آخر الأخبار

المحكمة العليا تستنكر تصريحات «عقيلة صالح» حول السلطة القضائية

شارك

أعربت الجمعية العمومية للمحكمة العليا عن بالغ أسفها، وشديد استنكارها لما جاء في تصريحات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، واعتبرتها سابقة خطيرة، تجاه السلطة القضائية في البلاد، متمثلةً في قمة هرمها، ولمساسه بسمعة رئيسها المهنية ونعته وإياها ظلماً بالتحيز وعدم النزاهة.

جاء ذلك في بيان تلقت “عين ليبيا” نسخة منه، عقب اتعقاد اجتماع غير عادي للجمعية العمومية المشكّلة من كلّ المستشارين بالمحكمة، حيث انعقد اليوم الأربعاء بكامل أعضائها، وبرئاسة رئيس المحكمة العليا، في اجتماع فرضه اعتداء من رئيس مجلس النواب عليها وتعرّض منه لهيئات السلطة القضائية برمتها، وتبصرة للمواطنين، بوصفهم أصحاب السيادة، بحقائق الأمور.

وبحسب البيان، فقد بات من المستقر عليه في قضاء المحكمة العليا أن لمجلس النواب، في ظل الإعلان الدستوري وخلال المرحلة الانتقالية، سلطة مؤقتة بموجب الدستور، إذ رسم جدول عمله، وقصر مهمة التشريع الموكلة إليه على متطلبات المرحلة بما يكفل تسريع الانتقال إلى المرحلة الدائمة، نأياً به عن استنفاد طاقاته في غيرها.

وأكد البيان أن السلطة القضائية في البلاد، وعلى رأسها المحكمة العليا، سلطة عريقة لم يطالها بسبب الثورة ولا من قبل تغيير ولا تبديل، بل ظلت لتماسك بنيانها صرحاً مستقلاً قائماً بمؤسساته وأنظمة عمله، يؤدي وظيفته على تمامها، وعملاً بمبدأ “استمرار مؤسسات الدولة بعد الثورة”، أخرج الإعلان الدستوري تنظيم شؤونها عن اختصاص سلطة التشريع المؤقتة، وعليه، فإن رئيس مجلس النواب إذ يتعرض اليوم لها، فإنه يأتي عملاً محظوراً مخالفاً لأحكام الدستور.

وأوضحت الجمعية العمومية للمحكمة العليا أن إنشاء محكمة دستورية مسألة دستورية يختص بتقريرها دستور البلاد لا سلطة التشريع، فضلاً عن أن تكون هذه السلطة مؤقتة محدودة الاختصاصات في إطار ما تطلبه مرحلة الانتقال من الثورة إلى حالة الاستقرار.

وأضافت أن نعت رئيس مجلس النواب للمحكمة العليا بمحكمة “النقض”، وتعييبه لقضائها وإنكار حجيته يشكل تجاوزاً لحدود السلطة، وضرباً بأحكام القضاء وقدسيتها عرض الحائط، وهو بذلك يهدم ركن العدالة، ويمس مساساً خطيراً بركيزة الفصل بين السلطات، ويُهدد شرعيته، وقد يجهض هدف المرحلة ويجرّ البلاد إلى مخاطر الفوضى القانونية والتسلّط واللاشرعية.

وأشارت إلى أن الزعم بتفرغ المحكمة العليا للرقابة على دستورية القوانين فحسب، وما يستبطنه من إيحاء بانخراطها في العمل السياسي، مخالف للحقيقة، فالمحكمة العليا، امتثالاً لوظيفتها القضائية، والتزاماً بواجبها الوطني ومسؤوليتها التاريخية، تمنح كل وظيفة من وظائفها نصيبها من الوقت والجهد. وما رقابتها الدستورية إلا إحدى واجباتها، شأنها في ذلك شأن رقابتها على المحاكم الدنيا، بالأولى تصون الشرعية الدستورية، وتكفل بالثانية توحيد تفسير القانون وتطبيقه الصحيح.

وأضاف البيان أن الادعاء بأن المحكمة العليا تقضي بعدم دستورية جميع القوانين الصادرة عن مجلس النواب المؤقت ادعاء باطل، يكذبه الواقع المعلوم للجميع، وتدحضه الإحصائيات والسجلات القضائية المتاحة لكافة، والتي تشهد أن أحكام المحكمة في الطعون الدستورية تتردد بين عدم الاختصاص، وعدم القبول، وإثبات الترك، والرفض، وعدم الدستورية، وأن القوانين التي قضت المحكمة بعدم دستوريتها لا يصل عددها إلى عشرة قوانين من إجمالي ما أصدره مجلس النواب من تشريعات خلال 11 عاماً.

وجاء في البيان أيضا: “لا المحكمة العليا ولا رئيسها بخصم لأي طرف في الطعون التي تفصل فيها.. إنها في الطعن الدستوري تلتزم، أمام الله تعالى ثم الدستور، حياداً تزن فيه مناعي الطاعن ودفاع سلطة التشريع بميزان الشرعية الدستورية عبر إجراءات تحضير وفحص ومداولة بأيدي مستشاري دوائر المحكمة مجتمعة.. وتحقيقاً لمبدأ العلنية على أوسع نطاقه، لا تقف عند مجرد القضاء بالدستورية أو بعدمها، بل يتصدّر منطوق حكمها تأسيس قانوني منشور تتعمّد فيه التفصيل والتأصيل، تبصيراً للمتقاضين والرأي العام على السواء بأسانيد الحكم وعدالته”.

ولفت البيان إلى أن ما يلوح به رئيس مجلس النواب من انقسام المؤسسة القضائية، محملاً المحكمة العليا مسؤوليته، يشكّل مغالطة كبرى أريد بها التملص من تبعات موقف مجلس النواب تجاه السلطة القضائية، فالمحكمة العليا إنما تلتزم واجبها في تطبيق الدستور وحراسته، وأما تدخل مجلس النواب المؤقت في شؤون القضاء ومؤسساته تحت ستار إعادة تنظيمه، فهو ما يشكل مساساً باستقلال القضاء، وإضعافاً لسلطانه، وتنكراً لعدالته، وهو بهذا ما يزرع بذور انقسامه.

كما أكد البيان أن الجمعية العمومية هي من اختارت رئيس المحكمة العليا من بين مستشاريها، وهو ما اعتمده مجلسا الدولة والنواب. وإن ما انطوت عليه كلمة رئيس مجلس النواب من إهانة للسلطة القضائية، ومساس بسمعة رئيس المحكمة العليا، يشكل من جانبه أفعالاً مجرمة بعدة نصوص جنائية.

واختتمت الجمعية العمومية للمحكمة العليا بيانها بالتأكيد، أن واجبها أمام الله تعالى، والوطن، والدستور، والتاريخ يفرض عليها المضي قدماً في أداء وظيفتها في الرقابة الدستورية، وأنها ستظل ذائداً عن حوزة الدستور ضد مخالفات السلطة التشريعية لكبح جماحها، وتكشف عما انحرف من أعمالها، وتردها إلى حظيرة المشروعية كلما تخطتها، صوناً للحقوق والحريات من الانتقاص، وإسهاماً منها بما تملك في الانتقال بالبلاد إلى حالة الاستقرار.

وأكدت المحكمة العليا أن بابها سيظل مفتوحاً أمام الطعون الدستورية إلى أن يقضي الدستور الدائم للبلاد بغير ذلك، ترسيخاً للحق في التقاضي، وحملاً للأمانة العظيمة الملقاة على عاتقها.

آخر تحديث: 31 ديسمبر 2025 - 23:47
عين ليبيا المصدر: عين ليبيا
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا