آخر الأخبار

 المرتزقة الرقميون وإسرائيل .. تجارة القمع التي دخلت العالم العربي رسمياً

شارك

شركات التجسس الإسرائيلية، التي يصفها كثيرون بالمرتزقة الرقميين، وجدت في بيئة التطبيع سوقاً ذهبية. لم تعد بحاجة إلى العمل في الظل أو عبر وسطاء، بل باتت تدخل بعض الدول العربية من الباب الرسمي، بعقود موقّعة، وغطاء قانوني محلي، وتسهيلات سياسية. هكذا تحوّلت أدوات الاختراق من تهديد خارجي إلى "حل أمني مستورد"، يُقدّم بوصفه تطوراً تقنياً، بينما هو في حقيقته تنازل فادح عن السيادة الرقمية.

الفضيحة الكبرى أن هذه الأدوات، التي طُوّرت في بيئة استخباراتية معادية للعرب تاريخياً، لم تُستخدم فقط لملاحقة تهديدات أمنية حقيقية، بل وُجّهت في كثير من الحالات نحو الداخل العربي نفسه. صحافيون، معارضون، نشطاء، وحتى شخصيات سياسية، وجدوا أنفسهم تحت المراقبة عبر تقنيات إسرائيلية، بموافقة أو علم أنظمة يفترض أنها تحمي مواطنيها لا أن تسلّم بياناتهم لخصم تاريخي.

التطبيع هنا لا يبدو مجرد خيار سياسي، بل صفقة أمنية غير متكافئة. إسرائيل لا تبيع التكنولوجيا فقط، بل تفرض نموذجها الأمني القائم على المراقبة الشاملة والاشتباه الدائم. ومع انتقال هذا النموذج إلى بعض الدول العربية، تتآكل المساحات القليلة المتبقية لحرية التعبير، ويُعاد تعريف "الأمن" ليعني إخضاع المجتمع بدل حمايته.

الأخطر أن هذا المسار يمنح إسرائيل كنزاً استراتيجياً لا يُقدّر بثمن، وهو البيانات. بيانات المجتمعات العربية، شبكاتها، نخبها، اتجاهات الرأي فيها، تتحول إلى مادة خام في يد شركات مرتبطة عضوياً بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. بهذا المعنى، لا يعود التطبيع مسألة علاقات دبلوماسية، بل يصبح اختراقاً عميقاً للبنية الداخلية للدول والمجتمعات.

في وقت تُجرّم بعض الأصوات العربية أي تحذير من مخاطر التطبيع، تتوسع هذه الشراكات بعيداً عن النقاش العام، وبلا شفافية أو رقابة. لا يُسأل من يشتري هذه التقنيات، ولا كيف تُستخدم، ولا من يضمن ألا تتحول من أدوات مراقبة إلى وسائل ابتزاز سياسي أو تصفية حسابات داخلية.

إن الربط بين التطبيع والتجسس الإسرائيلي ليس ادعاءً، بل قراءة واقعية لمسار بدأ اقتصادياً وانتهى أمنياً. فحين تُفتح الأبواب بلا شروط، لا تدخل الاستثمارات فقط، بل تدخل معها أجهزة المراقبة، والعقيدة الأمنية، ومنطق السيطرة.

في الخلاصة، يكشف هذا المشهد أن التطبيع لم يكن طريقاً للسلام بقدر ما كان ممراً لاختراق غير مسبوق. اختراق لا يستهدف الحدود، بل العقول والبيانات والخصوصية. ومع استمرار هذا النهج، يصبح السؤال الأخطر ليس عمّن يتجسّس، بل عمّن سمح للتجسس أن يصبح جزءاً من الواقع العربي باسم الشراكة والتقدم.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا