها المجمدة ومؤسساتها السيادية التي تمثل عقل الدولة الذي يجب المحافظة عليه بعيدًا عن نظام الحكم الذي هو بطبيعته متغير.

الرائد المصدر: الرائد
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا