ـ مقال رأي
الجزائر الآن ـ دائما ما كانت أجهزة المخابرات تعتمد على وسائل الاعلام لتحقيق اختراقات معينة وسط الرأي العام للدولة التي تستهدفها، وتسعى لضربها ،كي تسبب لها جروح دامية أو تسقطها ، كي تستولي على ما تحت الأرض وما فوقها .
ودائما ما لاحظت ، بأن أكثر الاستهدافات تكون من الداخل، عن طريق تجنيد شبكات معينة على شكل خلايا نائمة أو (مستيقظة) .
و المهم من هذا أن تكون جاهزة وعلى كل المستويات للدور المطلوب ..
لن أتحدث عن أبناء الطابور الخامس بالجزائر ..
فعدد من الأوراق و الخطط و الأسماء و الأقلام أصبحت مكشوفة ..لكنني سأعود للتاريخ قليلا حتى نفهم ويفهم غيري..
أتذكر و أذكر ..
و أفحص و أدرس..
و أفيد و أستفيد ..
ففي التاريخ الكثير من الدروس..
و لكن الأهم من الدروس، هو أخذ العبر..
و بالتالي رسم الخطط و وضع الحواجز التي يصعب إختراقها ..
ولما لا بناء الجدران التي يصعب تسلقها ..
و بالعودة إلى التاريخ، وتحديدا خلال الحرب العالمية الثانية .. نجد أن المخابرات الألمانية التي كانت وراء تأسيس المدرسة الهتلرية في الاعلام التي برز فيها وزير الدعاية“جوزيف جوبلز”، إعتمدت على الحشد و التعبئة و نشر المعلومات الكاذبة و الإشاعات المغرضة.. لكن الملاحظ بأنها مدرسة أثرت في وقتها و تفوقت على المدرسة الغربية .
ونجد على سبيل المثال، في تلك الفترة ،خبراء الدعاية الألمان، الذين كانوا يعملون بالتنسيق مع مخابرات بلدهم ، أشاعوا في عدد كبير من أنحاء “مصر” أن “ هتلر ” مسلم و يتوق لتحرير المصريين من الاحتلال الأنجليزي (الكافر )..
ولسخرية الأقدار، أطلق المصريون على” هتلر ” في تلك الفترة “ الحاج محمد هتلر ” ثم أصبح ينطق ” محمد هيدر ” و أخيرا ” محمد حيدر ” ..
وكانت الإذاعة الألمانية التي تأسست عام 1936 ،فعلت فعلتها بالرأي العام المصري .
فأصبحت تحرض المصريين على مقاومة الاحتلال البريطاني، و تتهم جنوده بالاغتصاب و العدوانية، وتروج أن دول “المحور” هي دول صديقة للعرب و ستخلصهم من الاستعمار البريطاني ..
ولكن يسجل التاريخ أيضا ، أن المخابرات البريطانية لم تبقى مكتوفة الأيدي، فأسست الإذاعة البريطانية سنة 1938 للرد و التصدي..
وبعدما فشلت أمام الآلة الدعائية الألمانية ، قررت إنتهاج أسلوب آخر .و إستنجدت في ذلك الوقت بخبير الداعية “ لورانس جرافتي سميت” حيث يكشف الاعلامي المصري الكبير “ عادل حمودة“في كتابه الذي نشره عن الأستاذ الكبير” محمد حسنين هيكل” أنه قام بتشكيل هيئة من 300 شخصية مصرية في شتى مناحي الحياة ليعملوا على نشر الشائعات والنكات والتوقعات و المقولات المؤيدة للحلفا ء” .
وكانت من بين عناصر الشبكة ،عدد من قارئي الطوالع وما شابه، الذين يجلسون أمام المساجد يوزعون الحكمة و البركة.. وكانت أقوالهم تحمل وزنا وسط فقراء المدينة ..وكانوا أيضا ينشرون نبوءات تبشر بقرب انتصار الحلفاء .
وانتشر أفراد الشبكة في دور السينما وكانت تعرض في ذلك الوقت افلام معينة مثل ذهب مع الريح ..ثورة على السفينة بونتي ..الديكتاتور العظيم الذي سخرفيه شارلي شابلن من هتلر
قد يسأل البعض ويقول ولماذا أكتب هذه المعطيات في هذا التوقيت بالذات ؟
و أجيب بالقول : بأن أجهزة مخابرات دول الشر المعادية للجزائر ، أصبحت تمارس ذات الدور الذي مارسته المخابرات الألمانية التي أسست المدرسة الهتلرية الاعلامية إبان الحرب العالمية الثانية بقيادة ” غوبلز” الشهير ،و التي جعلت المصريين يرون في “أودلف هتلر” “الحاج محمد هتلر”.. تماما كما جعلت البعض في زمننا هذا ، يرون في “محمد السادس” أميرا للمؤمنين و أحد الإخوة “زعيتر” إماما لهم ..و لا حولى و لا قوة إلا بالله .
ما تقوم به أجهزة المخابرات التابعة لمحور الشر الذي يعادي الجزائر ،باستعمال عدد من “وسائل الإعلام” ،خاصة منها الالكترونية ، التابعة لها ،( بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ) ،يبين بوضوح ،بأن هذا العمل تقف وراءه أجهزة استخباراتية لدول ،عبر مؤسسات إعلامية لصحفيين .
ولنوضح أكثر، فقد شرحت و بالتفصيل بتاريخ 21 من هذا الشهر في مقال بعنوان : “صحيفة تدعي “الحمل” بمولود غير موجود بسبب الظروف ” من هي صحيفة “ الساحل أنتلجنس“؟.. التي نشرت إشاعة تفاوض السلطات الجزائرية مع الإرهابي “ فرحات مهني” !!! .
و كشفنا أن صاحبها هو ” صموئيل بن شيمون ” المحلل السابق بالجيش الاسرائيلي المحتل .
و أنه عمل لمدة 20 سنة في جيش الاحتلال، قبل أن يغادره سنة 1999 برتبة مقدم.
و تاريخ تأسيسها يعود لسنة 2001 من العاصمة الفرنسية باريس .
كما يجوز لي الربط بحبل متين وطويل، بين أجهزة محور الشر، و الخبر الذي نشرته الصحيفة الأمريكية العريقة” واشنطن بوست “. ?وقالت فيه ” أنه يوجود تنسيق عسكري بين جبهة البوليساريو وطهران” و “نشاط لمقاتلين صحراويين على الأراضي السورية ” ، قبل أن تصححه وتنفيه ذات الصحيفة العالمية
( بكل مهنية وشجاعة) وتقول ” أن ما ورد سابقا في مقالها لا يستند إلى أدلة .
( و أود الاشارة هنا، أنني أجريت الربط ، بناء على ما تحصلت عليه من معطيات، بعد إتصالات أجريتها مع عدد من المصادر داخل وخارج الوطن) .
كما يؤشر تصحيح وتكذيب “الواشنطن بوست” للخبر ، بأنه لا علاقة للولايات المتحدة الأمريكية ولا لجهازها بما تقوم به أجهزة هذا “المحور” المعادي للجزائر.. أو هذا على الأقل ما أعتقد ..
في عصر التكنولوجيا الحالي ..
وعصر الذكاء الإصطناعي الحالي ..
وخاصة، عصر التغيرات الجغرافية الحالية للدول ..
التحدي أصبح أوضح و أخطر.. لكنه معروف ومكشوف ..لذلك أصبحت “ باريس مؤخرا ”
( بعد سيطرة اليمين المتطرف ) ، مصدرا و مقرا لهذه المعلومات و الإشاعات، تنافس “الرباط “و بشدة وعواصم قليلة أخرى ..
كنت ولازلت مقتنع بأن رهانات “الدول” القادمة هي : الفوز بمعركة الداخل ..
و لكنني أيضا، كنت ولازلت مقتنعا ، بأن” أم” معارك ” الخارج ” هي “ الاعلام”، بما تحمله الكلمة من معنى و حسابات و تحالفات في عصرنا الحالي بالذات .
الكاتب : رفيق شلغوم ، مؤسس ،ومدير صحيفة “الجزائر الآن” الالكترونية، وكاتب مقال “رأي” بعدد من الصحف العربية