آخر الأخبار

الجزائر في مجلس الأمن (2024/2025): حين واجهت دولةٌ واحدة منظومة الصمت العالمي

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

● الجزائر في مجلس الأمن (2024/2025): حين واجهت دولةٌ واحدة منظومة الصمت العالمي

الجزائرالٱن _ في السادس من جوان 2023، شهدت قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة لحظة تاريخية حين انتخبت الجزائر للمرة الرابعة في تاريخها كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي للفترة 2024-2025، بحصولها على 184 صوتاً من أصل 193 دولة عضو.

هذه العودة، بعد عشرين عاماً من آخر عضوية (2004-2005)، جاءت في ظل سياق دولي بالغ التعقيد، تميز بالحرب المدمرة في غزة، والصراع المستمر في أوكرانيا، والأزمات المتفاقمة في ليبيا واليمن والسودان وسوريا .

مصدر الصورة

مثّلت الجزائر، في هذه العهدة الاستثنائية، صوت العالم العربي والقارة الإفريقية ودول الجنوب العالمي، محملة بإرث نضالي عريق وبرؤية واضحة تقوم على احترام القانون الدولي وحق الشعوب في تقرير المصير.

وعلى مدى عامين كاملين، أثبتت الدبلوماسية الجزائرية، بقيادة سفيرها الدائم لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع، أنها لا تخشى مواجهة أقوى القوى العالمية دفاعاً عن القضايا العادلة .

● القضية الفلسطينية: صوت لا يُسكت في وجه الإبادة

لعل أبرز ما ميز عهدة الجزائر في مجلس الأمن كان موقفها الثابت والشجاع تجاه القضية الفلسطينية، خاصة في ظل العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023.

مصدر الصورة

فقد قادت الجزائر، بوصفها الدولة العربية الوحيدة في المجلس، معركة دبلوماسية شرسة من أجل فرض وقف إطلاق النار وإنهاء معاناة الفلسطينيين .

في 20 فيفري 2024، تقدمت الجزائر، نيابة عن الدول العربية، بمشروع قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة.

حصل المشروع على تأييد 13 عضواً من أصل 15، وامتنعت المملكة المتحدة عن التصويت، لكن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) للمرة الثانية منذ بداية الحرب، مانعةً بذلك تبني القرار .

في تلك الجلسة التاريخية، ألقى السفير عمار بن جامع خطاباً مؤثراً وصفه المراقبون بأنه من أقوى الخطابات في تاريخ المجلس. قال بن جامع: “مشروع القرار كان يحمل رسالة قوية للفلسطينيين، رسالة مفادها أن العالم لا يقف صامتاً أمام مأساتهم. لكن للأسف، فشل مجلس الأمن مرة أخرى في الارتقاء إلى مستوى تطلعات الشعوب “.

وفي لحظة درامية، وجه بن جامع رسالة مباشرة إلى أعضاء المجلس قائلاً: “رسالتنا اليوم لكم واضحة: يجب على المجتمع الدولي أن يكون متسقاً مع مطالب وقف الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين من خلال المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار.

من يمنع ذلك عليه إعادة النظر في حساباته، لأن عواقب القرارات غير المسؤولة ستكون العنف وعدم الاستقرار “.

ثم اختتم بعبارة أصبحت أيقونية: “قبل أن أختم، أقول لكم جميعاً: سندفن شهداءنا الليلة في رفح، في غزة، وفي كل فلسطين.

وستعود الجزائر غداً، باسم الأمة العربية والإسلامية، وباسم كل أحرار العالم، ومعنا أرواح آلاف الأبرياء الذين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي بلا عقاب. ستواصل الجزائر طرق باب المجلس حتى تحقيق وقف إطلاق النار “.

● الإنجاز التاريخي: القرار 2728

بعد شهر من الفيتو الأول، وفي 25 مارس 2024، حققت الجزائر ما بدا مستحيلاً.

فقد نجحت، من خلال مفاوضات مكثفة مع الأعضاء العشرة غير الدائمين (مجموعة E-10 ) في تمرير القرار 2728 الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان، والإفراج الفوري عن جميع الرهائن.

حصل القرار على 14 صوتاً مع امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، مما سمح بتبنيه .

مصدر الصورة

كان هذا القرار تاريخياً بعدة معانٍ: فهو أول قرار يطالب بوقف إطلاق النار منذ بداية الحرب، وهو أول مرة في تاريخ المجلس تتحد فيها جميع الدول غير الدائمة على مشروع قرار واحد حول قضية جغرافية محددة. كما أنه أول قرار يتبناه المجلس حول غزة دون فيتو أمريكي .

في مشهد رمزي عميق الدلالة، طلب رياض منصور، المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، من السفير بن جامع أن يقف إلى جانبه في المؤتمر الصحفي الذي أعقب التصويت.

لكن بن جامع أجاب بتواضع: “لا، سأبقى خلفك دائماً”، في إشارة رمزية إلى أن الجزائر ستبقى دائماً خلف القضية الفلسطينية، داعمة لها دون أن تسعى للظهور أو الاستحواذ على الأضواء .

● محاولات متكررة رغم الفيتو المستمر

لم تكتفِ الجزائر بهذا الإنجاز، بل واصلت جهودها الدؤوبة. ففي نوفمبر 2024، تقدمت مرة أخرى بمشروع قرار يطالب بوقف دائم وغير مشروط لإطلاق النار، بدعم من جميع الأعضاء العشرة غير الدائمين.

لكن الولايات المتحدة استخدمت الفيتو مجدداً، في تصويت انفردت فيه ضد 14 عضواً آخر من أعضاء المجلس .

وفي سبتمبر 2025، تكرر السيناريو نفسه، حيث استخدمت واشنطن حق النقض للمرة السادسة منذ أكتوبر 2023 ضد قرار جزائري آخر.

في تلك الجلسة، ألقى السفير بن جامع خطاباً لاذعاً حذر فيه من أن مجلس الأمن يقترب من “الفشل الثالث” في منع الإبادة الجماعية، بعد رواندا عام 1994 والبوسنة عام 1995 .

قال بن جامع: “اغفروا لنا، لأن العالم يتحدث عن الحقوق لكنه يحرمكم منها. لقد فشل هذا المجلس مرتين في منع الإبادة الجماعية. واليوم، يبدو أننا على وشك رؤية فشل ثالث.

وفي هذه اللحظة، لا يمكن أن يكون هناك أي غموض: يجب على كل منا أن يختار إما العمل على وقف الإبادة أو أن يُحسب ضمن المتواطئين “.

ثم أضاف بحزم: “ما نشهده ليس حرباً. إنه إبادة، ليس فقط للبشر، بل للحياة نفسها “.

● رئاسة جزائرية استثنائية لمجلس الأمن

في جانفي 2025، تولت الجزائر رئاسة مجلس الأمن الدولي الدورية، وأعلن وزير الخارجية أحمد عطاف عن ثلاث أولويات رئيسية: عقد اجتماع وزاري حول القضية الفلسطينية، ومناقشة الإرهاب في إفريقيا، والتعاون بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية .

مصدر الصورة

خلال هذه الفترة، عقدت الجزائر عدة جلسات طارئة، منها اجتماع في 3 جانفي 2025 لمناقشة الهجمات الصهيونية على المستشفيات في غزة، حيث استمع المجلس إلى إفادات من المدير العام لمنظمة الصحة العالمية ومفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان .

● الصحراء الغربية: موقف ثابت رغم الضغوط

شكلت قضية الصحراء الغربية تحدياً دبلوماسياً آخر للجزائر خلال عهدتها في مجلس الأمن. فقد كان على الجزائر أن تتعامل مع تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) في ظل ضغوط أمريكية وفرنسية لصالح المغرب .

في 31 أكتوبر 2024، تبنى مجلس الأمن القرار 2756 الذي يجدد ولاية المينورسو لمدة عام إضافي. اختارت الجزائر عدم المشاركة في التصويت، في حين امتنعت روسيا وموزمبيق.

وفي خطابه بعد التصويت، أوضح السفير بن جامع أسباب هذا الموقف قائلاً: “قررنا بمسؤولية كاملة عدم المشاركة في التصويت على هذا القرار لمجموعة من الأسباب. أولاً، بسبب موقف حامل القلم (الولايات المتحدة).

على مدى الأسبوع الماضي، لم يُؤخذ بعين الاعتبار وجهات نظرنا التي وثقناها بعناية وبلغة متفق عليها داخل مجلس الأمن. لنقل بصراحة: تم تجاهلها عمداً “.

حاولت الجزائر تقديم تعديلات على مشروع القرار، تطالب بإدراج آلية لمراقبة حقوق الإنسان ضمن ولاية المينورسو، وتسليط الضوء على حرمان مفوضية حقوق الإنسان من زيارة الصحراء الغربية لمدة تسع سنوات متتالية.

لكن هذه التعديلات رُفضت تحت ضغط أمريكي وفرنسي .

كرر الموقف نفسه في 31 أكتوبر 2025، عند تبني القرار 2797 الذي جدد ولاية المينورسو حتى أكتوبر 2026.

مرة أخرى، لم تشارك الجزائر في التصويت، فيما امتنعت روسيا والصين وباكستان. حصل القرار على 11 صوتاً فقط من أصل 15، وهو أدنى عدد أصوات تحصل عليه قرارات تجديد ولاية المينورسو منذ سنوات .

● ليبيا: دعوة للعدالة والمصالحة

اتخذت الجزائر موقفاً واضحاً تجاه الأزمة الليبية، مستندةً إلى ثلاثة مبادئ: قدسية العدالة، سيادة ليبيا، وضرورة الاستقرار الإقليمي.

في نوفمبر 2024، خلال جلسة استماع نصف سنوية للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية حول ليبيا، قال السفير بن جامع: “نتابع بقلق عميق الأزمة المستمرة في هذا البلد. المجتمع الدولي لديه مسؤولية جماعية ودين كبير يجب الوفاء به تجاه الشعب الليبي “.

أضاف بن جامع أن “الوضع الكارثي للسكان والمؤسسات في ليبيا يتطلب اهتمامنا الفوري”، مؤكداً إدانة الجزائر لجميع أعمال العنف بغض النظر عن مرتكبيها أو ضحاياها.

كما دعا المحكمة الجنائية الدولية إلى القيام بدورها الكامل في إصدار مذكرات اعتقال ومحاكمة مجرمي الحرب .

في جانفي 2025، أشرفت الجزائر، خلال رئاستها لمجلس الأمن، على تجديد التفويض المتعلق بمنع التصدير غير المشروع للنفط من ليبيا، وناقشت مع أعضاء المجلس تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (يونسميل )

● اليمن: دعوة للحوار ووقف التصعيد

في ملف اليمن، حافظت الجزائر على موقف متوازن يدعو إلى الحل السياسي ووقف التصعيد العسكري. خلال الجلسات الشهرية حول اليمن في مجلس الأمن، شددت الجزائر على ضرورة دعم جهود المبعوث الأممي هانس غروندبرغ لتحقيق تسوية سياسية شاملة .

ساندت الجزائر تجديد العقوبات المالية وحظر السفر المفروض على اليمن في نوفمبر 2024، كما أيدت تمديد ولاية فريق الخبراء المعني باليمن.

وشاركت في المناقشات حول الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر، داعية إلى وقف هذه الأعمال التي تهدد الملاحة الدولية .

● أوكرانيا: موقف متوازن يدعو للحوار

تجنبت الجزائر الانحياز لطرف ضد آخر في الأزمة الأوكرانية، متمسكة بمبادئ القانون الدولي واحترام السيادة الوطنية. في مارس 2022، خلال التصويت على قرار الجمعية العامة الذي يدين التدخل الروسي في أوكرانيا.

أكدت الجزائر التزامها بمبادئ وأهداف الأمم المتحدة، داعية إلى تهدئة الوضع واعتماد الحوار لتعزيز التعايش السلمي بين الدول .

قال المندوب الجزائري في ذلك الحين: “في وقت تتابع فيه الجزائر عن كثب تطورات الوضع والتصعيد في أوكرانيا، يود وفدنا أن يشدد مرة أخرى على أن الجزائر ملتزمة بمبادئ وأهداف الأمم المتحدة. ومن هذا المنطلق، نرفض بشكل قاطع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها بين الدول.

نود أن نكرر دعمنا للسلامة الإقليمية والسيادة والاستقلال لأوكرانيا “.

خلال عهدتها في مجلس الأمن، امتنعت الجزائر في بعض الأحيان عن التصويت على قرارات تتعلق بأوكرانيا، مفضلةً اتخاذ موقف محايد يدعو جميع الأطراف إلى الالتزام بالقانون الدولي والعودة إلى طاولة المفاوضات .

● سوريا: رهانات المرحلة الانتقالية

شهدت نهاية 2024 تطوراً درامياً في سوريا مع سقوط نظام بشار الأسد. وجدت الجزائر نفسها في قلب النقاش حول مستقبل البلاد، خاصة وأنها كانت على وشك تولي رئاسة مجلس الأمن في جانفي 2025 .

قاد السفير بن جامع، بالشراكة مع سلوفينيا والدنمارك، بعثة تاريخية لمجلس الأمن إلى سوريا ولبنان في ديسمبر 2024، كانت الأولى منذ سنوات. الهدف المعلن كان “بناء الثقة” من خلال التواصل المباشر مع الفاعلين السوريين واللبنانيين .

في جانفي 2025، أشرفت الجزائر على عقد جلسات مجلس الأمن حول الوضع السياسي والإنساني في سوريا. وفي بيان نيابة عن مجموعة A3+ ( الجزائر، غيانا، موزمبيق، سيراليون).

أكد بن جامع أن “الوقت قد حان لعملية سياسية حقيقية يقودها السوريون ويمتلكها السوريون تحت رعاية الأمم المتحدة، من أجل سوريا جديدة توحد جميع السوريين، بغض النظر عن العرق أو الطائفة الدينية “.

وأوضح أن بعض أحكام القرار 2254 (2015) أصبحت “عفا عليها الزمن” بالنظر إلى التطورات الأخيرة، لكنه لا يزال صالحاً لمستقبل سوريا، مشدداً على أنه “لا ينبغي فرض أي شروط على ما نسميه عملية انتقالية يقودها ويمتلكها السوريون “.

● السودان: نداء عاجل لوقف المأساة الإنسانية

أمام الكارثة الإنسانية المتفاقمة في السودان، رفعت الجزائر صوتها بقوة داعية إلى تحرك دولي عاجل. في نوفمبر 2024، نيابة عن مجموعة A3+ ، قال السفير بن جامع في جلسة حول السودان: “نتابع بقلق عميق الوضع المأساوي في السودان”، مطالباً بوقف التدخلات الأجنبية ودعم الحل السياسي .

اقتبس بن جامع تصريح وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية روزماري ديكارلو قائلة: “لنكن صريحين، بعض الحلفاء المزعومين للأطراف يمكّنون من المجزرة في السودان. هذا أمر غير مقبول، وغير قانوني، ويجب أن ينتهي “.

دعت الجزائر إلى إدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق، ورحبت بإعلان برنامج الأغذية العالمي في 22 نوفمبر 2024 عن وصول المساعدات إلى شمال دارفور، خاصة مخيم زمزم للنازحين.

كما أكدت على أهمية فتح معبر أدري الحدودي وتفويض العمليات الجوية الإنسانية في جنوب كردفان .

● الإرهاب في إفريقيا: مقاربة شاملة

باعتبارها رئيس لجنة مكافحة الإرهاب (CTC) ، لعب السفير بن جامع دوراً محورياً في تنسيق الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. في جانفي2025.

نظمت الجزائر، خلال رئاستها لمجلس الأمن، اجتماعاً رفيع المستوى حول مكافحة الإرهاب في إفريقيا وتأثيره على التنمية المستدامة، بحضور نائب الأمين العام للأمم المتحدة ومفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلام والأمن .

شددت الجزائر على ضرورة اعتماد نهج شامل يعالج الأسباب الجذرية للإرهاب، بما في ذلك عدم المساواة والفقر والتهميش والجهل. كما دعت إلى مكافحة تمويل الإرهاب بصرامة أكبر، خاصة من خلال مكافحة عمليات الخطف للحصول على فدية التي توفر تمويلاً إضافياً للجماعات الإرهابية .

● عمار بن جامع: دبلوماسي العام حسب PassBlue

في تتويج لأدائه الاستثنائي، اختار قراء موقع PassBlue المتخصص في شؤون الأمم المتحدة السفير عمار بن جامع “دبلوماسي العام 2025” في استطلاع رأي سنوي.

جاء في المقال المنشور في 28 ديسمبر 2025: “ولد عام 1951، دافع عمار بن جامع بقوة عن موقف المجموعة العربية بشأن القضية الفلسطينية وموقف الجنوب العالمي في مجلس الأمن خلال ولاية الجزائر لمدة عامين التي تنتهي في 31 ديسمبر 2025.

باستخدام مقعد الجزائر كعضو منتخب في سياق جيوسياسي متزايد التوتر، حمى بن جامع بشكل خاص القضية الفلسطينية، قائلاً بصراحة لزملائه والعالم أجمع، على سبيل المثال، أنه في غزة: ‘ما نشهده ليس حرباً؛ إنه إبادة، ليس فقط للأشخاص، بل للحياة نفسها ‘”.

كما حظي بن جامع بتكريم رسمي من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في سبتمبر 2025، حيث منحه وسام الاستحقاق الوطني برتبة “عشير” تقديراً لكفاءته وإخلاصه في تمثيل الجزائر في الأمم المتحدة ودفاعه عن المصالح الوطنية والقضايا العادلة .

● إرغام الولايات المتحدة على استخدام الفيتو: استراتيجية دبلوماسية

نجحت الجزائر، من خلال استراتيجية دبلوماسية محكمة، في إحراج الولايات المتحدة وإرغامها على استخدام حق النقض علناً في قضايا إنسانية واضحة، مما عزلها دبلوماسياً وكشف تحيزها للكيان الصهيوني أمام الرأي العام العالمي .

استخدمت واشنطن الفيتو ست مرات ضد قرارات جزائرية حول غزة بين أكتوبر 2023 وسبتمبر 2025. وفي كل مرة، كان التصويت يُظهر عزلة الولايات المتحدة، حيث حصلت القرارات الجزائرية على دعم 13 أو 14 عضواً من أصل 15 .

في كل مرة تستخدم واشنطن الفيتو، كان السفير بن جامع يُصعّد الخطاب، متحولاً من النبرة الدبلوماسية التقليدية إلى لغة أكثر حدة ومباشرة تُحمّل المسؤولية بوضوح.

هذه الاستراتيجية جعلت الولايات المتحدة تدفع ثمناً سياسياً باهظاً لكل فيتو، حيث تضاعفت الانتقادات الموجهة لها في الإعلام العالمي وفي منابر الأمم المتحدة .

الأهم من ذلك أن الجزائر نجحت في إبقاء القضية الفلسطينية على جدول أعمال مجلس الأمن بشكل دائم، حارمة الكيان الصهيوني من “تطبيع” المجزرة في غزة.

فقد أُجبر المجتمع الدولي على التصويت مراراً وتكراراً، وأُجبرت واشنطن على تبرير موقفها المؤيد لدولة الاحتلال أمام العالم .

● ردود الفعل الدولية: بين الإشادة والانتقاد

حظي الأداء الجزائري في مجلس الأمن بردود فعل متباينة. في العالم العربي والإسلامي وفي دول الجنوب العالمي، لاقت مواقف الجزائر إشادة واسعة.

وصفها المحللون بأنها “صوت الضمير” في مجلس الأمن، و”الدولة التي لا تخشى مواجهة الأقوياء “.

من جهتها، نددت تل أبيب بالمواقف الجزائرية ووصفتها بـ”المعادية” و”المتطرفة”. أما الولايات المتحدة، فقد انتقدت في أكثر من مناسبة ما سمته “محاولات أحادية الجانب” لفرض قرارات دون مشاورات كافية، رغم أن القرارات الجزائرية حصلت على أغلبية ساحقة .

في المقابل، نشرت وسائل إعلام غربية عديدة تحليلات تشيد بالدور الجزائري. كتبت صحيفة The Guardian في أفريل 2024 عن القرار 2728 قائلة: “أثبتت الجزائر أن الدبلوماسية الدؤوبة يمكن أن تنجح حتى في أحلك الظروف “.

● إرث دبلوماسي يستحق التقدير

بالنظر إلى مجمل عهدة الجزائر في مجلس الأمن (2024-2025)، يمكن القول إنها كانت استثنائية بكل المقاييس. فقد نجحت الجزائر في :

ـ إبقاء القضية الفلسطينية حية: رغم الفيتو الأمريكي المتكرر، نجحت الجزائر في فرض القضية الفلسطينية كأولوية على جدول أعمال المجلس، ومنع “تطبيع” المجزرة في غزة .

ـ تحقيق إنجاز دبلوماسي تاريخي: القرار 2728 في مارس 2024 كان أول قرار يطالب بوقف إطلاق النار، وأول مرة تتحد فيها جميع الدول غير الدائمة على قرار واحد حول قضية جغرافية محددة .

ـ إحراج القوى الكبرى: أرغمت الجزائر الولايات المتحدة على استخدام الفيتو علناً ست مرات، مما عزلها دبلوماسياً وكشف تحيزها للكيان الصهيوني .

ـ تمثيل صوت الجنوب العالمي: تحدثت الجزائر باسم الدول العربية والإفريقية ودول عدم الانحياز، معبرة عن مواقفها في قضايا متعددة من فلسطين إلى الصحراء الغربية، ومن السودان إلى سوريا .

ـ إظهار استقلالية دبلوماسية: لم تخضع الجزائر للضغوط الأمريكية أو الفرنسية، وحافظت على مواقفها المبدئية رغم العزلة في بعض التصويتات .

ـ رئاسة فعالة لمجلس الأمن: خلال رئاستها في جانفي 2025، نظمت الجزائر جلسات مهمة حول القضايا الأساسية، وأشرفت على بعثة تاريخية إلى سوريا .

ـ قيادة اللجان المهمة: لعب السفير بن جامع دوراً محورياً كرئيس للجنة مكافحة الإرهاب، ونسق الجهود الدولية في هذا المجال .

● دبلوماسية المبادئ في زمن تراجع القيم

في زمن أصبحت فيه الدبلوماسية مرادفاً للمناورة والانتهازية، أثبتت الجزائر أن دبلوماسية المبادئ لا تزال ممكنة وفعالة. فقد نجحت، رغم محدودية وسائلها مقارنة بالقوى الكبرى، في فرض نفسها كصوت مسموع ومحترم في مجلس الأمن .

إرث الجزائر في مجلس الأمن (2024-2025) لن يُقاس فقط بالقرارات التي تبناها المجلس، بل بالرسالة التي أوصلتها للعالم: أن الوقوف مع الحق ليس رفاهية دبلوماسية، بل واجب أخلاقي. أن الدفاع عن الشعوب المظلومة ليس خياراً، بل التزام .

ستنتهي غدا الأربعاء 31 ديسمبر 2025 عهدة الجزائر في مجلس الأمن، ولكنها تركت وراءها سجلاً حافلاً يستحق الاحترام والتقدير، سجلاً ستتذكره الأجيال القادمة كنموذج للدبلوماسية الشجاعة في زمن الخنوع، وللثبات على المبادئ في زمن الانتهازية .

كما قال السفير عمار بن جامع في إحدى جلسات مجلس الأمن: “التاريخ سيحاسبنا جميعاً على ما فعلناه أو ما فشلنا في فعله في هذه اللحظة الحاسمة”. الجزائر، على الأقل، ستواجه التاريخ برأس مرفوع، لأنها وقفت دائماً إلى جانب الحق، مهما كان الثمن.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
شارك

الأكثر تداولا الإمارات اليمن السعودية

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا