آخر الأخبار

فرنسا "الغنية" تغرق في فقرها: أرقام مخيفة تكشف هشاشة دولة الرفاه

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

الجزائرالٱن _ في مشهد يعكس التناقض العميق بين صورة فرنسا كقوة اقتصادية كبرى وواقعها الاجتماعي المتردي، فجّر تقرير نشرته “مجلة شالنج” الاقتصادية نقاشًا واسعًا حول ما إذا كانت فرنسا قد بدأت فعلاً في الانزلاق نحو فقر بنيوي. سؤالٌ يبدو صادماً لبلد يتغنى بنموذجه الاجتماعي، لكنّه اليوم مضطر لمواجهة أرقام لا ترحم: ارتفاع معدل الفقر بنسبة 17% منذ 2017، حسب ما نقلته المجلة عن مكتب الإحصاء الأوروبي “يوروستات”.

الرقم الذي وصفته صحيفة لو جورنال دو ديمانش بـ”الكارثة الاجتماعية”، لم يرق للحكومة الفرنسية التي سارعت إلى نفيه، مدعية أنّ هذه المعطيات “مضللة” وتعتمد على “منهجية متغيرة”. لكن بدل أن تطمئن المواطنين، أثار هذا النفي جدلاً أكبر، خصوصًا مع إصدار بيان مطوّل وقع عليه أربعة وزراء، في محاولة لتفنيد الأرقام بدل تفسير أسباب هذا التدهور الصريح في أوضاع الفئات الهشة.

عندما تُصبح الأرقام خصمًا للدولة

الحكومة اختارت أن تلقي اللوم على تغيير المنهجية داخل “يوروستات”، وتحديدًا تلك التي أُدخلت سنتي 2020 و2022، والتي -حسب زعمها- تُصعّب المقارنة على المدى الطويل. لكن هذا الجدل لا يخفي الحقيقة المؤلمة: الأوضاع المعيشية لشرائح واسعة من الفرنسيين تتدهور، بصرف النظر عن التفسيرات التقنية.

وبالعودة إلى المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (Insee)، تسجل فرنسا معدل فقر بلغ 14.4% في 2022، بانخفاض طفيف جدًا عن العام السابق، ما يقدمه المسؤولون كدليل على “استقرار” الوضع. لكن حتى هذه القراءة لا تصمد أمام تحليلات أكثر عمقًا تُظهر أن فئات كاملة تُدفع تدريجيًا نحو الهشاشة، من دون أن تنعكس أوضاعها في المعدلات العامة.

فقر يلبس قناع الاستقرار

تعريف الفقر الذي تعتمده المؤسسات الفرنسية والأوروبية قائم على معيار رياضي: أي فرد دخله أقل من 60% من متوسط الدخل القومي يُصنَّف “فقيرًا”، ما يعادل حاليًا 1216 أورو شهريًا، أو 2554 أورو لعائلة من أربعة أفراد.

لكن هذا “الخط” نفسه ارتفع بنسبة 4.2% في خمس سنوات، مدفوعًا بالتضخم وتراجع القدرة الشرائية، وهو ما يفضح تناقضات خطاب الدولة التي تصر على أن “الفقر لم يتفاقم”، بينما يُعاد تعريفه صامتًا على أرض الواقع وفق معايير أغلى وأقسى.

الأرقام الصامتة تصرخ في وجه الجمهورية

بعيدًا عن الماكياج الإحصائي، تظهر الحقائق العارية حين ننظر إلى الفئات المتضررة: 35% من العاطلين عن العمل يعيشون تحت خط الفقر، ونسبة الفقراء بين الحرفيين والمزارعين تصل إلى 22%، ما يكشف عن هشاشة ممنهجة تضرب أطراف المجتمع، في ظل عجز السياسات الاجتماعية عن لعب دور الحماية الذي طالما تغنت به فرنسا.

تسييس الأرقام.. وتجاهل الأزمة الحقيقية

وفي وقت يتسابق فيه السياسيون الفرنسيون إلى التشكيك في المنهجيات، يُحذر الباحثون من اختزال النقاش في لعبة الأرقام، مؤكدين أنّ الفقر ليس مجرد مؤشر، بل تجربة حياتية تشمل السكن، التعليم، الصحة، والكرامة الإنسانية.

ما يجري في فرنسا اليوم، ليس فقط جدلاً بين مجلة وحكومة، بل مرآة لانكشاف “الدولة الاجتماعية” التي تبدو اليوم عاجزة عن حماية أضعف مواطنيها، وتفضل تبرير الفشل الإحصائي على مواجهة الحقائق الاجتماعية.

فقر في بلاد الرفاه: مفارقة مستمرة

فرنسا التي تدّعي ريادة في القيم وحقوق الإنسان، تقف اليوم في مفترق طرق خطير. فأن يزداد الفقر في بلد يُفترض أنه من الأغنى في العالم، فذلك ليس فقط إخفاقًا اقتصاديًا، بل فضيحة أخلاقية وسياسية تُعرّي كل شعارات الجمهورية ومثالياتها، وإذا كان من السهل تعديل الأرقام، إلا أنّه من المستحيل إخفاء المعاناة عن وجوه ملايين الفرنسيين الذين يعيشون على هامش “الازدهار” الوهمي.

شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا