● من الثورة الزراعية إلى الثورة الفلاحية…هل ينجح الوزير ياسين وليد في تجسيد رؤية الرئيس وحلم الجزائريين ؟
الجزائر الآن _ تدخل الجزائر اليوم مرحلة مفصلية في مسارها التنموي، عنوانها التحول الفلاحي الشامل القائم على العلم والابتكار والرقمنة، في وقت تتزايد فيه رهانات الأمن الغذائي على المستويين الوطني والدولي.
فعلى ضوء المتغيرات الاقتصادية والمناخية العالمية، باتت السيادة الغذائية تتجاوز كونها هدفًا تنمويًا لتصبح قضية سيادية واستراتيجية تمس جوهر استقلال القرار الوطني.
وفي هذا السياق، يؤكد وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، ياسين المهدي وليد، أن الجزائر تتجه نحو بناء اقتصاد فلاحي علمي منتج، يستند إلى مقاربة جديدة تجعل من الفلاحة قاطرة للنمو الاقتصادي وأداة لترسيخ السيادة الوطنية، عبر مشروع وطني طموح يرسم ملامح “الفلاحة الذكية” القائمة على الرقمنة، البحث العلمي، وحسن استغلال الموارد الطبيعية.
جاء ذلك خلال إشرافه على افتتاح المؤتمر الوطني حول عصرنة الفلاحة، المنظم يومي 27 و28 أكتوبر بالمركز الدولي للمؤتمرات “عبد اللطيف رحال”، بمشاركة أعضاء من الحكومة، ومسؤولين سامين ، إلى جانب مسؤولي مؤسسات اقتصادية ومالية، وخبراء وطنيين ودوليين مختصين في المجال الفلاحي.
وفي كلمته، فقد أوضح بأن القطاع الفلاحي بات يشهد ديناميكية جديدة تعكس توجهاً استراتيجياً واضحاً من الدولة الجزائرية نحو إعادة هيكلة المنظومة الفلاحية على أسس علمية وعصرية، بما يجعله قاطرة للنمو الاقتصادي الوطني.
وأبرز أن وزارته قد أعدت مشروعاً وطنياً شاملاً يرسم ملامح الاقتصاد الفلاحي الجديد، ويهدف إلى تحقيق السيادة الغذائية من خلال اعتماد التكنولوجيات الحديثة والتسيير العلمي الرشيد في كل مراحل الإنتاج الفلاحي.
كما أكد ، أن هذا المشروع الوطني سوف يمثل تحولاً نوعياً في إدارة الفلاحة الجزائرية، حيث سيعتمد على الرقمنة والابتكار والبحث العلمي لتطوير أنماط الإنتاج وضمان استدامة الموارد، مبرزاً أن “التطور الفلاحي لن يتحقق إلا عبر توظيف العلم والإرادة والابتكار”.
ياسين وليد بالحرف والكلمة قال بأنه حان الوقت لثورة فلاحية حقيقية تستند إلى العلم و التكنولوجيا و الإرادة الصلبة .
وبالتالي، يحق القول بأن الجزائر التي شهدت” ثورة زراعية “في السبعينات في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين قد تعرف “ثورة فلاحية” شاملة في عهد الرئيس الحالي عبد المجيد تبون ، إن جسد كلام الوزير ياسين وليد في الميدان ،ما سيدخل الجزائر و الرئيس و حتى الوزير التاريخ، و من بابه الواسع.
فهل سيكون الوزير الشاب ياسين الوليد الرجل المناسب في المكان المناسب لتحقيق هذه “الثورة الفلاحية” المنشودة ؟.. هذا ما سيكشفه الميدان ،و بالتالي قادم السنوات
● التحول الفلاحي… خيار استراتيجي للدولة وخارطة طريق علمية لفلاحة ذكية
في ذات السياق ، شدد وزير الفلاحة على أن القطاع أصبح اليوم أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، بمساهمته بأكثر من 14.5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام وتوفيره لأكثر من 2.6 مليون منصب شغل.
لكنه في المقابل، ما يزال دون إمكانياته الحقيقية، حيث لا تُستغل سوى 8.5 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، في حين تبقى المردودية في إنتاج الحبوب في حدود 18 قنطاراً للهكتار، مقابل 35 قنطاراً في بلدان ذات ظروف مناخية مماثلة.
كما أشار إلى أن هذه الأرقام تكشف ازدواجية التحدي والفرصة: فالفلاحة الجزائرية تملك إمكانات ضخمة غير مستغلة، لكنها تحتاج إلى ثورة علمية وتقنية حقيقية تستند إلى التخطيط والبحث العلمي والتكوين المتخصص لرفع الإنتاج وتحقيق التوازن الغذائي الوطني.
وفي هذا الإطار، كشف الوزير وليد عن برنامج وطني طموح يستهدف رفع مردودية الحبوب إلى 35 قنطاراً للهكتار في غضون خمس سنوات، عبر استعمال البذور المحسّنة، وتعميم الزراعة الدقيقة، وتحسين خصوبة التربة وفق مقاربات علمية حديثة.
كما أعلن عن إطلاق نظام معلوماتي وطني موحّد يعتمد على الأقمار الصناعية والطائرات دون طيار لتتبع الإنتاج في الزمن الحقيقي، مما يسمح باتخاذ قرارات دقيقة قائمة على المعطيات الميدانية.
وفي ما يخص الموارد المائية، أكد الوزير أن الجزائر لا تستغل سوى 7 بالمائة من تساقطاتها السنوية المقدّرة بـ100 مليار متر مكعب، مشيراً إلى أن تحسين تسيير المياه وتعميم الري بالتقطير يمثلان ركيزة أساسية في الثورة الفلاحية المقبلة، خصوصاً في ظل التغيرات المناخية وتحديات الأمن المائي.
● مشاريع حكومية لترسيخ السيادة الغذائية والزراعة الصحراوية… خزان الأمن الغذائي
وسلّط الوزير الضوء على الزراعة الصحراوية والهضاب العليا باعتبارهما رهاناً استراتيجياً للأمن الغذائي الوطني، موضحاً أن الجزائر تتوفر على مليون هكتار قابلة للاستغلال في الجنوب ومخزون مائي جوفي ضخم، ما يجعل الصحراء خزاناً فلاحياً واعداً قادراً على تأمين احتياجات البلاد من الزراعات الاستراتيجية.
كما أشار إلى توفر 20 مليون هكتار في الهضاب العليا قابلة للرعي وزراعة الأعلاف، مع إمكانيات متنامية في الزراعة المحمية باستخدام الطاقة الشمسية.
وفي إطار دعم هذا التوجه، أطلقت الحكومة عدة مشاريع مهيكلة، من بينها توسيع المساحات المسقية بمليون هكتار إضافي، واسترجاع 30 بالمائة من المياه المستعملة في الزراعة، إضافة إلى مشاريع الكهرباء الريفية لدعم الإنتاج وإنشاء غرف تبريد وتخزين وطنية للحد من ضياع المنتوج وضبط السوق.
كما تعمل الدولة على تسوية نهائية لملف العقار الفلاحي قبل نهاية سنة 2025، وتمكين الفلاحين والمستثمرين الحقيقيين من الأرض تطبيقاً لمبدأ “الأرض لمن يخدمها” .
وأكد الوزير أن كل هذه المبادرات تندرج ضمن رؤية وطنية شاملة تهدف إلى تحويل الفلاحة إلى رافعة اقتصادية استراتيجية، تضمن استقلال القرار الاقتصادي الوطني.
وتؤسس لمرحلة جديدة من التنمية المنتجة والمستدامة.
وختم الوزير كلمته بالتأكيد على أن التحول الفلاحي في الجزائر ليس مجرد مشروع قطاعي، بل هو خيار استراتيجي للدولة ورهان على المستقبل، يرمي إلى تحقيق السيادة الغذائية، وتنويع مصادر الدخل، وبناء اقتصاد وطني قوي قائم على الإنتاج والمعرفة.
● الفلاحة في الجزائر بين الطموح والتحدي: ورشات الإصلاح تفتح آفاق التحول الحقيقي
أكد الدكتور هواري تيغرسي، أستاذ الاقتصاد بجامعة بن عكنون والخبير الاقتصادي، لـصحيفة الجزائر الآن الالكترونية، أن مسار الإصلاحات الفلاحية الجارية يعكس تحولاً نوعياً في الرؤية الحكومية لبناء منظومة فلاحية حديثة ومتكاملة.
وفي تحليله لهذه الديناميكية الجديدة، أوضح المتحدث أن تنظيم ثماني ورشات وطنية لتشخيص واقع القطاع واقتراح مسارات تطويره «يُعد خطوة إستراتيجية جادة لإعادة هيكلة الفلاحة على أسس عصرية ومنهجية».
غير أنه شدّد على أن «الرهان الحقيقي لا يكمن في صياغة المقترحات بقدر ما يتمثل في ترجمتها إلى نتائج ميدانية ملموسة من خلال حوكمة فعالة وآليات تنفيذ دقيقة»، مشيراً إلى أن نجاح هذا التوجه يتطلب متابعة صارمة، وتنسيقاً مؤسساتياً محكماً، وإشراكاً فعلياً للفلاحين والمستثمرين في عملية التغيير.
مبرزا في ذات السياق إلى أن الورشات الثماني التي أطلقتها وزارة الفلاحة تمثل خطوة عملية وجريئة نحو إصلاح هيكلي عميق للقطاع الفلاحي في الجزائر، إذ تناولت مختلف المفاصل الحيوية التي يقوم عليها هذا المجال، من الإنتاج والتسويق إلى إدارة الموارد المائية والرقمنة، مروراً بآليات التمويل والتأمين والتنظيم العقاري.
ويرى أن هذا التوجه يعكس رغبة واضحة في الانتقال من الزراعة التقليدية إلى زراعة عصرية قادرة على أن تكون رافعة اقتصادية حقيقية تسهم في تحقيق الأمن الغذائي الوطني وتوليد فرص عمل جديدة .
ويعتبر أن أهمية هذه الورشات تكمن في كونها لا تقتصر على التشخيص، بل تسعى إلى إرساء رؤية إصلاحية متكاملة توحد الجهود بين الفاعلين في الميدان وصناع القرار، من أجل إعادة بناء القطاع على أسس علمية واقتصادية حديثة.
● إعادة هيكلة المؤسسات الفلاحية… ضرورة وطنية لكسر البيروقراطية وتحقيق النجاعة
وفي ما يخص إعادة هيكلة المؤسسات الفلاحية، يشير إلى أن تصريحات وزير الفلاحة ياسين مهدي وليد جاءت في محلها عندما وصف العملية بأنها «ضرورة وطنية».
موضحاً أن عدداً من هذه المؤسسات لم يعد يواكب التحولات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة، ما يجعل إعادة هيكلتها أمراً حتمياً لضمان فعاليتها واستدامتها.
ويضيف أن تحديث المؤسسات الفلاحية لا يعني فقط تغيير البنية الإدارية، بل إعادة تعريف دورها ووظائفها في دعم الفلاح، ونقل التكنولوجيا، وتنسيق الجهود بين الإنتاج والبحث العلمي والأسواق.
بحيث تتحول إلى أقطاب إنتاجية وابتكارية تواكب متطلبات العصر وتسهم في تعزيز تنافسية الزراعة الجزائرية إقليمياً ودولياً.
ويختم قائلاً إن نجاح هذه المقاربة مرهون بارتباط الإصلاح بالإرادة التنفيذية، وبمدى القدرة على تحويل مخرجات الورشات إلى سياسات عملية تُنفّذ على الأرض، لأن الزراعة – كما يؤكد – «ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل رهان استراتيجي يرتبط بالسيادة الوطنية وبمستقبل الأمن الغذائي للبلاد».
ومن جهته، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور هواري تيغرسي أن البيروقراطية الإدارية ما تزال تشكّل أحد أبرز العوائق أمام فعالية القطاع، مؤكداً أن تبسيط الإجراءات وضمان الشفافية في التسيير هما الأساس لتمكين الفلاح والمستثمر من أداء دورهما المحوري في التنمية الزراعية.
كما دعا إلى إعادة تأهيل المؤسسات الفلاحية التابعة للوصاية ومواءمتها مع المعايير الدولية في الحوكمة والإدارة بما يضمن نجاعة الأداء واستدامة النتائج.
● إدارة المياه والرقمنة أساس نهضة الزراعة المستدامة في الجزائر
يؤكد الخبير الاقتصادي تيغرسي هواري أن إدارة الموارد المائية تمثل أحد أهم التحديات التي تواجه التنمية الزراعية، خصوصاً في ولايات الجنوب حيث يُسجل استغلال مفرط وغير مراقب للمياه، إلى جانب تفاوت واضح في شبكات الري بين المناطق.
ويرى أن هذا الملف يرتبط بشكل مباشر بالأمن الغذائي الوطني، داعياً إلى إعداد خريطة ذكية تعتمد على نظام معلوماتي رقمي يربط الموارد المائية بالمساحات المزروعة، بما يسمح بتسيير أكثر فعالية وعدلاً للمياه.
كما يشدد على ضرورة تعميم التقنيات الحديثة مثل الري بالتنقيط واستخدام الأقمار الصناعية في المراقبة لتقليل الهدر وضمان توزيع مستدام للموارد المائية.
ويضيف تيغرسي أن التحول الرقمي في القطاع الزراعي يشكل اليوم أحد الأعمدة الأساسية للإصلاح، لكنه ما يزال يصطدم بضعف البنية التحتية وغياب قاعدة بيانات موحدة.
لذلك يدعو إلى إطلاق بوابة وطنية رقمية تجمع المعطيات المتعلقة بالإنتاج والتسويق، وتربط الفلاحين بالباحثين والمستثمرين ضمن منظومة معلوماتية متكاملة. ويشدد على أن الرقمنة يجب أن تتحول إلى أداة فعالة لصناعة القرار الزراعي وليس مجرد شعار إداري، مقترحاً تنفيذ تجارب نموذجية في بعض الولايات قبل تعميمها وطنياً.
● تطوير الإنتاج وتنظيم الأسواق مدخل أساسي لزراعة أكثر نجاعة واستدامة
أما في ما يخص الإنتاج والمردودية، فيرى تيغرسي أن الزراعة الجزائرية تعاني ضعف استغلال الأراضي الخصبة وغياب التقنيات الحديثة، ما يستوجب اعتماد نموذج الزراعة المكثفة المستدامة لرفع الإنتاج في كل هكتار بنسبة ملموسة خلال ثلاث سنوات.
ويقترح إنشاء مراكز تكنولوجية متنقلة لمرافقة الفلاحين ميدانياً، إلى جانب تحفيز الشباب للانخراط في المشاريع الفلاحية من خلال تسهيلات مالية وحوافز جبائية مشجعة.
ويشير إلى أن المنظومة التمويلية الحالية لا تزال تعاني صعوبات في الوصول إلى الفلاحين الصغار، إضافة إلى غياب أدوات تأمين فعالة ضد المخاطر المناخية.
لذلك يدعو إلى تصميم منتجات تأمينية مبتكرة تربط بين المناخ والإنتاج، وتشجيع المزارعين على الانخراط في هذه البرامج عبر حوافز مالية. كما يؤكد أهمية توسيع قاعدة البنوك الفلاحية وصناديق الاستثمار لتشمل صغار المنتجين، وضمان تغطية اجتماعية أوسع للعاملين في القطاع.
● وضوح العقار والحوكمة الرشيدة طريق تحقيق السيادة الزراعية للجزائر
وفي ما يتعلق بالعقار الزراعي، يوضح تيغرسي أن غياب الوضوح في الملكية وتأخر التراخيص يمثلان عقبة رئيسية أمام الاستثمار الفلاحي، مقترحاً إنشاء سجل رقمي موحد للأراضي الزراعية يربط بين التراخيص والتمويل والتأمين، ما من شأنه تعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب وفتح المجال أمام شراكات إنتاجية أكثر شفافية.
ويعتبر أن تنظيم السوق الداخلية يشكل الحلقة المفقودة في المنظومة الفلاحية، إذ إن المنتوج الجزائري رغم جودته لا يستفيد من قنوات تسويق منظمة ولا من سلاسل قيمة متكاملة.
ولهذا يدعو إلى إنشاء مراكز تجميع ومعالجة عبر مختلف الولايات، وربطها بشبكات نقل عصرية، وتشجيع عقود الشراكة بين الفلاحين والمصنّعين لضمان استقرار الأسعار وتعزيز فرص التصدير.
أما في محور الحوكمة والسياسات الزراعية، فيرى أن نجاح أي إستراتيجية فلاحية يمر عبر تحديث التشريعات وتسريع الإصلاح القانوني، مع وضع خارطة طريق واضحة ومؤشرات أداء دقيقة، إلى جانب إنشاء لجنة عليا أو مجلس وطني يتولى متابعة تنفيذ البرامج وتقييم النتائج ميدانياً.
ويختم بالتأكيد على أن التحدي الأكبر لا يكمن في الأفكار والمقترحات، بل في الانتقال من الورق إلى الواقع، وهو ما يتطلب موارد مالية وبشرية كافية، وتنسيقاً محكماً بين مختلف القطاعات، ومشاركة فعلية للفلاحين في صناعة القرار، فضلاً عن نظام متابعة ومساءلة دورية لتصحيح الاختلالات وضمان استمرارية الإصلاحات.
الزراعة ليست قطاعاً ثانوياً، بل قضية سيادة وطنية. وإذا نجحنا في جعلها قطاعاً منتجاً ومستداماً، نكون قد وضعنا الأساس الحقيقي للأمن الاقتصادي والغذائي للجزائر.
● مستقبل الفلاحة الجزائرية: نحو أمن غذائي وسيادة اقتصادية مستدامة
يشهد القطاع الفلاحي في الجزائر تحوّلاً نوعيًا يجعله اليوم أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد الوطني، بعد أن أثبت قدرته على المساهمة الفعلية في تنويع مصادر الدخل وتخفيف التبعية للمحروقات.
فقد حقق هذا القطاع مداخيل معتبرة تجاوزت 37 مليار دولار، ما يعكس حجم الديناميكية والإمكانات التي تختزنها المنظومة الفلاحية الوطنية.
ويُجمع المختصون في الشأن الفلاحي على أن الفلاحة لم تعد قطاعًا ثانويًا، بل أصبحت محركًا استراتيجيًا للنمو، بمساهمتها التي تصل إلى 15 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، مقابل 5 بالمائة فقط للصناعة. وهو ما يعزز القناعة بضرورة التكامل بين الفلاحة والصناعة، لضمان استدامة التنمية وتحقيق الاكتفاء الذاتي عبر سلاسل إنتاج متكاملة من الحقل إلى المصنع.
ويرى الخبراء أن اللامركزية في التسيير تمثل أحد المفاتيح الأساسية لنجاح السياسة الفلاحية الجديدة. فـ”لا فائدة من فلاحة تُدار بشكل مركزي”، كما أن إشراك الفلاحين في القرار الميداني يعدّ شرطًا لضمان نجاعة التسيير واستدامة المشاريع. ولهذا، فإن المبادرة المحلية وروح الريادة الفلاحية تعدّان أساس أي نهضة حقيقية في القطاع.
ومن بين المحاور الكبرى التي تُبنى عليها الرؤية الحديثة، يأتي تطوير القدرة التصديرية للمنتجات الفلاحية، عبر تثمين المنتوج الوطني وتحسين آليات التخزين والتوزيع. ويُعتبر إنشاء غرف تبريد على نطاق واسع من أهم الوسائل لضمان استقرار السوق ومحاربة المضاربة الموسمية التي تضرّ بالمنتج والمستهلك على حدّ سواء.
كما يتفق المختصون على أن تسوية العقار الفلاحي خطوة مفصلية في تنظيم الفضاء الزراعي، وتمكين الفلاحين من استغلال أراضيهم بصفة قانونية ومستقرة، وهو ما يفتح المجال أمام الاستثمارات الجادة ويعزز الأمن الغذائي الوطني وفق مبدأ “الأرض لمن يخدمها”.
وفي سياق متصل، تُطرح مسألة تسيير الموارد المائية كعنصر حاسم في نجاح التنمية الفلاحية، خاصة مع التوجه نحو توسيع المساحات المسقية بمليون هكتار إضافي، إلى جانب استرجاع 30 بالمائة من المياه المستعملة المصفاة لاستعمالها في السقي، ما يعكس وعياً متزايداً بأهمية التكيف مع التغيرات المناخية وترشيد استغلال الموارد الطبيعية.
كما تبرز إشكالية اللحوم الحمراء وغلاء أسعارها كمؤشر على ضرورة إعادة هيكلة شعبة تربية الماشية، بدءاً من تنظيم سوق الأعلاف وتغذية الأنعام، وصولاً إلى تحسين منظومة التسويق والتوزيع.
فالرهان لا يتعلق بالاستيراد كحلّ مؤقت، بل بإصلاح شامل يعيد التوازن للسوق ويحقق استقرار الأسعار.
وتشير التقديرات إلى أن الجزائر تتجه نحو تحديات ديمغرافية كبرى، مع اقتراب عدد السكان من 55 مليون نسمة في الأفق القريب، ما يستدعي مضاعفة الجهود لرفع الإنتاج وضمان الاكتفاء الذاتي في مختلف الشعب الفلاحية.
فالأمن الغذائي لم يعد خيارًا تنمويًا، بل قضية سيادية وأمنية بامتياز.
وفي الأخير، يتفق الفاعلون في الميدان على أن بيع المحروقات لاستيراد الغذاء لم يعد مقبولاً في زمن التحولات الاقتصادية العالمية، وأن الخيار الاستراتيجي الأمثل يتمثل في إنتاج ما نستهلكه، وحماية الحدود من أي تهديد للأمن الغذائي، باعتبار الفلاحة اليوم ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل سلاح استراتيجي لحماية السيادة الوطنية وضمان مستقبل الأجيال القادمة وهو ما يشدد عليه الرئيس تبون في كل خرجاته الاعلامية.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة