تناولت صحيفة لوموند الفرنسية بحسرة شديدة مسار الجزائر الجديد في ما يخص السياسة اللغوية، حيث رأت أن البلاد تمضي بخطى ثابتة نحو تهميش الفرنسية، التي لطالما شكلت رمزًا لنفوذ فرنسا الاستعماري، لصالح تعزيز مكانة الإنجليزية باعتبارها لغة العلم والتكنولوجيا والانفتاح على العالم.
وأوضحت الصحيفة أن الإصلاحات التربوية الأخيرة قلصت بشكل كبير من ساعات تدريس الفرنسية في الطورين الابتدائي والمتوسط، فيما تم استبعادها نهائيًا من كليات الطب والصيدلة مع بداية الموسم الجامعي الحالي، ليحل محلها تدريس الإنجليزية. واعتبرت أن هذا القرار يمثل ضربة قاسية للنفوذ الثقافي الفرنسي داخل المؤسسات الأكاديمية الجزائرية.
وأضافت لوموند أن السلطات الجزائرية ذهبت أبعد من ذلك، حيث منعت المعهد الفرنسي في الجزائر سنة 2025 من المشاركة في الصالون الدولي للكتاب، وهي أهم تظاهرة ثقافية في البلاد.
كما سجلت الصحيفة تراجعًا لافتًا في عدد المسجلين بدورات المعهد الفرنسي لتعلم اللغة، الذي انخفض من 18 ألف سنة 2022 إلى 16 ألف فقط سنة 2024، ما يعكس فتورًا شعبيًا واضحًا تجاه الفرنسية.
وأشارت الصحيفة بحسرة إلى أن هذا التراجع لا يقتصر على التعليم والثقافة، بل شمل مجالات أخرى. فقد قررت الخطوط الجوية الجزائرية منذ أفريل الماضي إصدار تذاكرها بالعربية والإنجليزية فقط، رغم أن فرنسا تبقى أكبر سوق خارجية لها.
وفي السياق نفسه، أعلنت اتصالات الجزائر أن فواتيرها ستصدر مستقبلًا باللغتين العربية والإنجليزية في إطار تحديث خدماتها، وهو ما يعني إقصاء الفرنسية حتى من الحياة الإدارية واليومية.
واعتبرت لوموند أن هذه الإجراءات المتتالية تعكس انهيارًا تدريجيًا للفرنسية في الجزائر، حيث لم تعد لغة النفوذ والتأثير، بل غدت مجرد تذكار ثقيل للاستعمار. في المقابل، ترى الجزائر في الإنجليزية أداة إستراتيجية لفتح أبواب المستقبل أمام الأجيال الجديدة بعيدًا عن قيود الماضي.
في النهاية، يعكس مقال صحيفة لوموند وغيرها من الصحف الفرنسية التي تناولت هذا الملف، حسرة كبيرة وخيبة أمل واضحة، لا سيما وأن الجزائر تخوض معركة سيادية حقيقية لتحرير فضائها التربوي والإداري والثقافي من الهيمنة الفرنسية، وتؤكد أن رهانها الأكبر هو على الإنجليزية كلغة للعلم والتقدم، في رسالة سياسية واضحة لباريس مفادها أن زمن الوصاية اللغوية قد انتهى بلا رجعة.