آخر الأخبار

شهادات عن الحياة بدون GPS.. معاناة اللبنانيين مع التشويش الإسرائيلي

شارك الخبر





في وقت تتقدم الأولويات والاعتبارات العسكرية على كل ما سواها بين لبنان وإسرائيل، إثر تصاعد المواجهة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، يضيق هامش الأنشطة المدنية أكثر فأكثر، في السماء والبحار وعلى الأرض، فتحجب الأجواء عن الطائرات المدنية لصالح الطيران الحربي والمسيرات والصواريخ، وتقيد الملاحة البحرية لصالح البوارج العسكرية، وتخلى البلدات والمدن على جانبي الحدود من سكانها لتصبح ميدانا للجنود والمقاتلين وهدفاً للقصف المتبادل.

الأمر نفسه ينسحب على المجالات الأخرى، مثل التكنولوجيا والتقنيات، التي باتت معسكرة هي الأخرى، في خدمة المعركة الدائرة.  وعلى مدى أشهر الحرب التسعة الماضية، لم يسلم لبناني تقريباً من التأثر بالتشويش الجاري على نظام تحديد المواقع GPS، في لبنان.

كلٌّ بحسب مجاله واستخداماته، نال نصيبه من تداعيات غياب خدمة باتت تمثل اليوم ضرورة من ضرورات الحياة، ويشكل حجبها انتهاكاً لحقوق المدنيين في الاستفادة منها، وفق الخبراء، بعدما بات الاعتماد عليها يدخل في أبسط وأدق تفاصيل الحياة، فيما غيابها يترك تداعيات اجتماعية اقتصادية وأمنية كبيرة، وينذر بكوارث تصل إلى حد تهديد السلامة العامة والأرواح.

من الجو إلى البحر

مطلع شهر أغسطس الجاري، أعلنت الخارجية اللبنانية، عن تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي وأمام الأمين العام للأمم المتحدة عبر بعثتها الدائمة في نيويورك، اتهمت إسرائيل بممارسة هذا التشويش، وطالبت بإدانة "الاعتداءات الإسرائيلية السيبرانية على لبنان."

وأضافت أنّ "هذه الاعتداءات تشكل خطرا جديا على خدمات الطيران المدني فيه، وتهدّد أمن شبكات الاتصال والأجهزة والتطبيقات والبيانات الإلكترونية وسلامتها في المنشآت والمرافق الحيوية اللبنانية."

وهي الشكوى الثانية من نوعها بعد الأولى في مارس الماضي، حيث يعبر لبنان الرسمي بصورة مستمرة عن قلقه من تأثير التشويش على الملاحة الجوية بشكل خاص، حتى أن المديرية العامة للطيران المدني أوعزت إلى الطيارين المتجهين من وإلى مطار بيروت، "بضرورة الاعتماد على التجهيزات الملاحية الأرضية، وعدم الاعتماد على الإشارة التي يلتقطونها عبر GPS نتيجة التشويش القائم في المنطقة، وحفاظا على السلامة."

وكانت وكالة السلامة الجوية الأوروبية EASA قد أبرزت المخاطر الجسيمة الناجمة عن التشويش والتزييف لإشارات GPS في نشرتها المعلوماتية الأمنية بتاريخ 6 نوفمبر 2023، التي تؤثر على كل شركات الطيران في شرق البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك حركة الإقلاع والهبوط وتحديد الموقع خلال الملاحة وارتفاع مخاطر الاصطدام، فضلاً عن تعطيل العديد من طبقات الحماية المرتبطة بالصدمات، والتي تعتمد على تحديد الموقع الجغرافي والارتفاع، إضافة إلى قياس حالة الطقس والرياح وغيرها.

وكان لطائرات "الدرون" الخاصة بالتصوير الجوي، والمستخدمة لأغراض مدنية، نصيب كبير من آثار التشويش على حركة طيرانها، حيث سلط تقرير لموقع "الحرة" الضوء على حجم الخسائر التي تعرض لها أصحاب هذه الطائرات وشركات تصوير الأعراس والحفلات بسبب غياب خدمة GPS، ما أدى إلى تحطم واختفاء أعداد كبيرة منها، وقدم النصائح اللازمة لتفادي تداعيات المشكلة.

طائرات التصوير تتساقط في لبنان والخسائر كبيرة.. ما السبب وكيف يمكن تفاديه؟
لم يكن يعلم حسين بزوني، صاحب شركة تصوير مناسبات وحفلات، عندما أطلق طائرة التصوير المسيرة (كوادكوبتر) ليلة الثاني من يونيو الماضي، خلال تصويره لحفل على شاطئ الرميلة قرب مدينة صيدا، جنوب لبنان، أنه سيفقدها للأبد، "كانت إشارة الإرسال للأقمار الاصطناعية ممتازة على الأرض، ولكن حين ارتفعت في الجو انعدمت الإشارة وبلغت صفر، وبغياب الـ GPS فقدتُ السيطرة عليها تماماً، ثم اتجهَت في رحلة أخيرة فوق البحر إلى أن اختفت."

آثار التشويش نفسها، تنعكس على الملاحة البحرية أيضاً حيث تأثرت بدورها حركة الملاحة البحرية، وواجهت سفن عدة خلال الأشهر الماضية صعوبات في تحديد مواقعها على السواحل اللبناني، وضمن نطاقات في المياه الدولية يصلها التشويش أيضاً.

وباتت بعض السفن تفضل أن ترسو نهاراً في الموانئ اللبنانية بالاعتماد على العين المجردة بدلاً من الليل حيث يتم الاعتماد بصورة أساسية على GPS.

حتى صيادو الأسماك باتوا يواجهون صعوبات أضعفت إنتاجيتهم نتيجة التشويش، وذلك نتيجة اعتمادهم الكبير في عملية إبحارهم وتحديد مواقع الصيد التي يتجهون إليها ويعودون لها بعد اكتشافها، على خدمات GPS، وفق ما يؤكد محمد سليم، رئيس تعاونية الصيادين في منطقة الصرفند، جنوب لبنان.

ويتحدث سليم لموقع "الحرة" عن خسائر كبيرة في الإنتاج حيث انخفضت كمية صيد للأسماك نتيجة عدم التمكن من تحديد أماكنها، "الآن الصيد عشوائي بطريقة غير مدروسة، فقط كي لا يبقى الصيادون دون طعام."

يقول مدير برنامج الإعلام في منظمة سميكس المعنية بالحقوق الرقمية، عبد قطايا، إن نظم الملاحة الجوية والبحرية، في نهاية الأمر لديها أنظمة تحديد مواقع رديفة وبديلة عن GPS عبر الرادارات الأرضية والبحرية وموجات لتحديد المواقع وغيرها وعلى الرغم من أن عدم استفادتها من GPS قد لا يعرقل عملها نهائياً إلا أنه يزيل من طبقات الحماية التي يمثلها نظام تحديد المواقع.

لكن هذه البدائل غير متوفرة للناس العاديين الذين يعتمدون على GPS في أعمالهم وحياتهم اليومية، حيث يتم عرقلتها بصورة شبه نهائية ما يجبرهم على اللجوء إلى أساليب تقليدية في تحديد المواقع تتطلب جهداً أكبر، وأقل دقة، وفي كثير من الأحيان يفرض تكاليف إضافية.

على الأرض.. الوضع أصعب

يمكن فهم حجم تأثير التشويش على حياة الناس وتصورها، من خلال مراجعة لحجم التقنيات والأعمال والخدمات التي تعتمد على GPS في تحديدها للمواقع.

سائقو سيارات الأجرة، لاسيما العاملين على تطبيقات المواصلات، مثل "أوبر"، أو حتى الذين يعملون لحسابهم الخاص، كانوا من أبرز المتضررين، إلى جانب عمال التوصيل إلى المنازل، حيث تسبب التشويش بعرقلة واسعة لأعمالهم.

يروي حسن سعيد (٤٢ عاماً)، سائق سيارة أجرة، كيف تحولت أولى أيام التشويش إلى كابوس في عمله، حيث تفاجأ بعد رحلة طويلة إلى بيروت أن الموقع المحدد له عبر "غوغل مابس" كان يشير إلى مطار بيروت وليس إلى وجهته، وفي مرة أخرى قاده إلى عنوان عشوائي، بينما الركاب ينتظرونه في الجانب الآخر من ضواحي المدينة.

تكرر الأمر في أكثر من رحلة حتى توقف اعتماد حسن على GPS، لكنه بات مضطرا للاتصال بكل زبون للاستفسار عن موقعه بدقة، ثم البحث عن العنوان عند الوصول وسؤال الناس في المحيط، فضلاً عن عدم قدرته على تفادي زحمة السير التي كان يوفرها الاعتماد على "غووغل مابس". ما يعني تكاليف أعلى ووقت أطول وعمل أقل، مع مجهود أكبر.

حال حسن تنعكس على معظم سائقي سيارات الأجرة في بيروت، كما تتكرر في أكثر من قطاع من بينها توصيل الطلبات إلى العناوين (الديلفري)، والتي تشمل قطاعات واسعة مثل المحال التجارية والمتاجر الالكترونية ومحال الزهور والمطاعم وأصحاب المهن الحرة ومخلصي المعاملات، وكل ما يتطلب توصيلاً إلى العناوين، الذي بات يتطلب مجهوداً وتكاليف أكبر.

وصحيح أن جميع السكان يعانون من صعوبات التنقل بسبب غياب الـ GPS، إلا أن الصعوبات تستحيل أخطارا حين تعاني فرق الإنقاذ والإسعاف وإطفاء الحرائق من هذه المشكلة، حيث أفيد في أكثر من واقعة عن صعوبات واجهت هذه الفرق خلال توجهها إلى أماكن مهماتها الإنسانية، خاصة جنوب لبنان، بفعل التشويش الذي تتعرض له شبكة تحديد المواقع، وهو ما يزيد من صعوبات المهمات في زمن الحرب.

وتعتمد الكثير من معدات وتقنيات رصد الأحوال الجوية والتغيرات المناخية وتحديد مواقع الحرائق، على نظام GPS في عملها، وتتأثر بدورها بعمليات التشويش.

كذلك، وبحسب قطايا، تتأثر جودة الاتصالات في البلاد على المستوي التشغيلي، خاصة فيما يخص تواصل أعمدة بث الارسال بين بعضها البعض، والذي يعتمد على GPS لتحديد مكان كل عامود إرسال، من أجل تحويل الإشارة إليه عند تعطل أو توقف واحد منها.

حتى التطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي لم تسلم من التشويش وانعكاساته، حيث أفاد لبنانيون عن ظهور إعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي غير مخصصة للبلاد، بعضها يستهدف السوق الإسرائيلية، أو مخصصة لمدن ودول عربية، فضلاً عن تغييرات في خوارزميات ظهور المحتوى في المناطق الواقعة ضمن نطاق التشويش.

كذلك بالنسبة إلي تطبيقات المواعدة مثل "تندر" أو "غرايندر" التي باتت وبسبب الخلل في تحديد المواقع، تظهر في لبنان أشخاصاً بعيدين من دول أخرى. والأمر نفسه بالنسبة للألعاب الالكترونية التي تعتمد تحديد مواقع اللاعبين وتنظيمهم ضمن نطاقات جغرافية محددة.

قطاع الهندسة أيضاً سجل تأثره، خاصة في الشق الطبوغرافي، الذي يعتمد معدات تعمل بتقنية الـ GPS، والتي باتت بسبب التشويش غير صالحة للقياس، مما اضطر الكثير من مهندسي المساحة ومسّاحي العقارات إلى العودة لاستخدام أدوات أقدم مثل المناظير الخاصة بالمساحة، والتي توقف استخدامها منذ سنوات.

ما هو التشويش وبماذا يختلف عن التزييف؟

ويعمل نظام GPS بالاعتماد على الأقمار الاصطناعيّة (عددها 30 قمراً حالياً)، التي تساعد من خلال بثها لإشارات مستمرة تحمل موقعها الحالي من الأرض، في تحديد موقع أي متلق لتلك الإشارات من خلال قياس مسافة بعده عنها من خلال الوقت الذي تتطلبه الإشارة للوصول.

وهو نظامٌ تملكه حكومة الولايات المتّحدة، وتشغّله القوّة الفضائيّة الأميركية. بدأت هذه التكنولوجيا لأغراض عسكرية خاصة، قبل أن تتاح للمدنيين بصورة مجانية ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الحرة المصدر: الحرة
شارك الخبر

إقرأ أيضا