آخر الأخبار

ثقوب الجاذبية.. الفخ الكوني الذي يعيد الكويكبات المدمرة إلى الأرض

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في سبتمبر/أيلول 2022، نجحت وكالة ناسا من خلال مهمة مركبة "دارت" الفضائية، في تحويل مسار الكويكب الصغير "ديمورفوس" الذي يدور حول الكويكب الأكبر حجما في النظام الثنائي المعروف باسم "ديديموس"، والذي يبعد 11 مليون كيلومتر عن الأرض، عن طريق إرسال مركبة فضائية لتصطدم به عمدا، مما أدى إلى تغيير مساره بشكل ملحوظ.

أثبتت المهمة للمرة الأولى أنه بإمكان البشر تعديل مسار الأجسام الفضائية التي تهدد الأرض، ولكن دراسة بحثية جديدة أجراها باحثون من جامعة إلينوي في أوربانا شامبين، ألقت بظلال من الشك على جدوى هذه التقنية كحل آمن ومطلق لتفادي وصول الكويكبات للأرض، وأوضحت أن اختيار موقع الاصطدام على سطح الكويكب بدقة بالغة أمر حاسم في أي محاولة لتحويل مساره.

الدراسة التي عُرضت نتائجها مؤخرا خلال الاجتماع المشترك للجمعية الأوروبية لعلوم الكواكب والجمعية الفلكية الأميركية في هلسنكي بفنلندا، كشفت عن احتمال مثير للقلق: إذا حدث الاصطدام في موقع غير دقيق على سطح الكويكب، فقد لا يتم تفادي الكارثة، بل فقط تأجيلها لسنوات أو عقود.

ثقوب الجاذبية

كانت مهمة "دارت" عبارة عن "مصادم حركي"، أي مقذوف اصطدم بالكويكب بطاقة كافية لدفعه إلى مدار جديد، مُثبتة بذلك أنه من الممكن إعادة توجيه الأجرام القريبة من الأرض، مثل الكويكبات، وقدمت دليلا عمليا على قدرة الإنسان على الدفاع الكوكبي.

ومع ذلك، لا يخلو مثل هذا الإجراء من المخاطر، ففي الدراسة الجديدة أوضح الباحثون أن مثل هذه المهمات الخاصة بتحويل مسار الكويكبات لا يمكن أن تُنفّذ عبر الاصطدام بأي موقع عشوائي على سطح الكويكب المهدِّد للأرض.

واكتشف الباحثون أن محاولة إزاحة كويكب بطريقة غير مدروسة قد يدفعه إلى المرور عبر مناطق خطيرة في الفضاء تُعرف باسم "ثقوب الجاذبية".

تتمثل هذه الثقوب في مناطق محدودة من الفضاء يمكن أن تؤدي جاذبية كوكب ما -مثل الأرض- داخلها إلى تعديل مدار الكويكبات أو الصخور الفضائية المارة بحيث تعود لاحقا في مسار اصطدام مع ذلك الكوكب. وبهذا المعنى، يعمل "ثقب الجاذبية" على فتح مسارات أكثر خطورة.

إعلان

يقول الباحث في مركز دراسات الأجسام القريبة من الأرض التابع لناسا، ستيفن تشيسلي "إذا مرّ كويكب عبر أحد ثقوب الجاذبية، فإن حركته داخل النظام الشمسي ستقوده لاحقا إلى مسار يؤدي في النهاية إلى اصطدامه بالأرض، وهذا يعني أنه قد نجد أنفسنا مضطرين إلى تنفيذ مهمة تصحيح مسار جديدة في وقت أقصر بكثير مما هو متوقع".

ويضيف في حديثه للجزيرة نت "حتى لو نجحنا في إزاحة الكويكب بعيدا عن الأرض، علينا أن نضمن ألا ينجرف لاحقا نحو ثقب جاذبي يضعه مجددا في مسار تصادمي مع الأرض، لأن حدوث ذلك يعني أننا سنواجه نفس الخطر من جديد، لكن بعد سنوات".

التحدي إذن يكمن في تحديد أفضل نقطة على سطح الكويكب لضربها بمركبة فضائية، بحيث يتم تقليل احتمالية دفعه إلى أحد هذه الثقوب، لهذا السبب طور الباحثون منهجية جديدة يمكن أن تدعم مهام الاصطدام الحركي، بدءا من مرحلة التصميم الأولية.

خرائط الاحتمالات

عند اصطدام كويكب ما، فإن تأثير الاصطدام يختلف باختلاف المنطقة المستهدفة على سطحه، حيث تحمل بعض المناطق مخاطر أكبر في دفع الكويكب نحو "ثقب الجاذبية".

لمواجهة هذا التحدي، طوّر الباحثون تشيسلي وزملاؤه نظاما جديد لحساب النقطة المثالية لاصطدام مركبة فضائية بالكويكب المتجه نحو الأرض، بهدف تقليل هذا الخطر.

اعتمد الفريق على البيانات التي تم جمعها من مهمة "دارت"، التي ساهمت في توفير معلومات قيّمة حول كيفية تحويل مسار أي جسم فضائي قادم نحو الأرض بأمان، مع مراعاة أن لكل كويكب خصائص مختلفة بشكل دقيق من حيث الشكل والكتلة والدوران والتضاريس.

وبهذا، تمكن الباحثون من إنشاء "خرائط احتمالية" لسطح الكويكب، حيث تمثل كل نقطة على الخريطة احتمالية مختلفة لإرسال الكويكب عبر ثقب جاذبي، ومن ثَم يمكن للعلماء اختيار الموقع الأكثر أمانا للاصطدام الحركي.

يقول تشيسلي الذي شارك في الدراسة "بفضل هذه الخرائط الاحتمالية، يمكننا دفع الكويكبات بعيدا مع ضمان عدم عودتها لاحقا نحو مسار تصادمي مع الأرض، مما يوفر حماية طويلة الأمد لكوكبنا".

ويضيف "من شأن هذه الخرائط أن تمكّن مخططي المهمات من اختيار أفضل نقطة ممكنة على سطح الكويكب لاستهدافها بالاصطدام، وبالتالي تقلّل خطر دفع الكويكب إلى مدارات خطرة مستقبلا".

يتطلب إعداد هذه الخرائط معرفة دقيقة بخصائص الكويكب: شكله وتضاريس سطحه (مثل التلال والحفر) وسرعته الدورانية وكتلته، للتنبؤ بكيفية تغيّر مساره عند الاصطدام في مواقع مختلفة.

في الحالات المثالية، يُرصد الكويكب الخطِر مبكرا بما يكفي لإتاحة الوقت لإرسال مهمة فضائية مخصصة للالتقاء بالكويكب عن قرب، وجمع بيانات وصور عالية الدقة تكشف عن خصائصه.

مصدر الصورة لكل كويكب خصائص مختلفة بشكل دقيق من حيث الشكل والكتلة والدوران والتضاريس (ناسا)

الاستعداد للاختبار القادم

من المنتظر أن يقدّم اقتراب كويكب "أبوفيس" ، الذي يصل طوله إلى 450 مترا، فرصة فريدة لجمع المزيد من المعلومات حول طبيعة هذه الأجرام الصخرية عند مروره بالقرب من الأرض بشكل استثنائي عام 2029.

ورغم أن العلماء أكدوا أنه لن يشكل أي خطر، إلا أن مرور جسم بهذا الحجم بالقرب من الأرض نادر الحدوث، حيث لا يتكرر هذا الحدث إلا مرة كل 7500 عام، لذا يسعى علماء الفلك جاهدين لإعداد بعثات فضائية لمراقبة هذا المذنب خلال السنوات الأربع القادمة.

إعلان

ومن المقرر أن تكون مركبتا الفضاء، الأولى التابعة لناسا (أوزايروس أبيكس) التي كانت موجهة أصلا لدراسة كويكب بينو، لكن تم تعديل مسارها الآن لدراسة كويكب "أبوفيس"، والثانية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية (رامسيس)، جاهزتين لمراقبة هذا الكويكب أثناء مروره قرب الأرض.

بالإضافة إلى مدار المركبة حول الكويكب من مسافة آمنة وجمع معلومات أساسية حول تكوينه وشكله، وسيسعى العلماء أيضا إلى إرسال مركبة فضائية صغيرة، لا يتجاوز وزنها كيلوغراما واحدا، للهبوط على سطحه، لقياس خصائصه الداخلية، بما في ذلك النشاط الزلزالي المتوقع حدوثه نتيجة مروره قرب جسم ضخم مثل الأرض.

ويوضح تشيسلي أن "تحديد الخصائص الفيزيائية والديناميكية للكويكب -مثل حالته الدورانية أو درجة تمايله- يمثل خطوة محورية في حال واجهنا تهديدا حقيقيا من كويكب مستقبلي".

ويضيف "هذه البيانات هي التي تتيح تصميم إستراتيجية دقيقة وفعّالة لتغيير مساره وضمان نجاح مهمة الاصطدام الحركي دون المخاطرة بعواقب غير محسوبة".

ومع ذلك، قد لا يكون هذا ممكنا لجميع الكويكبات المهددة للأرض، خصوصا إذا كان الوقت بين اكتشافها وموعد اصطدامها المحتمل بالأرض قصيرا.

لكن وفقا لتشيسلي، حتى في حال ضيق الوقت وعدم القدرة على إرسال مهمة فضائية قبل الاصطدام، فإن الأمل لا يزال قائما.

ويقول "يمكن في هذه الحالة إجراء هذا التحليل مبدئيا باستخدام بيانات التلسكوبات الأرضية لصنع خرائط أولية أقل دقة، رغم أن مهمة الالتقاء بالكويكب تبقى الخيار الأفضل".

ومن خلال حساب المسارات المحتملة للكويكب بعد الاصطدام الحركي، وتحديد أي المسارات قد يكون الأخطر، يستطيع العلماء معرفة الموقع الأكثر أمانا على سطح الكويكب للاصطدام، بحيث يبتعد عن الأرض من دون أن ينجرف إلى مسار أخطر لاحقا.

وقد نجح الباحثون بالفعل في اختبار هذه الطريقة على كويكب بينو (Bennu)، وحددوا أكثر من ألفي ثقب جاذبي محتمل، مما سمح لهم برسم خريطة تفصيلية لمناطق الاصطدام المثالية التي يمكن استهدافها بأمان بواسطة مركبة فضائية، مع مراعاة احتمالات الخطأ في أي مهمة فضائية، حيث قد تنحرف المركبة عن هدفها بأمتار قليلة.

نحو دفاع كوكبي أكثر دقة

في حالة كويكب ديمورفوس، لم يكن لموقع الاصطدام أهمية كبيرة، لأن نظام ديديموس الكويكبي ضخم للغاية بحيث لا يمكن دفعه إلى مسار يؤدي لاحقا إلى اصطدامه بالأرض.

لكن التهديدات المستقبلية لن تكون دائما بهذه السهولة، ففي حالة كويكبات أخرى تدور حول الشمس قد يكون الوضع أكثر تعقيدا، فحتى التغير الطفيف في مدارها قد يكون كافيا لتمر عبر ثقب جاذبي خطير. لذلك، فإن مهام الدفاع الكوكبي الحقيقية ستحتاج إلى دقة أكبر بكثير في التخطيط والتنفيذ.

من المتوقع تقدم مهمة "هيرا " (Hera) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، والتي ستصل إلى موقع اصطدام مهمة "دارت" في ديسمبر/كانون الأول 2026، بيانات قيّمة للمساعدة في تطوير هذه التجربة الضخمة إلى تقنية فعالة وقابلة للتطبيق لحماية الأرض من تهديدات الكويكبات المستقبلية.

ومن المقرر أن يُظهر مسبار "هيرا" الأوروبي قدرات جديدة بدءا من نظام الملاحة الذاتي حول الكويكب وصولا إلى عمليات الاقتراب في بيئة الجاذبية المنخفضة، لتصبح "هيرا" بذلك أول مسبار فضائي في تاريخ البشرية يصل إلى نظام كويكبي ثنائي.

رغم "الحظ الذي حال حتى الآن دون اكتشاف كويكب في مسار تصادمي مباشر مع الأرض" يحذر تشيسلي من أن احتمال وقوع تهديد من هذا النوع سيظل قائما، وقد يتحقق مستقبلا.

عند مواجهة مثل هذا التهديد، يرى أن الأدوات والتقنيات الحالية -مثل خرائط الاحتمالات وحسابات المسارات- ستوفر توجيهات دقيقة لتحديد نقاط الاستهداف الملائمة، مع الاعتماد على أفضل بيانات متاحة لضمان أن يكون الاصطدام في الموضع الأمثل لتفادي الخطر.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار