آخر الأخبار

بين الاحتواء والتصعيد.. برّي يفتح نافذة في واشنطن قبل الانفجار

شارك
لا يمكن قراءة الحراك السياسي الدائر حول لبنان اليوم بوصفه مجرد اتصالات دبلوماسية تقليدية، إذ يتّضح أن مسار التفاوض الفعلي بات يدور خارج السياقات المعهودة، وفي مساحة ضيّقة تفرضها طبيعة اللحظة الإقليمية وتسارعها. وفي هذا السياق، يبرز دور رئيس مجلس النواب نبيه بري كقناة تواصل غير مباشرة بين واشنطن و" حزب الله "، في محاولة لالتقاط فرصة زمنية قصيرة تسبق الاستحقاقات الكبرى المنتظرة، وفي مقدّمها اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. ويأتي هذا التحرّك في لحظة يتراجع فيها هامش المناورة السياسي إلى حدّه الأدنى، بحيث يتحوّل الوقت نفسه إلى عامل ضغط حاسم، فلا يعود الرهان على تحسين الشروط أو تسجيل المواقف مجدياً، بقدر ما يصبح الهدف الأساسي منع الانزلاق نحو انفجار واسع بات احتمالاً قائماً في ظل انسداد الأفق التقليدي.

ويأتي هذا التحرّك في سياق خبرة راكمها رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر سلسلة لقاءات مع الوفود الدولية، خلص خلالها إلى أن ميزان التأثير على إسرائيل لم يعد موزّعاً داخل المؤسسات الأميركية كما في مراحل سابقة، بل بات متركّزاً عملياً في يد الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وعلى هذا الأساس، يتقدّم خيار إيصال الموقف اللبناني مباشرة إلى البيت الأبيض، في مسعى لتجاوز ضغوط بعض الدوائر اللبنانية والأميركية المتشددة، والتي لم تُفضِ مقارباتها السابقة إلا إلى مزيد من الانسداد. ويستند هذا التوجّه، وفق مصادر سياسية مطّلعة، إلى قناعة مفادها أن أي محاولة للضغط على "تل أبيب" عبر القنوات التقليدية باتت بلا جدوى فعلية، في حين يبقى الرهان الوحيد معقوداً على شخصية ترامب وقدرته على فرض إيقاع مختلف متى اقتنع بجدوى ذلك.

وضمن هذا المسار، يكتسب حضور السفير الأميركي في بيروت ميشال عيسى أهمية استثنائية، ليس من موقعه الدبلوماسي فحسب، بل من طبيعة علاقته الشخصية بالرئيس الأميركي. وقد أتاح هذا العامل فتح باب تجربة تشاور غير مسبوقة، تهدف إلى نقل قراءة لبنانية مباشرة للوضع القائم، ومحاولة البحث عن ثغرة سياسية يمكن البناء عليها للخروج من حالة الاشتعال الدائم. وفي هذا الإطار، لم يلقَ الاقتراح بفتح هذا المسار اعتراضاً، بل قوبل باستعداد للاختبار، بما يعكس إدراكاً متبادلاً بأن الجمود القائم لم يعد قابلاً للاستمرار.

وفي هذا السياق، بدا لافتاً ما طرأ من تبدّل في المقاربة الأميركية لملف السلاح. فبدلاً من التركيز الحصري على فكرة النزع، بدأ يظهر تداول لمفهوم الاحتواء بوصفه مدخلاً أكثر واقعية، يقوم على التعامل مع الوقائع الميدانية كما هي، بعيداً عن الطروحات القصوى. وترى المصادر أنّ هذا التحوّل يأتي نتيجة قراءة تعتبر أن ما فُرض جنوب الليطاني، إلى جانب ما يُسجَّل شماله من ضبط للحركة العسكرية والحدّ من المظاهر المسلحة، يشكّل تقدّماً ملموساً قياساً بمراحل سابقة، ما يتيح البناء عليه كمسار يمكن أن يقود إلى مستوى أعلى من الاستقرار.

في المقابل، تلفت المصادر الى أن هذا المسار لا يشكّل توجهاً جامعاً داخل واشنطن، إذ يبرز اتجاه أكثر تشدداً يدفع نحو توسيع دائرة المواجهة، بحيث يتجاوز لبنان ليطال المنطقة بأكملها وصولاً إلى إيران . وبين هذين المسارين المختلفين، يتحرّك بري على مساحة ضيّقة، محاولاً إبقاء نافذة سياسية مفتوحة، مستنداً إلى مرونة محدودة لدى بعض الدوائر الأميركية، وإلى موقعه كحلقة وصل قادرة على التواصل مع مختلف الأطراف من دون الانزلاق إلى موقع الاشتباك المباشر.

في المحصلة، يدرك رئيس المجلس أن الوقت ليس في صالح أحد، وأن الرهان على تغيير سلوك إسرائيل لا يمر اليوم عبر توازنات المؤسسات الأميركية، بل عبر مخاطبة رأس الهرم مباشرة. من هنا، تبدو المحاولة الجارية أقرب إلى اختبار أخير لإمكان كبح التصعيد قبل أن تفرض الوقائع الميدانية منطقها. فإذا نجحت هذه القناة في إحداث اختراق ولو محدود، قد تفتح الباب أمام مسار مختلف عنوانه إدارة الصراع. أمّا إذا فشلت، فإن المنطقة ستكون أمام مرحلة أكثر خطورة، حيث تتقدّم خيارات القوة على أي منطق سياسي، وتُقفل آخر النوافذ التي ما زالت متاحة.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا