آخر الأخبار

لماذا تُشَكّل صنعاء مشكلة لإسرائيل والولايات المتحدة؟

شارك

الادعاء المركزي هنا أن صنعاء كانت الجهة الوحيدة في المنطقة التي أظهرت قدرة واستعداداً لمواقف تصبّ في خانة الردّ والضغط على إسرائيل، خصوصاً في سياق التضامن مع غزة، من منظور استراتيجي، أي جهة محلية تُظهر استقلالية في القرار العسكري أو السياسي وتخرج عن مدار النفوذ الغربي - الإقليمي تشكل تهديداً لموازين القوة التي تفضّلها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وجود سلطة مركزية قادرة على التحكم الإقليمي وأسطول من الخيارات العسكرية والاستخباراتية يُضعِف سيناريوهات التدخل الخارجي ويحدّ من إمكانيات بناء قواعد نفوذ بديلة.

النفوذ الإسرائيلي المباشر في اليمن محدود بحكم البعد الجغرافي والسياسي، لكنه يتجسّد عملياً عبر قنوات إقليمية- أبرزها الإمارات- التي وسّعت حضورها العسكري والاستخباراتي في مواقع استراتيجية (الموانئ والجزر والسواحل).

الآليات المتبعة تتضمّن: الشراكات الاستخباراتية والتقنية: نقل خبرات، أنظمة رصد، ودعم لوجستي لمراكز قوى محلية موالية، ودعم سياسي وضغط دبلوماسي على طبقات محلية لتبني خطاب التطبيع أو التخلي عن خيارات المواجهة الصريحة مع إسرائيل.

والنتيجة التي تأملها إسرائيل هي أن تكون لديها شبكة علاقات إقليمية - محلية تمنحها قدرة على التحكم بالتحركات من بعيد عبر وكلاء إقليميين.

أما في ما يخص منطق دعم الشرعية، فهو عبارة عن إعادة تشكيل الولاءات؛ فالخطاب الرسمي لما يسمى بالشرعية كثيراً ما يزعم أنه يعمل على استعادة الدولة، لكن قراءة التحركات الميدانية والسياسية تشير إلى تحول في بوصلة الولاء، من ولاء داخلي قومي إلى ولاءات تتقاطع مع المصالح الإقليمية الداعمة. مظاهر ذلك، ومن مظاهر ذلك ظهور أعلام غير العلم الوطني في مناسبات رسمية، وتحالفات عابرة للشعارات تتلقّى دعماً مادياً وعسكرياً مشروطاً، وخطاب سياسي يميل إلى إقصاء مشروع الدولة المركزي لصالح ترتيبات إقليمية تضمن مصالح داعمي هذه الفصائل.

هذه التحولات لا تعبّر فقط عن توازنات داخلية بل عن إعادة هندسة لمفهوم السيادة نفسها، فالاتصال بين أطراف جنوبية تطالب بالانفصال وبين خطاب التطبيع ليس عفوياً. بالنسبة لبعض الأطراف الإقليمية، دعم انقسام اليمن وتدعيم قواعد محمولة على ولاءات جديدة يحقق فوائد استراتيجية: قواعد بحرية وجوية، تحكم في طرق الملاحة، ومجال لعمليات استخباراتية، كل ذلك يسهّل أدواراً إقليمية أوسع، بما فيها التحالفات مع إسرائيل.

عندما يصبح وجود وزراء أو مؤسسات رسمية مجرد غطاء لسياسات خارجية تُسوّق باسم الشرعية، تُقَوَّض المشروعية الداخلية للدولة. فسيادة الدولة لا تُقاس بمجرد امتلاك مؤسسات واعتراف خارجي، بل بقدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة تحمي مصالح الشعب. إذا أصبحت هذه المؤسسات أداة لتقسيم وتدجين السيادة، فالمحصلة عملياً اغتيال سياسي وإباحة للسيادة والكرامة.

نحن أمام مشروع إقليمي، بقيادة شبكة مصالح تشمل إسرائيل وأذرعاً إقليمية، يسعى لاستخدام أدوات محلية في اليمن لهدفين متلازمين: إضعاف الدولة المستقلة القائمة في صنعاء، وتجذير نفوذ دائم عبر محاور مناوئة لهذه الدولة، لتكون النتيجة تضخيم الفوضى وتجزئة السيادة وإطالة أمد النزاع، وبالتالي استعادة النفوذ الخارجي على الأرض والدولة، وهو ما تدركه صنعاء جيداً وتعمل على مواجهته.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا