الجزائرالٱن _ في مثل هذا اليوم من سنة 1827، كان القنصل الفرنسي في الجزائر، بيير دوفال، يقف أمام الداي حسين، يحمل معه عناد دولته وغطرستها القديمة، رافضًا تسوية ديون تراكمت على فرنسا منذ زمن نابليون. لحظة واحدة اختصرت كل الاحتقان: لوّح الداي بمروحته في وجه دوفال، فاهتزَّ البلاط، لا من هول الضربة، بل من رجع الصدى الذي وصل باريس. هناك فُسّرت الحركة على أنها “إهانة لهيبة الدولة الفرنسية”، فبدأ الحصار البحري، ثم جاء الغزو في 1830.
لكن، لم تكن حادثة المروحة إلا ذريعة، فقد كانت فرنسا تبحث عن سبب، أي سبب، لتضع يدها على الجزائر، وهو ما تأكد لاحقًا في وثائق المؤرخين.
واليوم، وبعد قرنين تقريبًا، يظهر وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو في المشهد، ملوّحًا – لا بمروحة – بل بخطاب متطرف ضد المهاجرين، وضغوط على الجالية المسلمة، ومحاولات حثيثة لإثارة الغضب في الضفة الأخرى من المتوسط. فهل يسعى روتايو لافتعال “حادثة مروحة جديدة”؟ وهل يدرك أنّ جزائر اليوم ليست تلك التي كانت ذات يوم تحت مظلة الدولة العثمانية، تقف وحدها في مواجهة الأطماع؟
في سبتمبر 2024، تولى روتايو حقيبة الداخلية، وجاء محمّلًا بخطاب شعبوي يجد صدى في دوائر اليمين الفرنسي. تصريحات متكررة عن ضرورة تقليص الهجرة، تشديد الرقابة على المساجد، وترحيل من لا “يندمج” وفق المعايير الباريسية. كل ذلك في وقت تعاني فيه فرنسا من أزمة هوية أكثر مما تعاني من تحديات أمنية.
الجزائر، التي كانت يومًا مستعمرة فرنسية، أصبحت اليوم دولة قوية بمواقفها، واضحة في دفاعها عن سيادتها، لا تقبل الإملاءات ولا الإهانات المغلّفة باسم مكافحة التطرف أو ضبط الحدود. والردود التي تصدر من مؤسساتها الرسمية، السياسية والدبلوماسية، تؤكد أن زمن السكوت قد ولّى.
قد لا يكون روتايو يقرأ كتب التاريخ، لكنه إذا تجرأ على تجاهل حادثة صغيرة مثل ضربة مروحة، فعليه أن يراجع تداعياتها. ما حدث بعد تلك الواقعة لم يكن مجرد رد فعل، بل احتلال دموي دام 132 عامًا. لكن الجزائر خرجت منه أقوى، وأصبحت في كل مناسبة تذكّر فرنسا أن صفحات الماضي لا تُطوى بالكذب أو الإنكار.
الجزائر اليوم لا تنتظر اعتذارًا فقط، بل تنتظر تغييرًا حقيقيًا في العقلية الفرنسية الرسمية. أما استفزازات روتايو، فربما تصلح لإثارة الجدل في الإعلام الفرنسي، لكنها لا تغيّر شيئًا في ميزان القوى الذي يتبدل في المتوسط.
لقد تغير الزمن، وتغيرت الجزائر. أما فرنسا، فما زال فيها من يحنّ إلى زمن المروحة.