لا يزال النقاش محتدما في الولايات المتحدة بشأن تداعيات قرار الرئيس دونالد ترامب المفاجئ بفرض رسوم قدرها 100 ألف دولار على تأشيرات العمل التي تعرف رسميا بـ"إتش-1 بي" (H-1B).
وتسمح تلك التأشيرة -التي بدأ العمل بها عام 1990- للشركات باستقدام عمال أجانب ذوي مهارات عالية ليشغلوا مؤقتا وظائف معينة في حال عدم توفر الكفاءات اللازمة في القوى العاملة المحلية.
وتسود حالة من الترقب والاستغراب، في أوساط أصحاب العمل وفي صفوف العمال داخل الولايات المتحدة وخارجها، بشأن تفعيل ذلك القرار وتداعياته على الشركات التي تعتمد على العمال الأجانب وعلى هؤلاء العمال أنفسهم وعلى الاقتصاد الأميركي برمته.
ورغم أن الإدارة الأميركية أوضحت أكثر من مرة أن هذه الرسوم الجديدة والقيود المفروضة على دخول البلاد لا تنطبق على حاملي التأشيرات الحالية أو من يرغبون في تجديدها، فإن حالة من القلق لا تزال تساور كل الأطراف المعنية بالقرار الجديد.
وتتباين التعليقات حول القرار الرئاسي الجديد، وعبر كثيرون عن استيائهم من تلك الخطوة لأنها في نظرهم قد تسهم في خفض الأجور وتضر بالعمالة الأميركية.
وفي المقابل، يرى آخرون أن القرار الرئاسي يصب في مصلحة سوق العمل الداخلي لأنه سيشجع الشركات على توظيف العمالة المحلية، وعلى الاستثمار في تدريبها.
ويذهب آخرون بعيدا في التعبير عن مخاوفهم، إذ لا يستبعدون أن هذه الرسوم الجديدة على تأشيرة العمل قد تدفع الشركات لنقل وظائفها إلى الخارج، وستعيق قدرة الولايات المتحدة على جذب الكفاءات الدولية، مما قد يؤثر سلبًا على الابتكار والنمو الاقتصادي .
وينصب جزء من النقاش الدائر بشأن القرار الرئاسي حول عدد تأشيرات العمل الممنوحة لمواطني الهند ، وما يترتب عن ذلك من آثار على سوق العمل ونظام التعليم في الولايات المتحدة وعلى العلاقات بين البلدين.
وفي ما يلي معلومات ومعطيات عن تأشيرات العمل في أميركا، وحصة العرب فيها، وعن الأضرار المحتملة على الاقصاد الأميركي جراء القرار الرئاسي الجديد.
يبلغ عدد حاملي تأشيرات العمل بالولايات المتحدة حوالي نصف مليون شخص. وبحسب بيانات وزارة الأمن الداخلي وخدمات دائرة الهجرة والجنسية التابعة لها، فإن الهند احتلت المرتبة الأولى من حيث عدد حاملي هذه التأشيرات خلال السنة المالية 2024 (من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى سبتمبر/أيلول 2024).
ويبلغ عدد الهنود الحاصلين على تلك التأشيرة 283 ألفا و755 شخصا بما نسبته حوالي 71% من مجموع التأشيرات، يليهم الصينيون (46 ألفا و722) وبلغت حصتهم 11.7% من إجمالي التأشيرات، ثم القادمون من الفلبين (5258) يليهم الكنديون (4227).
يبلغ عدد حاملي تأشيرات العمل القادمين إلى أميركا من البلدان العربية 3793 شخصا يأتي المصريون في مقدمتهم ، ويتوزعون كالتالي:
استحوذت المهن المرتبطة بالحاسوب على الجزء الأكبر من وظائف حاملي تأشيرة العمل في السنة المالية 2024. وتستعين شركات التكنولوجيا بأكبر عدد من حاملي تلك التأشيرة، كما أن شركات التصنيع والقطاع المالي والجامعات تستقدم أيضاً العمالة الماهرة من دول أخرى.
وتُعدّ شركات التكنولوجيا العملاقة، مثل مايكروسوفت و غوغل و أمازون و ميتا ، من أبرز الشركات التي توظف العاملين الحاملين لتأشيرات العمل.
وتم إصدار 399 ألفا و395 تأشيرة عمل في السنة المالية 2024، وكانت لعلوم الحاسوب حصة الأسد فيها بما قدره 255 ألفا و250 تأشيرة وهو ما يشكل 64% من مجموع التأشيرات.
وفي المرتبة الثانية حلت التخصصات الهندسية بـ40 ألفا و669 تأشيرة أي حوالي 10%، ثم يليها قطاع التعليم بـ23 ألفا و778 تأشيرة أي 6% من العدد الإجمالي للتأشيرات.
وكان نصيب باقي المجالات كما يلي: التخصصات الإدارية 21 ألفا و669 تأشيرة (5%)، الطب والصحة 16 ألفا و937 تأشيرة (4%)، الرياضيات والعلوم الفيزيائية 11 ألفا و246 تأشيرة (3%)، علوم الحياة 7393 تأشيرة (2.5%)، الإدارة والوظائف التدبيرية 6622 تأشيرة (2%)، المهن الفنية والإدارية 4899 تأشيرة (1%)، العلوم الاجتماعية 3385.
وشملت باقي التخصصات العلوم القانونية 1819 تأشيرة، الفنون 1743 تأشيرة، تخصص المتاحف والمكتبات والأرشيف 397 تأشيرة. وتوزعت باقي التأشيرات بين مجالات الكتابة والترفيه والرياضة والدين والمبيعات والتسويق.
وحلت شركة أمازون في المرتبة الأولى بتوظيف 10 آلاف و44 شخصا من حاملي تأشيرة العمل، ثم شركة تاتا للاستشارات بـ5505 أشخاص، وشركة مايكروسوفت بـ5189 شخصا، وشركة ميتا (الشركة الأم لمنصة فيسبوك ) بـ 5123 شخصا، وشركة آبل بـ4202 شخص، وشركة غوغل بـ4181 شخصا.
وتشمل المجالات -التي يحصل فيها حاملو تأشيرات العمل على أعلى متوسطات الأجور- التخصصات المرتبطة بالقانون، إلا أن البيانات تشير إلى أنه تم إصدار أقل من ألفي تأشيرة فقط لهذه الوظائف عام 2024.
ويبلغ متوسط دخل العاملين في التخصصات المرتبطة بالقانون 207 آلاف دولار أميركي (راتب سنوي) لمن حصلوا على التأشيرة لأول مرة، و230 ألف دولار لمن لديهم خبرة سابقة في هذا المجال بأميركا.
وفي المرتبة الثانية حل العاملون في مجال الإدارة والوظائف التدبيرية بمتوسط دخل سنوي يقدر بحوالي 125 ألف دولار لمن حصلوا على التأشيرة لأول مرة، و162 ألف دولار لذوي الخبرات السابقة في هذا المجال بأميركا.
أما العاملون في مجالات تكنولوجيا المعلومات، والذين يشكلون النسبة الأكبر من حاملي تأشيرات العمل، فإن متوسط دخلهم يبلغ 101 ألف دولار (راتب سنوي) لمن حصلوا على التأشيرة لأول مرة، و135 ألف دولار لمن راكموا خبرات في هذا المجال في الولايات المتحدة.
ويشار إلى أن متوسط دخل الأسر في الولايات المتحدة بلغ 83 ألفا و730 دولارًا عام 2024، وفق البيانات التي كشف عنها مكتب الإحصاء الأميركي في سبتمبر/أيلول 2025.
ويأتي القرار الرئاسي بشأن استقدام ذوي المهارات العليا من الخارج ليرفع حدة النقاش الذي اشتعل منذ تولي ترامب مهامه، حيث بدأ الحديث عن هجرة الأدمغة والكوادر العليا خارج البلاد في ظل التضييق على الحريات الأكاديمية وحالة عدم اليقين بشأن تداعيات القرارات الرئاسية ذات الطبيعة الاقتصادية (رفع الرسوم الجمركية وغيرها) إضافة إلى التشديد في مجال الهجرة.
وأمام تلك التطورات بدأت تتغير نظرة الكثير من العمال الأجانب إلى أميركا التي تضاءلت جاذبيتها ولم تعد مرادفا للفرص، ولكنها أصبحت بالنسبة لهم بلدا غير مستقر وغير مرحب بالأجانب إضافة إلى أن تكلفة المعيشة فيها أصبحت مرتفعة للغاية.
وبعد أن ظلت على مدى أكثر من 30 عاما واحدة من أهم سبل القدوم إلى أميركا، يرجح أن يتراجع بريق تأشيرة العمل بالنسبة للكثيرين جراء قرار رفع الرسوم إلى جانب الظرف العام في البلاد منذ تولي ترامب مقاليد الحكم.
وبهذا الصدد، نقلت وكالة رويترز عن أحد خريجي هندسة الحاسوب من الهند بولاية تكساس قوله "سأنتقل إلى كندا أو أوروبا. أي مكان يرحب بنا حقاً" وذلك في وقت ترغب عدة دول بينها الصين وأخرى في أوروبا على رأسها ألمانيا في استقطاب الكفاءات التي تتخلّى عنها الولايات المتحدة.
وأفاد موقع "سي إن بي سي" الأميركي أن الاقتصاديين يحذرون من أن الولايات المتحدة قد تواجه هروباً كبيرا لذوي الكفاءات والمواهب (مهندسون، أطباء، مبتكرون، باحثون..) مما قد يُضعف قدرتها التنافسية عالمياً.