بالرغم من التوتر السياسي المتصاعد في
لبنان منذ الأسابيع الأخيرة، شكّل
قرار مجلس الوزراء بتعليق عمل جمعية "رسالات" محطة لافتة في المشهد الداخلي، وبرز كمخرج وسط بين الحكومة و"
حزب الله " بعد سجال حاد بين الطرفين. ففي حين رفع رئيس الحكومة
نواف سلام سقف التحدي في البداية وأوحى بأنه ماضٍ في خطوات تصعيدية، عاد وتراجع خطوة إلى الوراء، فنزل عن الشجرة التي صعد إليها سياسياً واختار حلاً أقل حدّة يقوم على تعليق عمل الجمعية بدل سحب ترخيصها بشكل نهائي، بانتظار انتهاء التحقيقات الجارية في الملف.
هذا القرار، وإن بدا في الشكل إجراءً إدارياً، إلا أنه في المضمون يعكس موازين القوى داخل
السلطة اللبنانية وحدود كل طرف في لعبة شدّ الحبال. فوفق مصادر سياسية مواكبة فإن ما حصل لا يمكن النظر إليه كحادثة معزولة، بل يجب وضعه في سياق أوسع لما جرى في الروشة وبعض
المحطات الأخرى في الأسابيع الماضية، والتي تكشف مجتمعة عن تحوّل مهم في قواعد اللعبة السياسية. فـ"حزب الله" الذي بدا في مراحل سابقة أقل قدرة على التأثير في قرارات الدولة التنفيذية، نجح هذه المرة – ولو بشكل محدود – في رسم خطوط حمراء يصعب على أي طرف تجاوزها من دون حساب.
هذا التحول، بحسب المتابعين، لا يعني بالضرورة أن "الحزب"استعاد كل عناصر قوته أو أنه عاد ليمسك بمفاصل القرار كما في مراحل سابقة، لكنه يشير بوضوح إلى أن ميزان القوى الداخلي بدأ يميل مجدداً لمصلحته في بعض الملفات، أو على الأقل أن الأطراف الأخرى باتت أكثر ميلاً إلى مراعاة حساباته السياسية والأمنية. وهو ما يعكسه تحديداً تراجع الحكومة عن قرارها الأولي والقبول بصيغة التعليق المؤقت بدلاً من الإلغاء النهائي، في إشارة إلى أن المواجهة المباشرة مع الحزب لا تزال مكلفة وصعبة.
ويذهب بعض المراقبين أبعد من ذلك في قراءة المشهد، معتبرين أن قدرة الحزب على فرض إيقاعه السياسي في هذا الملف، في وقت لا يزال فيه التوازن العسكري مع
إسرائيل غير مفعل بالكامل، تحمل دلالات عميقة. فهي تعني أن الحزب، رغم انشغالاته والقيود المفروضة عليه، ما زال لاعباً أساسياً في المعادلة
اللبنانية وقادراً على حماية بعض مصالحه وخطوطه الحمراء داخل النظام. كما تعني أيضاً أن أي محاولة لتجاوز هذه الخطوط ستصطدم بردود فعل غير مضمونة، ما يجعل الكثير من
القوى السياسية تفكر ملياً قبل الإقدام على خطوات تصعيدية.
لا يمكن التقليل من أهمية ما حدث. فقرار تعليق "رسالات" لم يكن مجرد تفصيل إداري، بل محطة تكشف أن المشهد السياسي في لبنان يشهد إعادة رسم بطيئة لتوازناته، وأن "حزب الله" – ولو بقدرات محدودة – بدأ يستعيد موقعه في لعبة التأثير الداخلي، في وقت لا تزال فيه المواجهة الكبرى مع إسرائيل مؤجلة.