وألقى هذا التقرير الذي كشف عن لقاءات سرية بين ممثلين عن المجلس الانتقالي الجنوبي وجهات إسرائيلية، بظلاله الثقيلة على المشهد اليمني، حيث جاءت هذه الخطوة لتكشف الغاية الحقيقية من وراء دعم الإمارات لمشروع الانفصال عبر إنشاء المجلس الانتقالي والفصائل المسلحة التابعة له، وتمويل كل نفقات الانتقالي طيلة الثمان السنوات الماضية، والتي تثبت الأيام أنها جميعا كانت لخدمة الأجندة الإسرائيلية، والهيمنة الغربية في المنطقة، وهي أجندات كرست الإمارات نفسها للعمل عليها منذ سنوات.
ولم يكن مفاجئا ما كشفته الصحيفة البريطانية حول اللقاءات السرية بين ممثلين عن الانتقالي وجهات إسرائيلية، حيث سبق وأن أطلق رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي تصريحات متلفزة تفيد باستعداد المجلس للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، في حال نجح مشروع الانفصال، وهو التصريح الذي فهم حينها بأنه استجداء للدعم الأمريكي والغربي لمشروع الانفصال، وذلك تأسيا بالإمارات التي جاء تصريح الزبيدي بعد أيام من إعلانها التطبيع مع إسرائيل، كما توالت تصريحات الزبيدي وغيره من قيادات الانتقالي خلال معركة إسناد صنعاء لغزة، والمواجهات بين صنعاء والبحرية الأمريكية في البحر الأحمر، والتي أبدوا خلالها الاستعداد لخوض حرب بالوكالة ضد صنعاء، وهو ما يعني الوقوف في خندق واحد مع كل من أمريكا وإسرائيل .
وبالعودة إلى ما كشفته الصحيفة البريطانية، فإن هذه الخطوة، الأخيرة التي لا يبررها مطلقا أنها أتت تحت غطاء البحث عن "قضية مشتركة" في مواجهة "الحوثيين"، يرى محللون أنها كانت بمثابة تأكيد المؤكد، بأن الانتقالي الذي ينظر إليه منذ أنشائه في العام 2017، كأداة إماراتية، لم يكن يوما منفصلا عن الإماراتية الإسرائيلية، والمشاريع المشتركة بين أبوظبي وواشنطن وتل أبيب في المنطقة، بل إن كل تحركات الانتقالي هي في خدمة هذه المشاريع في اليمن والمنطقة، كأداة تنفيذية، في مغامرة غير محسوبة بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وأمنه واستقراره مستقبلا.
ويؤكد المحللون أن سعي المجلس الانتقالي لكسب دعم خارجي، وتحديداً من دوائر داعمة لـ "اتفاقيات إبراهيم"، مقابل التلويح بالتطبيع والاعتراف بإسرائيل، يكشف عن جوهر مشروع التشطير، وأنه لم يعد الانفصال غاية في حد ذاته، بل أصبح وسيلة لتكريس الهيمنة الغربية الإسرائيلية في اليمن.
ويذهب التقرير البريطاني إلى أن المجلس الانتقالي يرى في وحدة اليمن عقبة أمام تحقيق طموحاته، ويسعى جاهداً لتقديم تنازلات غير مسبوقة على مستوى الثوابت الوطنية والقومية مقابل الحصول على اعتراف بما يسميه "دولة الجنوب"، وهنا يشير المحللون إلى أن هذا التكتيك، الذي يقوم على المتاجرة بالقضية الوطنية مقابل مكاسب فئوية، يضع مشروع الانفصال في موضع الإدانة الأخلاقية والسياسية على حد سواء، ويؤكد أنه لا يخدم إلا المصالح التوسعية ومشاريع الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة.
ومن المنظور اليمني المناهض للاحتلال الإسرائيلي والرافض لأجنداته في المنطقة العربية، فإن هرولة الانتقالي للارتماء في حضن العدو الإسرائيلي، وإبداء الاستعداد للتعامل معه وبناء شراكة تستهدف اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، كما تخدم العدو الذي ينظر إليه اليمنيون كخطر بتهدد العروبة والإسلام والأرض والمقدسات، تمثل ما يمكن تسميته بـ "خيانة مزدوجة" وخطوة ذات أبعاد كارثية.
ووفقا للمحللين فإن انخراط الانتقالي في مباحثات تستهدف وحدة اليمن واستقلاله وسيادته، مع كيان يعتبره الشعب اليمني بأغلبيته العظمى كياناً عدوانياً وغاصباً، هو ضربة مباشرة لمبدأ التوافق الوطني وجهود المصالحة، وبذلك فإن هذه اللقاءات بين الانتقالي وجهات إسرائيلية ترسخ الانقسام وتؤجج الصراع، وتجعل العودة إلى طاولة الحوار الوطني أكثر تعقيداً، كما أن تقديم المجلس الانتقالي نفسه كـ "حارس أمن" للمصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر، تحت ذريعة مواجهة الحوثيين، يكشف عن انخراط كامل في المخططات الإقليمية التي تهدف إلى السيطرة على المضائق الحيوية. هذا التحالف يضع المجلس الانتقالي في خندق العدو ويجعل كل تحركاته تخدم مباشرة هدف تصفية القضية الفلسطينية، وتدعم أجندة الكيان الإسرائيلي في المنطقة.
وفي ضوء تعقيدات المشهد الراهن سواء على مستوى الداخل اليمني أو الإقليم، وحتى على المستوى العالمي، فإن رهان المجلس الانتقالي على استغلال التوترات الجيوسياسية الراهنة، وتقديم التطبيع كورقة لتحقيق مكاسب من أي نوع كانت، يُعد رهاناً خاسراً ومحفوفاً بالمخاطر، ففي الوقت الذي تتجه فيه المنطقة نحو إعادة ترتيب الأولويات، فإن الانخراط في مشاريع التطبيع القديمة يعزل المجلس عن التيار الشعبي اليمني والعربي الرافض بشدة لأي علاقة مع الكيان الصهيوني، كما أن هذه التحركات أن هدف المجلس الانتقالي لم يعد يقتصر على الانفصال، بل اتسع ليصبح وظيفة إقليمية تتمثل في تفكيك الدولة اليمنية والعمل كـ "وكيل محلي" لخدمة أجندات خارجية تهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها.
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية